العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ

جوانب من الفكر الإداري المعاصر (1)

أولاً: ماذا يفعل المديرون؟

إن أي بحث عن الإدارة يتوخى الفاعلية يفضل أن يكون منطلقه تحديد نوع العمل الذي يقوم به المدير. وقد يتصور البعض أنه من السهل الإجابة عن هذا السؤال. أليس كل كتاب عن الإدارة يخصص قسماً منه لعرض الجوانب الوظيفية للإدارة وتناول المهام الرئيسية التي يقوم بها المدير؟. وتكمن الصعوبة في أنه لو عاد المرء إلى ما يقرره علماء الإدارة في ذلك الشأن لوجدهم يتباينون في بعض ما يحددونه للمدير من مهام رئيسية أو ما يؤكدون عليه منها.

لنتأمل ما أورده «لويس ألن» في الفصل الثاني من كتابه «الإدارة والتنظيم» لدى تناوله ما دعاه بعناصر الإدارة. لقد حدد «ألن» تلك «العناصر» في خمس مهام رئيسية (تتضمن عدة فعاليات) بيانها كما يلي:

-1 التخطيط - ويشمل التنبؤ، تحديد الأغراض، صياغة السياسات، بناء البرامج، وضع الجداول، تحديد الإجراءات، وضع الميزانيات.

-2 التنظيم - ويشمل تحديد وتجميع نشاطات العمل، تفويض المسؤولية والسلطة، توطيد العلاقات.

-3 التنسيق - ويشمل تحقيق التوازن، تحديد المواقيت، تحقيق التكامل.

-4 الحفز - ويشمل الاختيار، الاتصال، المساهمة، التقييم، الإرشاد، الدعم، التدريب، التعويض، التوجيه، الفصل (العزل).

-5 الرقابة - وتشمل استخدام معايير الأداء، القياس، التفسير، تصحيح مسار العمل.

ولنقارن ذلك بما أورده آخرون ولنبدأ بـ»أرنست ديل» أستاذ علم الإدارة بجامعة بنسلفانيا في الفصل الأول من كتابه «الإدارة»: نظرية وتطبيقا» وهو فصل عنوانه «ما هي الإدارة؟». فلقد ذكر ما قرره «لوثر غوليك» من أنه بالإمكان اعتبار أن مكونات الإدارة تشمل ما يلي:

التخطيط - التنظيم - التوظيف - التوجيه - الرقابة - التجديد - التمثيل.

ثم أشار «ديل» إلى أن هناك عدداً آخر من الوظائف التي يمكن أن تذكر ولكنها في رأيه مهام فرعية وضرب مثلاً بـ»الاتصال» (Communicaton) وقال عنه إنه رغم أهميته إلا أنه يمكن اعتباره كتفرع من مهمة «التوجيه». ولقد أكد «ديل» بأن المهام التي أوردها كمكونات فعلية لما يقوم به المدير تسهل دراسة موضوع الإدارة حيث إن هنالك نظريات وتقنيات قابلة للتطبيق بالنسبة لكل مكون فيها. كما لفت النظر إلى أن تلك المهام المتنوعة للإدارة التي تشكل أجزاء من وظيفة المدير، لكل منها أهميتها. ثم نبه إلى أن هذه الأهمية هي نسبية حيث أنها تختلف بالنسبة للمهمة الواحدة باختلاف الزمان واختلاف المكان... وإن ذلك التقسيم لمكونات الإدارة، إلى الحد الذي يمكن معه أن يكون علمياً، يجب أن يستخدم ما يمكن أن يدعى بالمنحنى أو المدخل المتعدد المجالات Multidisciplinary approach، أي أن نظريات وتقنيات من عدة علوم يلزم أن تستخدم في وظيفة الإدارة، وأن هذه المهام السبع هي مشتركة في إدارة الأعمال وفي الإدارات وفي الميادين الأخرى، وإن كانت الطرق التي بها تستخدم تختلف باختلاف الميادين.

أما «كلود س. جورج الابن»، فإنه يلخص، في الفصل الثاني عشر من كتابه «تاريخ الفكر الإداري» بعنوان «نظرية عامة في الإدارة»، الجوانب الوظيفية من الإدارة في أربعة عناصر فقط هي: التخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة. ولقد انطلق من تحديده وتحليله لتلك العناصر إلى تأكيد ما يلي:

-1 إن العملية ليست سلسلة من مهام وظيفية منفصلة... بحيث يمكن ممارسة أي منها مستقلة عن الأخرى، وإنما الإدارة عملية مركبة مكونة من هذه العناصر... وإن أياً من هذه الوظائف لا يمكن ممارستها دون أن تتداعى لها الوظائف الأخرى.

-2 إن المدير باستخدامه العناصر الأربعة إنما يؤدي واجبه الخاص بتهيئة الظروف المادية والذهنية المؤدية إلى المشاركة المنسقة لأعضاء الفريق أو المشتركين.

-3 إنه رغم احتواء التركيب أو المزيج على عناصر ثابتة بصرف النظر عن مستوى الإدارة، فإن نسب العناصر بعضها الى بعض يختلف باختلاف الوظيفة الإدارية، بل قد يختلف بمرور الزمن بالنسبة لنفس الوظيفة الإدارية.

والملاحظ أن الكتّاب الثلاثة متفقون أن التخطيط والتنظيم والرقابة هي عناصر رئيسية أو مكونات أساسية لوظيفة المديرين، وبينما نجد «ديل» و»جورج» الابن يتفقان على أن التوجيه هو أيضاً من ضمن المكونات أو المهام الرئيسية، يختلف الثلاثة في نظرتهم إلى مدى أساسية الأوجه الأخرى.

والآن لنتأمل ما أورده «جورج ر. تري» في الفصل الثاني من كتابه «أسس الإدارة» الذي نشره عام 1970 وهو فصل عنوانه «المهام الإدارية». صحيح أنه لم يورد أية شواهد من أي كتاب في الإدارة. إلاّ أنه أكد، في ضوء التحليل المقارن لما يورده كتّاب الإدارة، أن بالإمكان تلخيص التركيبات الأساسية لعناصر المهام الوظيفية للإدارة في خمس تشكيلات هي:

- التخطيط، التنظيم. الحث (Actuating). الرقابة.

- التخطيط، التنظيم، الحفز، الرقابة.

- التخطيط، التنظيم، التوظيف، التوجيه، الرقابة.

- التخطيط، التنظيم،التوظيف، التوجيه، الرقابة، التجديد، التمثيل.

- التخطيط، التنظيم، الحفز، الرقابة، التنسيق.

وجلي من ذلك أن هناك ثلاثاً من المهام قد تكررت هي التخطيط والتنظيم والرقابة بينما ظهرت الاختلافات بالنسبة للمهام أو الوظائف الأخرى.

كذلك فعلت «روز ماري ستيوارت» في الفصل الرابع من كتابها «حقيقة الإدارة» الذي عنونته «ماذا يفعل المدير؟» إذ أشارت إلى أنه رغم اختلاف التسميات فإن هناك اتفاقاً واسعاً بأن المدير يخطط وينظم ويراقب ويحفز. كما نوهت بأن «بيتر دركر» أضاف إلى ذلك مهمة «تنمية الناس» ولفتت النظر أيضاً إلى أن هناك خلافاً في الرأي بشأن ما إذا كان «التنسيق» هو من وظائف الإدارة أو أنه بمثابة عبارة عامة لوظيفة المدير. على أنها قد ذهبت في هذا الشأن إلى تقرير ما يلي:

-1 إنه من الناحية النظرية يمكن تعريف الإدارة تعريفاً بسيطاً مؤداه أنها في أساسها «تقرير ما يلزم عمله ثم جعل الآخرين يعملونه» وإن كلا الاثنين يشتمل على التنظيم ثم على اتخاذ القرارات وتنفيذها.

-2 إننا عندما نعود إلى ما هو معروف عن عمل المدير في الواقع العملي، فإن المعلوم قليل عما يفعله المديرون في الواقع وكيف يفعلونه.

-3 إنه من ذلك القليل المعلوم نجد أن المديرين يختفلون في مقدار الوقت الذي يصرفونه على مختلف جوانب و ظيفتهم، وإن طبيعة عمل المدير يمكن أن تتأثر بنوعية وظيفته و مستواه ووضعها في المؤسسة.

-4 إن وظائف المديرين متنوعة وإن أصحاب النظريات في الإدارة قد بالغوا في تأكيد أوجه الشبه في وظيفة المدير على حساب الاختلافات التي هي كثيرة وهامة. وإن تمكن أصحاب النظريات من أن يتحدثوا عن وظيفة المدير إنما يعود ذلك إلى أن وصفهم لوظائفه جاء عاماً إلى درجة يبدو معها كما لو كان صحيحاً على مستوى الشمول... غير أن فائدة مثل هذا المستوى من التعميم محدودة جداً في الواقع.

والملاحظ أن «روز ماري ستيوارت» قد حددت تعريفها المبسط للإدارة بأنه يأتي ضمن الإطار النظري على اعتبار أن المعلوم قليل عما يفعله المديرون في الواقع وكيف يفعلونه. إلا أن ذلك في تصوري لا يمنع الباحث من أن ينطلق في تناول مهام الإدارة من مثل هذا الإطار لما ييسره ذلك من فهم أعمق لحقيقة المشكلات الإدارية والتنظيمية. وهذا هو السبب الذي جعلني أبدأ هذه الدراسة باستعراض ما أورده بعض كتّاب الإدارة وعلمائها في شأن مهام المدير عاقداً المقارنة بين ما ذهبوا إليه في هذا الشأن.

لقد لاحظت مع من لاحظ من الدارسين أن كتّاب الإدارة يتباينون فيما يعتبرونه المهام الرئيسية للمديرين وأنهم لا يختلفون في أن التخطيط والتنظيم والرقابة هي من المهام الرئيسية للمدير. وإنني كممارس للإدارة من الذين يقبلون بالرأي القائل بأن الجوانب الوظيفية الرئيسية للمدير تشمل التخطيط والتنظيم والرقابة والحفز. كما أقبل أيضاً بما ذهب إليه «بير دركر» من أن تنمية العاملين في المنظمة هي أيضاً من المهام الرئيسية للمدير.. وإني في ذلك كله أنطلق من فلسفة للعمل الإداري أشبه ما تكون بتلك التي انطلق منها «جورج الابن» وانتهى بها إلى تقرير النقاط الخمس التالية:

-1 إن وظيفة المدير هي خلق ظروف تؤدي إلى أفعال بمعرفة أفراد آخرين بغية تحقيق أهداف شخصية وأهداف جماعية سواءً بسواء.

-2 إنه في بناء هذه الظروف لابد للمدير أن يتبين بادئ ذي بدء ماذا يسعى إلى إنجازه (أي الأهداف المطلوبة) حتى يستطيع أن يهيئ ظروفاً يسهم فيها الأفراد بمجهودهم.

-3 إن لهذه الظروف جانباً مادياً وآخر ذهنياً. وحسن إعدادها يتوقف على ما يعتبره المدير من مدارس الفكر الإداري المختلفة ومن العلوم الطبيعية والعلوم السلوكية.

-4 إنه في تهيئة هذه الظروف يؤدي المديرون مهمة إدارية مركبة تتكون من أنشطة تخطيطية وتنظيمية وتوجيهية ورقابية - «وكلها متشابكة مترابطة كضفائر في نسيج الإدارة».

-5 إن أفعال المديرين مثل الظروف المحيطة التي يحاولون بناءها هي مادية وذهنية معاً.

ولقد تعمدت أن أوضح هنا الموقف الذي أقفه كممارس للإدارة لاعتقادي بأنه يجب أن لكل مدير إطار فلسفي للعمل الإداري يوجهه في عمله.

ومما تجدر الإشارة إليه أن «روز ماري ستيوارت» نفسها قد أشارت في معرض تحديدها لمفهوم الإدارة في إطاره النظري أن المهمة الأولى - أي تقرير ما يلزم عمله - تشتمل على تحديد الأهداف، والتخطيط بما في ذلك صناعة القرار، وبناء التنظيم الرسمي... وإن المهمة الثانية - أي جعل الآخرين يعملونه - تتكون من الحفز، والاتصال، والرقابة بما فيها القياس، وتنمية الناس. على أنها أكدت في الوقت ذاته بأن الفصل بين المهتمين إنما أوردته من أجل تسهيل التحليل وأنهما في الواقع العملي متداخلتان.

إن تقرير أن مهمة المدير الأساسية هي أن يخطط وينظم ويحفز ويوجه ويراقب إلخ... يبدو بسيطاً في مبناه ولكنه في الواقع واسع ومعقد في معناه. ومما يعقد الأمر على دارس الإدارة الغموض الذي تتسم به كثير من المفاهيم المستعملة فيها، وهو أمر ينبهنا إليه علماء الإدارة أنفسهم. ولعل المثالين التاليين يوضحان حقيقة ما أرمي إليه.

جوانب من الفكر الإداري المعاصر (1)

أولاً: ماذا يفعل المديرون؟

إن أي بحث عن الإدارة يتوخى الفاعلية يفضل أن يكون منطلقه تحديد نوع العمل الذي يقوم به المدير. وقد يتصور البعض أنه من السهل الإجابة عن هذا السؤال. أليس كل كتاب عن الإدارة يخصص قسماً منه لعرض الجوانب الوظيفية للإدارة وتناول المهام الرئيسية التي يقوم بها المدير؟. وتكمن الصعوبة في أنه لو عاد المرء إلى ما يقرره علماء الإدارة في ذلك الشأن لوجدهم يتباينون في بعض ما يحددونه للمدير من مهام رئيسية أو ما يؤكدون عليه منها.

لنتأمل ما أورده «لويس ألن» في الفصل الثاني من كتابه «الإدارة والتنظيم» لدى تناوله ما دعاه بعناصر الإدارة. لقد حدد «ألن» تلك «العناصر» في خمس مهام رئيسية (تتضمن عدة فعاليات) بيانها كما يلي:

-1 التخطيط - ويشمل التنبؤ، تحديد الأغراض، صياغة السياسات، بناء البرامج، وضع الجداول، تحديد الإجراءات، وضع الميزانيات.

-2 التنظيم - ويشمل تحديد وتجميع نشاطات العمل، تفويض المسؤولية والسلطة، توطيد العلاقات.

-3 التنسيق - ويشمل تحقيق التوازن، تحديد المواقيت، تحقيق التكامل.

-4 الحفز - ويشمل الاختيار، الاتصال، المساهمة، التقييم، الإرشاد، الدعم، التدريب، التعويض، التوجيه، الفصل (العزل).

-5 الرقابة - وتشمل استخدام معايير الأداء، القياس، التفسير، تصحيح مسار العمل.

ولنقارن ذلك بما أورده آخرون ولنبدأ بـ»أرنست ديل» أستاذ علم الإدارة بجامعة بنسلفانيا في الفصل الأول من كتابه «الإدارة»: نظرية وتطبيقا» وهو فصل عنوانه «ما هي الإدارة؟». فلقد ذكر ما قرره «لوثر غوليك» من أنه بالإمكان اعتبار أن مكونات الإدارة تشمل ما يلي:

التخطيط - التنظيم - التوظيف - التوجيه - الرقابة - التجديد - التمثيل.

ثم أشار «ديل» إلى أن هناك عدداً آخر من الوظائف التي يمكن أن تذكر ولكنها في رأيه مهام فرعية وضرب مثلاً بـ»الاتصال» (Communicaton) وقال عنه إنه رغم أهميته إلا أنه يمكن اعتباره كتفرع من مهمة «التوجيه». ولقد أكد «ديل» بأن المهام التي أوردها كمكونات فعلية لما يقوم به المدير تسهل دراسة موضوع الإدارة حيث إن هنالك نظريات وتقنيات قابلة للتطبيق بالنسبة لكل مكون فيها. كما لفت النظر إلى أن تلك المهام المتنوعة للإدارة التي تشكل أجزاء من وظيفة المدير، لكل منها أهميتها. ثم نبه إلى أن هذه الأهمية هي نسبية حيث أنها تختلف بالنسبة للمهمة الواحدة باختلاف الزمان واختلاف المكان... وإن ذلك التقسيم لمكونات الإدارة، إلى الحد الذي يمكن معه أن يكون علمياً، يجب أن يستخدم ما يمكن أن يدعى بالمنحنى أو المدخل المتعدد المجالات Multidisciplinary approach، أي أن نظريات وتقنيات من عدة علوم يلزم أن تستخدم في وظيفة الإدارة، وأن هذه المهام السبع هي مشتركة في إدارة الأعمال وفي الإدارات وفي الميادين الأخرى، وإن كانت الطرق التي بها تستخدم تختلف باختلاف الميادين.

أما «كلود س. جورج الابن»، فإنه يلخص، في الفصل الثاني عشر من كتابه «تاريخ الفكر الإداري» بعنوان «نظرية عامة في الإدارة»، الجوانب الوظيفية من الإدارة في أربعة عناصر فقط هي: التخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة. ولقد انطلق من تحديده وتحليله لتلك العناصر إلى تأكيد ما يلي:

-1 إن العملية ليست سلسلة من مهام وظيفية منفصلة... بحيث يمكن ممارسة أي منها مستقلة عن الأخرى، وإنما الإدارة عملية مركبة مكونة من هذه العناصر... وإن أياً من هذه الوظائف لا يمكن ممارستها دون أن تتداعى لها الوظائف الأخرى.

-2 إن المدير باستخدامه العناصر الأربعة إنما يؤدي واجبه الخاص بتهيئة الظروف المادية والذهنية المؤدية إلى المشاركة المنسقة لأعضاء الفريق أو المشتركين.

-3 إنه رغم احتواء التركيب أو المزيج على عناصر ثابتة بصرف النظر عن مستوى الإدارة، فإن نسب العناصر بعضها الى بعض يختلف باختلاف الوظيفة الإدارية، بل قد يختلف بمرور الزمن بالنسبة لنفس الوظيفة الإدارية.

والملاحظ أن الكتّاب الثلاثة متفقون أن التخطيط والتنظيم والرقابة هي عناصر رئيسية أو مكونات أساسية لوظيفة المديرين، وبينما نجد «ديل» و»جورج» الابن يتفقان على أن التوجيه هو أيضاً من ضمن المكونات أو المهام الرئيسية، يختلف الثلاثة في نظرتهم إلى مدى أساسية الأوجه الأخرى.

والآن لنتأمل ما أورده «جورج ر. تري» في الفصل الثاني من كتابه «أسس الإدارة» الذي نشره عام 1970 وهو فصل عنوانه «المهام الإدارية». صحيح أنه لم يورد أية شواهد من أي كتاب في الإدارة. إلاّ أنه أكد، في ضوء التحليل المقارن لما يورده كتّاب الإدارة، أن بالإمكان تلخيص التركيبات الأساسية لعناصر المهام الوظيفية للإدارة في خمس تشكيلات هي:

- التخطيط، التنظيم. الحث (Actuating). الرقابة.

- التخطيط، التنظيم، الحفز، الرقابة.

- التخطيط، التنظيم، التوظيف، التوجيه، الرقابة.

- التخطيط، التنظيم،التوظيف، التوجيه، الرقابة، التجديد، التمثيل.

- التخطيط، التنظيم، الحفز، الرقابة، التنسيق.

وجلي من ذلك أن هناك ثلاثاً من المهام قد تكررت هي التخطيط والتنظيم والرقابة بينما ظهرت الاختلافات بالنسبة للمهام أو الوظائف الأخرى.

كذلك فعلت «روز ماري ستيوارت» في الفصل الرابع من كتابها «حقيقة الإدارة» الذي عنونته «ماذا يفعل المدير؟» إذ أشارت إلى أنه رغم اختلاف التسميات فإن هناك اتفاقاً واسعاً بأن المدير يخطط وينظم ويراقب ويحفز. كما نوهت بأن «بيتر دركر» أضاف إلى ذلك مهمة «تنمية الناس» ولفتت النظر أيضاً إلى أن هناك خلافاً في الرأي بشأن ما إذا كان «التنسيق» هو من وظائف الإدارة أو أنه بمثابة عبارة عامة لوظيفة المدير. على أنها قد ذهبت في هذا الشأن إلى تقرير ما يلي:

-1 إنه من الناحية النظرية يمكن تعريف الإدارة تعريفاً بسيطاً مؤداه أنها في أساسها «تقرير ما يلزم عمله ثم جعل الآخرين يعملونه» وإن كلا الاثنين يشتمل على التنظيم ثم على اتخاذ القرارات وتنفيذها.

-2 إننا عندما نعود إلى ما هو معروف عن عمل المدير في الواقع العملي، فإن المعلوم قليل عما يفعله المديرون في الواقع وكيف يفعلونه.

-3 إنه من ذلك القليل المعلوم نجد أن المديرين يختفلون في مقدار الوقت الذي يصرفونه على مختلف جوانب و ظيفتهم، وإن طبيعة عمل المدير يمكن أن تتأثر بنوعية وظيفته و مستواه ووضعها في المؤسسة.

-4 إن وظائف المديرين متنوعة وإن أصحاب النظريات في الإدارة قد بالغوا في تأكيد أوجه الشبه في وظيفة المدير على حساب الاختلافات التي هي كثيرة وهامة. وإن تمكن أصحاب النظريات من أن يتحدثوا عن وظيفة المدير إنما يعود ذلك إلى أن وصفهم لوظائفه جاء عاماً إلى درجة يبدو معها كما لو كان صحيحاً على مستوى الشمول... غير أن فائدة مثل هذا المستوى من التعميم محدودة جداً في الواقع.

والملاحظ أن «روز ماري ستيوارت» قد حددت تعريفها المبسط للإدارة بأنه يأتي ضمن الإطار النظري على اعتبار أن المعلوم قليل عما يفعله المديرون في الواقع وكيف يفعلونه. إلا أن ذلك في تصوري لا يمنع الباحث من أن ينطلق في تناول مهام الإدارة من مثل هذا الإطار لما ييسره ذلك من فهم أعمق لحقيقة المشكلات الإدارية والتنظيمية. وهذا هو السبب الذي جعلني أبدأ هذه الدراسة باستعراض ما أورده بعض كتّاب الإدارة وعلمائها في شأن مهام المدير عاقداً المقارنة بين ما ذهبوا إليه في هذا الشأن.

لقد لاحظت مع من لاحظ من الدارسين أن كتّاب الإدارة يتباينون فيما يعتبرونه المهام الرئيسية للمديرين وأنهم لا يختلفون في أن التخطيط والتنظيم والرقابة هي من المهام الرئيسية للمدير. وإنني كممارس للإدارة من الذين يقبلون بالرأي القائل بأن الجوانب الوظيفية الرئيسية للمدير تشمل التخطيط والتنظيم والرقابة والحفز. كما أقبل أيضاً بما ذهب إليه «بير دركر» من أن تنمية العاملين في المنظمة هي أيضاً من المهام الرئيسية للمدير.. وإني في ذلك كله أنطلق من فلسفة للعمل الإداري أشبه ما تكون بتلك التي انطلق منها «جورج الابن» وانتهى بها إلى تقرير النقاط الخمس التالية:

-1 إن وظيفة المدير هي خلق ظروف تؤدي إلى أفعال بمعرفة أفراد آخرين بغية تحقيق أهداف شخصية وأهداف جماعية سواءً بسواء.

-2 إنه في بناء هذه الظروف لابد للمدير أن يتبين بادئ ذي بدء ماذا يسعى إلى إنجازه (أي الأهداف المطلوبة) حتى يستطيع أن يهيئ ظروفاً يسهم فيها الأفراد بمجهودهم.

-3 إن لهذه الظروف جانباً مادياً وآخر ذهنياً. وحسن إعدادها يتوقف على ما يعتبره المدير من مدارس الفكر الإداري المختلفة ومن العلوم الطبيعية والعلوم السلوكية.

-4 إنه في تهيئة هذه الظروف يؤدي المديرون مهمة إدارية مركبة تتكون من أنشطة تخطيطية وتنظيمية وتوجيهية ورقابية - «وكلها متشابكة مترابطة كضفائر في نسيج الإدارة».

-5 إن أفعال المديرين مثل الظروف المحيطة التي يحاولون بناءها هي مادية وذهنية معاً.

ولقد تعمدت أن أوضح هنا الموقف الذي أقفه كممارس للإدارة لاعتقادي بأنه يجب أن لكل مدير إطار فلسفي للعمل الإداري يوجهه في عمله.

ومما تجدر الإشارة إليه أن «روز ماري ستيوارت» نفسها قد أشارت في معرض تحديدها لمفهوم الإدارة في إطاره النظري أن المهمة الأولى - أي تقرير ما يلزم عمله - تشتمل على تحديد الأهداف، والتخطيط بما في ذلك صناعة القرار، وبناء التنظيم الرسمي... وإن المهمة الثانية - أي جعل الآخرين يعملونه - تتكون من الحفز، والاتصال، والرقابة بما فيها القياس، وتنمية الناس. على أنها أكدت في الوقت ذاته بأن الفصل بين المهتمين إنما أوردته من أجل تسهيل التحليل وأنهما في الواقع العملي متداخلتان.

إن تقرير أن مهمة المدير الأساسية هي أن يخطط وينظم ويحفز ويوجه ويراقب إلخ... يبدو بسيطاً في مبناه ولكنه في الواقع واسع ومعقد في معناه. ومما يعقد الأمر على دارس الإدارة الغموض الذي تتسم به كثير من المفاهيم المستعملة فيها، وهو أمر ينبهنا إليه علماء الإدارة أنفسهم. ولعل المثالين التاليين يوضحان حقيقة ما أرمي إليه.

العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً