العدد 5076 - السبت 30 يوليو 2016م الموافق 25 شوال 1437هـ

ناريس قمبر: الرجل قد “يصنع” أو “يكسر” المرأة

تستذكر شريط الذكريات فتعود إلى مرحلة الطفولة، فمنذ طفولتها كانت بالعلم والتعلّم، وقد كان لتشجيع والدَيها الأمرُ البالغُ في حياتها، وهما في الحقيقة مصدر فخر متبادل، فقد ترى في عينَي والدَيها نظرة الفخر حتى تفوّقت في دراستها إلى المرحلة الثانوية العامة وكذلك في الجامعة حيث درست العلوم السياسية في المملكة المتحدة، وكان هناك هاجسٌ كبيرٌ يروادها بأن تحقق حلماً ليس بالضرورة في مجال دراستها، وإنما في أيّ مجال تنال منه التميز.

تزوجت ضيفة "إشراقة بيللا" رائدة الأعمال ناريس نبيل قمبر مبكراً ولمَّا تدخل مجال العمل حينها، لكنها ترى أن زوجها رئيس تحرير صحيفة "البلاد" ورئيس جمعية الصحفيين البحرينية الكاتب مؤنس المردي (أبا محمود) خير سند، حتى أنه كان يدفعها بالتشجيع ويقول مكرراً:"تستطيعين فعل أي شيء وستحققين ما تريدين تحقيقه مهما كان ذلك المجال لطالما هو في محيط اهتمامك حتى لو كان جائزة نوبل"، ومع هذا النوع من التشجيع بدأت التفكير ملياً في دخول عالم الأعمال من بوابة الطبخ، وفي بداية الزواج انشغلت بتربية العيال، لكن كانت البداية في اللقاءات العائلية وكذلك في حال الاستعداد للأنشطة الخيرية فلم يكن مستغرباً أن يشاهد الأهل 50 كعكة في يوم واحد جاهزة للتوزيع منذ بدء تحضيرها، ثم أن والدتها - حفظها الله - خبيرة في هذا المجال وهي أول بحرينية حائزة على الدكتوراه في "تراث الطبخ"، وبهذا تحولت هواية ناريس إلى عمل، وعلّنا نتجول بين البدايات ومشروع "حلويات جنى" ومقهى "زعفران"، ونبدأ بسؤالنا الأول بالطبع عن أول محطة كيف كانت؟

من "جانيت" و"إلهام علي"

دعينا نتعرف إلى أول طبق من أفكاركِ؟

أول طبق حلو قدمته كعلامة خاصة بي اليوم هي شوكولا الألماس "تشوكليت دايموندز" وقد ابتكرتها عندما كنت أعيش في لندن أيام الدراسة، وبالمناسبة كانت والدتي هي معلمي الأول، ثم بعد زواجي تعرفت إلى سيدة إنجليزية تُدعَى جانيت مجتبى كانت تعيش في البحرين وهي معلمة في جامعة بريطانية وعلى يديها تعلم أشهر الطباخين الإنجليز جيمي أوليفر، ومن حسن الحظ أن زوجها باكستاني الجنسية ويعمل مصرفياً في البحرين فعاشت مع زوجها وعيالها في البحرين، وكانت تقدم دورات في الطبخ بشكل مكثف، ولأن من طبيعتي التعلم السريع منذ الصغرتعلمت من جانيت الكثير الكثير ولم أكتفِ بذلك، فقد تعلمت على يد سيدة اسمها إلهام علي واستفدت من خبرتها وفنها، وحديثي يعود بي إلى العام 2000، فقد كانت هناك الكثير من المعاهد التي تقدم دورات في مجال الطبخ، وآنذاك كانت لي الرغبة في دخول هذا المجال بل كنت حينها أرغب حتى في السفر إلى الخارج لحضور دورات متخصصة لكن لصغر سن عيالي لم أتمكن من ذلك، غير أننا انتقلنا للسكن في منطقة الهملة وذلك في العام 2002فلم يكن في محيط منطقة السكن نشاط كبير كما هو الحال اليوم... بقالة (برادة) وحيدة كانت في مجمع الهملة التجاري، وكان بيتنا وبيت جيراننا كمال ابني السفير السابق عبدالرحمن كمال - رحمه الله - إياد وجهاد مع عائلتيهما الوحيدين في المنطقة التي قطنا فيها، حتى أننا كنا نرى الضب بكثرة في منطقة السكن؛ كونها ذات طبيعة صحراوية، وفي مجمع الهملة وجدت هذا الركن، وحينما كنت أعبر مع زوجي أقول:"أشوف نفسي في هذا المحل... مكاني"، وكان ينظر إلي باستغراب متسائلاً:"أي محل؟"، وبالفعل، استأجرنا هذا المكان واليوم أقول: ليتني استأجرت 3 بدلاً من 1، لكن في تلك الفترة كنت منطلقة كبداية لهذا قررت أبدأ بداية يسيرة على أن تخطيطي على المدى الطويل أن أتوسع.

لم أشعر قط بالاضطهاد

أم محمود، عادةً ما يتكرر السؤال عن واقع المرأة البحرينية والخليجية وكذلك العربية من ناحية المساواة والتمكين ولكل طرف رؤاه في هذا الشأن، ماذا عنكِ؟

أحمد الله أننا نعيش في البحرين، وأستحضر موقفاً مع صحفية أميركية أجرت معي لقاءً قبل عدة سنين ضمن سلسلة تقارير بشأن أوضاع المرأة في العالم العربي، وكانت أسئلتها مبرمجة بحيث تظهر صورة المرأة العربية وكأنها مضطهدة من جانب الرجال، قلت لها حينها:"واللهِ، للأمانة، ليس هناك شيء من هذا القبيل الذي تطرحينه، وخصوصاً في دول الخليج العربي، وبالنسبة إلينا في البحرين، ربما ليست لنا حظوة اقتصادية، لكننا ذوات حظوة تعليمية فلدينا الثقافة البحرينية التي ولدت جيلاً متسامحاً في كنف شعب متسامح ويحترم الآخر كما يكنّ كل الاحترام للمرأة والاحترام متبادل بين الرجل والمرأة في كل مجالات العمل في البحرين، فالمرأة التي تثبت نفسها علمياً وعملياً وتجد كيانها ووجودها لها أن تحقق النجاح الذي تطمح إليه.

جنودٌ مجهولون لم يقصروا معي

حتى مع وجود معوقات قسرية؟

ما تحتاج إليه المرأة هو الدعم من الدائرة المحيطة بها وهي أهم دائرة حتى لو كانت المرأة معجزة زمانها ولا تحصل على دعم أسرتها فإنها لا تستطيع تحقيق أي تقدم، ولا ننسى جهود المجلس الأعلى للمرأة ودور قرينة جلالة الملك صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، وقد تشرفت بتكريمي من قبل المجلس بالإضافة إلى سيدات بحرينيات في مبادرة "رائدات العمل البحرينيات".

تبتسم وتواصل حديثها: وأكرر دائماً، لولا المؤثرات الإيجابية الداعمة لم يكن بإمكاني تحقيق شيء والله يكثر من أمثال زوجي ويرزقهم الخير والسعادة، ومن جانب أهلي وجيراني فإنهم لم يقصروا معي، وهم كالجنود المجهولين الذين أجدهم في حال الضيق والضجر والكل يتسابق لمساندتي.

شرطي البيت

علّنا ندخل إلى وجدانك ونسأل عن القضايا المجتمعية التي تشغل اهتمامك؟ هل هناك جوانب محددة تتأثرين بها ومنها؟

أنا من الناس الذين يتمنون تغيير الكثير من الأمور في العالم، ولكن المتاح هو ما يجب أن يكون بين أيدينا، فقضايا الطفل تأخذ اهتماماً كبيراً مني حتى إذا توجهت ليلاً بالدعاء إلى أولادي فإنني أشمل بالدعاء كل الأطفال في العالم وأن ينعم الله بالأمن والخير على كل طفل بائس ومُعنَّف وليس له القدرة على أن يعيش طفولته، فالله سبحانه وتعالى أنعم على عيالي بوالد حنون وربما هو أكثر حناناً مني فأنا "شرطي البيت"، وقد تعلمت من والدي - رحمه الله - الحب الذي يبقى كالبحر الذي لا ينتهي، ولهذا كلما عاش الطفل في بيئة كريمة من الحب والتقبل من الأهل فإنه يعيش بأمان وهذا ما أتمناه لكل طفل في العالم دون نظر إلى دين أو طائفة أو لون أو عرق، وفي البحرين أتفاعل مع القضايا ولاسيما في رعاية الأطفال والأسر التي تحتاج إلى الدعم والمساندة ولو بالكلمة وبالشعور المعنوي.

وبالطبع، قضايا المرأة تشغل اهتمامي، فالمرأة التي تشعر بحقوقها مصانة وحياتها محترمة فإنها تقوى وتنتج، فهي مدرسة في الأساس إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، والطفل الذي يعيش في رعاية أمّ قوية فإنه بلا شك ينمو في بيئة مناسبة لحياة كريمة منتجة.

تجربة "إكسبو ميلان" الفريدة

تتحدثين عدة لغات وتعشقين إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ، هل لا تزال علاقة العشق مع القراءة لديك كما هي؟

أعشق القراءة كثيراً، وفي عالم التواصل الإلكتروني والإعلام المذهل ولاسيما على صعيد شبكات التواصل الاجتماعي، فإنها أثرت كثيراً في ميولنا للقراءة؛ لأننا انشغلنا كثيراً بها، ومع ذلك فخير جليس في الأنام كتاب؛ لأنه ينقلك إلى عوالمَ ومعارفَ، وقد تأثرت بكُتّاب كبار من أمثال إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ، ويحز في نفسي اليوم أن أبناءنا محرومون من لذة عبدالقدوس ومحفوظ. أحب القراءة بالعربية والإنجليزية وكذلك الفرنسية وتمنيت لو تعلمت اللغة الألمانية وبدأت خطوات فعلية لكن بسبب مرض والدي - رحمه الله - توقفت، ومن هواياتي بالطبع الطبخ، وهو بمثابة عشق والعشق دائماً يخرج من النافذة إذا دخل العمل الإداري من الباب، فبعد أن دخلت مجال الأعمال انصب انشغالي على إدارة العمل والموظفين، ثم أنني أهوى عزف البيانو أما هوايتي حديثة العهد فهي السفر، فالسفر ليس له 7 فوائد كما يُقَال، بل بالنسبة إلي له 70 فائدة، وكانت تجربة العام الماضي 2015 في إيطاليا أثناء إقامة معرض "إكسبوميلان" فريدة فقد تم اختياري كسفيرة للجناح البحريني ضمن هذا الحدث العالمي الذي يُعقَد كل 4سنوات، وكنت أمثل البحرين في الإشراف على مقهى جناح البحرين، ويتطلب عملي الذهاب إلى خارج ميلان على بُعد ساعتين من ميلان للعمل مع الطباخين، وطيلة العام الماضي كنت أسافر وأعود إلى البحرين، ولله الحمد حصلنا على المركز الثاني في فئة تصاميم الحدائق والهندسة، كما حصلت "الرنقينة" البحرينية التي قدمتها على المركز الأول بين 148 دولة.

وبالتأكيد، هي مهمة كبيرة في ظل الالتزامات العائلية، فلدينا ولله الحمد 4 من الأبناء هم: محمود، نبيل، جنى وراكان أصغرهم عمره 8 سنوات، وابننا محمود في الـ17 من العمر وهي يدرس في الفترة الصيفية حالياً في كامبرديج بإنجلترا، وعلى الإنسان أن يحمد ربه على ما يراه من ثمرة تعبه، ولكِ أن تتخيلي وضع امرأة متزوجة ولديها أبناء وتسافر طيلة سنة كاملة أسبوعاً من كل شهر، فأقول:إن دعم الزوج والأسرة يظهر جلياً هنا، بل حتى إخلاص الخدم في عملهن، والأهل الذين يتابعون شؤون العيال والمنزل. هكذا تنطلق المرأة في عملها.

كن مستعداً... دائماً

حافلة بالجهد تلك السنة، فهل كان من السهل التوفيق بين الأسرة والعمل والسفر؟ هل يخضع ذلك أيضاً لمذكرة التنظيم؟

في التوفيق بين الالتزامات العملية المتعددة وشؤون المنزل والأهل والعلاقات الاجتماعية يتوجب عليك أن تكون كالساحر، والسحر الذي أقصده هنا هو سحر التنظيم وجدولة الأعمال فالحياة كلها بالنسبة إلي "مذكرة تنظيم" وكل شيء في أمور الحياة الأسرية والاجتماعية والعملية مجدول؛ لذلك أحرص على التحضير لكل الشؤون مبكراً بوقت مناسب، ومن ذلك أن حتى ملابس العيد ومستلزماته أشتريها قبل شهر رمضان بأسبوع، كما أن متطلبات العام الدراسي المقبل جاهزة، بل حتى الحقائب التي لا أجدها في السوق أطلبها "أون لاين"؛ كسباً للوقت.

أما على صعيد العمل، فلأننا نواجه أسلوب عمل يعتمد على القرار في اللحظات الأخيرة والعجلة والبركة، فقاعدتي هنا "كن مستعداً"! حتى لا ترتبك الأمور وتُصَاب بمحيط من الفوضى، وسأقول شيئاً، وهو:إنني في بداية تدشين مشروع مقهى "زعفران" أُصِبت بنوبات قلق لا أتمناها حتى للعدو، فذلك القلق ينعكس على أي إنسان بانعكاسات تؤثر على صحته وهذا مؤشر مضر حقاً، فإدارة الوقت وترتيب الجداول والاستعداد قبل وقت مناسب هو أمر حسن، ولا ننسى بالطبع، الدعاء والتوكل على الله سبحانه وتعالى في كل شيء.

حققوا أحلامكم

عُرف عنكِ إزالة كل المشاعر والآراء المسببة للإحباط و"التحلطم" من جانب المحيطين، فكيف تكسرين ذلك؟ وكيف تساعدين الأخريات على كسر المحطة الأولى للفشل؟

كل إنسان له درب مختلف عمّن سواه، وطريقه سيكون فيها معوقات عدة لكن هذا جزء من الحياة، فإذا أردت حياة بلا مشكلات فأنت إنسان ميت! لابد للإنسان أن يواجه تحديات ومعوقات ويتجاوزها، وكلما حيَّد الإنسان مشاعره وتعامل مع المصاعب بوعي وإدراك تمكن من الوصول إلى بر الأمان، وعلينا أن نستمتع بالتحدي، فأكبر عدو للإنسان هو صوته الداخلي وليست المؤثرات الخارجية، فالعدو الداخلي هو صوت الإحباط والتسقيط، وخصوصاً حين نعيش في مجتمع "مُحبِط ومُحبَط"، ولا بأس من اتباع الحديث النبوي الشريف:"استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، ولهذا أوجه نصيحتي لكل فتاة وامرأة بحرينية بأن "التحلطم" يوقف المسيرة، لكن الاستماع إلى القلب واتباع الحلم هو ما علينا فعله، وأقول:"ما عليكم من أحد... وحققوا أحلامكم"، وكما أتضايق من سمة موجودة في الجيل الجديد وهي الاتكالية والاعتماد على الغير، فلابد من العمل وعلى صعيد إدارة المشروعات، لابد أن يراك فريق عملك من الموظفين والموظفات وكذلك الزبائن ويجدونك حاضراً دائماً في عمل مستمر، ثم بعد ذلك لنكافئ أنفسنا بإجازة أو إعطائها ما تحب. وفق ذلك، سنتوكل على الله سبحانه وتعالى وسنعدو على طريق النجاح مهما برزت المعوقات والحواجز.

العدد 5076 - السبت 30 يوليو 2016م الموافق 25 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً