العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ

خامساً: المشكلات التنظيمية في عملية الادارة

هذا بالنسبة لمسألة «أوجه التباين في وظيفة المدير»، أما بالنسبة للمسألة الأخرى - مسألة المشكلات التنظيمية - فإن «روز ماري ستيورات» قد بينت في كتابها «حقيقة المنظمات» أن بعض أنواع العلاقات هي أساساً مشكلة في أي نوع من التنظيم، فهناك مشكلات العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين حيث إنه كثيراً ما يصعب تحقيق الاتصالات الناجعة (المجدية) في الاتجاهين الصاعد والنازل، وهناك المشكلات التي تقوم بين المديرين والاختصاصيين. ثم هناك المشكلات الناجمة عن العلاقات في داخل الإدارة، وهو جانب من السلوك التنظيمي بدأت البحوث تكشف بعض خباياه. ولقد أوضحت أن أكثر المشكلات صعوبة مما ينشأ في المنظمات المتوسطة والكبيرة هي تلك المتعلقة بتحديد التوازن بين السياسات التنظيمية المختلفة، وتناولت بالتحليل مشكلة تحديد التوازن الصحيح في شأن الحاجة للرقابة ومبررات المركزية والحاجة إلى تشجيع المبادأة ومبررات اللامركزية، ومشكلة التنازع ما بين الحاجة للنظام والحاجة للمرونة، ثم بحثت الجوانب المختلفة لمشكلات التغير في المنظمات بادئة بالمشكلات التنظيمية لتخطيط لاعداد وتدريب المرشحين لتولي المراكز الإدارية في المستقبل، كما أوضحت علاقة التغيرات في البيئة بالتغيرات الجارية في المنظمات. ولقد توصلت في دراستها إلى عدة حقائق جديرة بأن يوليها دارسو الإدارة والمديرون اهتمامهم. وهذه بيانها التالي:

-1مشكلات العلاقات

أ) علاقات الرئيس بالمرؤوس

-1 إن علاقة الرئيس بالمرؤوس قائمة رسمياً في المنظمة، وهي علاقة أساسية لكلا الطرفين، كما أنها في حقيقتها شكل من أشكال الاتصال. وفي معظم الحالات تأخذ من وقت المديرين قسطاً أكبر مما يأخذه أي شكل آخر من أشكال الاتصال. وتتأثر هذه العلاقات بوضعيتها الثقافية (بدلالتها الانثروبولوجية) والتنظيمية... وان تلك الوضعية تضع التوقعات العامة للسلوك.

-2 ان علامات الرتبة والمكانة التي يقيمها التنظيم الرسمي تخلق بعداً اجتماعياً بين الاثنين. وهذا يزيد من السلطة الرسمية للمدير ولكنه قد يتسبب في الحد من سرعة تنقل المعلومات.

-3 على الرئيس أن يقرر ماهية العمل الذي يقوم به بنفسه والعمل الذي يلزم أن يفوضه للآخرين. وان عليه أن يحفز موظفيه لأن يعملوا ما يريده... وهو بوسعه أن يحدد إطار العمل لتقدير ما يتم انجازه، وذلك عن طريق تأكيد الأغراض التي يتفق على تحقيقها.

-4 إن المرؤوس هو عرضة لأن تكون لديه مشاعر مزدوجة تجاه رئيسه. ومن المشكلات التي يواجهها المرؤوس هي أن يوفق بين مسعاه لتنوير رئيسه بالصراحة اللازمة في نقل حقائق الأمور إليه مهما كانت مرة وصعبة، وبين محاولة إرضائه وعدم التسبب في إزعاجه.

ب) علاقات المدير بالاختصاصي

-1 إن المشكلات الناشئة عن العلاقات ما بين المديرين والاختصاصيين تختلف حسب العلاقة التنظيمية القائمة. وهذه يمكن إجمالها في أربعة أنواع رئيسية من العلاقات: أولها، أن يكون الاختصاصي ضمن هيئة الاستشاريين للمدير، ولكن دون أن يكون له أي اتصال تنظيمي؛ وثانيها أن يكون ضمن هيئة العاملين مع المدير ولكنه يكون أيضاً مسؤولاً أمام رئيس استشاري في شأن كفاءته المهنية، وهنا ينبغي أن تكون العلاقة التنظيمية موضحة؛ وثالثها، أن يكون الاختصاصي في إدارة منفصلة، ورابعها، أن يكون الاختصاصي من خارج التنظيم يستعان به كمستشار. ولكل من هذه الأنواع من التنظيم مشكلاتها الخاصة.

-2 إن بعض أنواع الاختصاصيين هم أكثر قبولاً لدى المديرين التنفيذين من غيرهم. والفئتان تختلفان في العادة في نظرتهما التطلعية (outlook) للأمور، إذ أنهم يختلفون عادة في العمر ومستوى التعليم والنظرة إلى الوظيفة ويتباينون في التخصص. وهذا كله مما يؤثر في ما يحملونه من اتجاهات وما يتخذونه من مواقف.

-3 ثمة عدة وسائل تنظيمية قد استحدثت لتيسير العلاقة ما بين الاختصاصيين (أو الاستشاريين) والمديرين التنفيذيين، إحداها هي وضع الاختصاصي ضمن هيئة العاملين للمدير؛ والثانية، أن تكون هناك إدارات اختصاصيين تنحصر مهمتها في توفير الخدمات الاستشارية أو المشورة لدى طلبها؛ والثالثة، أن يوضع رئيس دائرة الاختصاصيين في مرتبة عالية في التنظيم الهرمي. والواقع أن لكل من هذه الطرق مثالب (snags). وهنالك أيضاً 1) الدوران ما بين وظائف الاستشاريين والتنفيذيين في بعض التنظيمات كوسيلة لإنقاص الاختلافات في الاتجاهات، و2) تكوين فرق المشروعات من أناس من إدارات الاستشاريين والتنفيذيين وذلك بقصد السعي لتحقيق تفاهم أكبر ما بين الفئتين.

ج) العلاقات ما بين المديرين

-1 إن طبيعة العلاقات القائمة ما بين المديرين هي عامل مهم في تحديد الكيفية التي تعمل بها المنظمة. والمديرون لا يعتمدون في مجال أدائهم لمهامهم على رؤسائهم ومرؤوسيهم فحسب، وإنما يعتمدون أيضاً على أقرانهم ممن هم في نفس المستوى في المنظمة. وتكتسب هذه العلاقات أهمية أكبر خلال فترات التغيير إذ تصبح كثير من الاتصالات الجانبية (أو الأفقية) ضرورية.

-2 إن هناك عدة صور مختلفة من العلاقات ما بين المديرين. وهذه العلاقات تصبح أكثر تعقيداً نظراً لكونهم يعملون عادة في أنواع مختلفة من الوظائف. وتلك الوظائف تستميل في العادة شخصيات مختلفة ويأتي كل من التدريب والخبرة ليزيدا من حدة تلك الاختلافات.

-3 إن العلاقة الفعالة ما بين المديرين تعتمد على مدى جودة الاتصالات. وهو أمر يكتسب أهمية خاصة في فترات التغير حيث يصبح من الضروري أن يكون لدى الناس القدرة على مصارحة بعضهم البعض دون شعور بالاحباط عند طلب المعلومات أو المشورة.

-2 مشكلات التوازن

أ) كم من اللامركزية؟

-1 ليس هناك خط واضح يفصل ما بين المركزية واللامركزية. وإنما بوسع المرء أن يشير إلى المنظمات من حيث هي ذات مركزية أو لا مركزية كبيرة أو قليلة. وأبسط طريقة لمقارنة المركزية النسبية للمنظمات هي عن طريق السؤال عمن يتخذ القرارات النهائية بشأن موضوعات معينة، وما هو مقدار المال الذي يحتاج إلى موافقة من قبل الجهة الإدارية العليا.

-2 إن مقدار المركزية التي تتبناها الإدارة يعتمد على عدة عوامل، وفلسفة الإدارة في هذا الشأن مهمة... إذ قد يعتقد المديرون في المستويات العليا في فضائل اللامركزية أو في مزايا المركزية. كما أن لحجم المنظمة أثره في هذا الشأن: فالمنظمة الكبيرة لا بد أن تجد أنه من الصعب أن تضع بنجاح سياسة للمركزية. كذلك فإن الوسائل الإجرائية الوطيدة والنظرة الشاملة للإدارة تجعل من السهل تحقيق اللامركزية دون أن يكون هناك فقدان للرقابة. وان تنوع نشاطات المنظمة، ومعدل التغير المؤثر فيها، وقدرة جهاز العاملين فيها تشكل كلها عناصر لها أثرها في تقرير مدى المركزية اللازمة. وبصورة عامة فإن المركزية توفر الدقة في الرقابة، كما أن اللامركزية تيسر المرونة وتشجع على المبادأة.

-3 إن الإدارة العليا هي التي تقرر ما يجب أن تفوضه، وإلى من تفوضه، ويلزم أن يكون ذلك وفق معايير محددة ومرنة. وعليها أن تركز على القرارات التي هي جد حيوية للمنظمة. وهذه ينظر إليها من زاوية مقتضيات المصلحة العليا للمنظمة، ومقتضيات الظروف المحلية المحيطة، والمستتبعات الأوسع للمنظمة ككل.

-4 على الإدارة أن تنظر بعين الاعتبار إلى مسألة القرارات الواجب اتخاذها، ولكن عليها كذلك أن تدرك أن ما يحدث في الواقع قد يختلف كثيراً عما تفكر هي فيه أو تخطط له. فمعرفة الإدارة بحقيقة ما يحدث بالفعل من شأنه أن يساعدها على تحقيق الغرض بتحديد مكان اتخاذ القرار، وكيفية اتخاذه، والتحقق من تنفيذه.

ب) النظام مقابل المرونة

-1 المنظمة الشديدة الرسمية هي التي تخضع لعدة قواعد وإجراءات والتي يغلب فيها الاتصال المكتوب على الاتصال الشفهي. ولا شك أن بعض الرسمية ضروري في كل المنظمات، إلا الصغيرة منها. على أن ذلك يستلزم أن تكون هناك: 1) سياسات لضمان الاتساق أو التوافق في القرارات، و2) بعض الإجراءات لتسهيل شؤون الإدارة. ويتعين على الإدارة أن تقرر مدى «الرسمية» المرغوب فيها.

-2 إن للرسمية فوائدها وعيوبها. أما فوائدها فتتلخص في كونها: (أ) تيسر التسلسل التنظيمي عن طريق توضيح السياسة، وعن طريق بعث الاطمئنان الذي يتأتى من معرفة ما هو متوقع وما هو معمول به، وعن طريق تحسين الرقابة؛ (ب) تيسر سرعة وكفاية أكبر، على أن تصمم القواعد والإجراءات بتعقل (أي بعقلانية)، وأن يجري تطويرها وتكييفها مع الظروف الراهنة؛ و(جـ) تضمن المعاملة العادلة والمنصفة لمختلف مجموعات العاملين.

أما عيوبها فتتلخص في: (أ) انعدام المرونة، إذ إنها تعيق المبادأة وتشجع على اللجوء إلى محاولات اللف والدوران من حول القواعد... كما قد تعيق التكيف مع التغير... و(ب) إن القواعد المصممة لتناسب فئات الناس يمكن أن تسبب العناء عندما تطبق على حالات معينة.

-3 مشكلات التغير

أ) إعداد المرشحين وتدريبهم لتولي المراكز الإدارية والقيادية في المنظمة ثمة ثلاث مشكلات تنظيمية رئيسية تتعلق بهذا الموضوع:

الأولى: تحديد عدد ونوع المديرين اللازمين للمستقبل. وبالنسبة للمنظمة الكبيرة فإن ذلك يقتضي أن يكون لديها بعض الافتراضات - سواء أمعلناً كان ذلك أم ضمنياً - عند التوظيف.

الثانية: تقرير نوع أو نمط مجال الترقي الوظيفي للسيرة المهنية، وهذا يحتاج إلى قرارات عن نوع المراتب الضرورية لتلك المهنة. والموضوع يشتمل على عدد من التساؤلات منها: أين ينبغي أن يبدأ سلم الإدارة؟ ما هي الفرص المتاحة لأولئك الذين يبدأون على سلم ابتدائي لكي يصلوا منه إلى سلم آخر؟ هل من المرغوب فيه تشجيع أوجه الانتقال من سلم إلى آخر؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما هي أوجه الانتقال من الناحية العملية؟ ومتى يلزم أن تتخذ؟ وهل يبدأ المرء سيرته المهنية بالتدريب العام في نشاطات المنظمة أم من موقع وظيفة معينة؟ وواقع الحال أن لكل من هذه السياسات مزايا وعيوباً. والأمر يقتضي من المسؤولين عن تنظيم التنمية الإدارية أن يكونوا على اطلاع كافٍ بكل نوع من الوظائف في منظمتهم لفهم نوعية الخبرات اللازم توفيرها، وأن يكونوا مدركين بأن بعض الوظائف في الإدارتين السفلى والوسطى تحتاج إلى صفات قد تتعارض مع تلك المطلوبة في المناصب العليا لنفس الخط الوظيفي.

الثالثة: تتعلق بتحديد التوازن بين اختيار الأفراد لوظائف محددة تحديداً جيداً وملاءمة الوظائف للأفراد.

إن المدى الذي يمكن أن تغير فيه الوظائف لتلائم الأفراد يختلف باختلاف مستوى الإدارة، وحجم المنظمة، ومدى ما تتصف به من بيروقراطية. ومن حيث الحجم، فإن المنظمات الكبيرة جداً تكون في العادة أكثر تصلباً من المنظمات الصغيرة، على أنه حتى في المنظمات الكبيرة تكون هناك مرونة أكبر في القمة منها في المستويات الدنيا. وان التخطيط للترقي في الخط الوظيفي، خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين تتوفر فيهم قابلية عالية للترقي، يمكن أن تعني موازنة الاحتياجات التنظيمية القصيرة الأمد بالفوائد الممكنة على المدى الطويل.

ب) المنظمة في مرحلة التغير

إن تدخل الدولة والتغييرات التقنية واتساع الفرص في الأسواق العالمية قد ساعدت كلها على ازدياد حجم المنظمات. كما أن الشركات الدولية قد نمت لنفس الأسباب. ومن أهم التغيرات البارزة في المنظمات، المدى الذي أصبحت فيه حدودها متداخلة مع العالم الخارجي نتيجة للضغوط والمؤثرات الخارجية. ومن المتغيرات أيضاً ظهور استشاريين في مجالات جديدة وتزايد في أعداد وأنواع خبراء المعلومات (knowledge workers) ونقصان الحاجة للموظفين من ذوي الحرف اليدوية والكتابية. كذلك فإن الوظائف الأكثر تخصصاً وانماط تسلسل الوظيفة قد طرأت عليها تغييرات كما أنها لا تزال تتغير. وهناك اختلافات أقل بروزاً ما بين مستويات التنظيم الهرمي، إذ إن العلاقات ما بين الرئيس والمرؤوس قد تأثرت بالتغير التقني السريع، وبالمستويات الأعلى من التعليم وبالتوظيف الكامل (أي اتساع مجالات التوظيف وتوفر فرص العمل).

وهكذا نجد أن «روز ماري ستيورات» قد أوضحت بأسلوب جلي وعرض واف مسألة أوجه التباين في وظيفة المدير، ومسألة المشكلات التنظيمية التي تنطوي عليها عملية الإدارة، وألقت الضوء على الكثير من جوانب الموضوع، وكشفت بالتحليل الجيد الكثير من خباياه مما لا يجده الدارس في كثير من كتب الإدارة كما ذكرت قبلاً.

سادساً: التفويض والمشاركة في السلطة والمسؤولية

لنعد مرة أخرى إلى موضوع التفويض لتناوله بمزيد من التفصيل.

لقد سبق أن بينت أن المدير لا يمكن أن يقوم بمهامه على النحو اللازم إلا عن طريق مشاركة مرؤوسيه في تحمل بعض السلطة وبعض المسؤولية، وان هذه المشاركة لا يمكن أن تتم إلا على أساس من التخطيط ومن التنظيم. كذلك أكدت بأن ذلك يقتضي أن يكون هناك تقسيم للعمل كوجه من أوجه التنظيم اللازم، وأن يكون هناك تفويض لضمان الحصول على النتائج المطلوبة. كما سبق أن نوهت بأن التفويض هو العملية التي يتبعها المدير في تقسيم العمل، والإيعاز إلى المرؤوسين بانجاز جزء منه، وتهيئة وتوطيد الظروف التي تمكنه من جعلهم محاسبين أمامه في شأن تأديته. والواقع أن هذا ليس بالأمر السهل. فثمة علماء إداريون يعتبرون أن التفويض قد يكون من أهم المهارات التي يجب أن يتقنها المدير. وأشرت أيضاً إلى ما أوردته «روز ماري ستيورات» من أن الإدارة العليا هي التي تقرر ما يجب أن تفوضه وإلى من تفوضه، وذلك وفق معايير محددة ومرنة.

والسؤال هنا هو عن ماهية تلك المعايير. فما هي المسؤولية والسلطة اللتان ينبغي على المدير أن يحتفظ بهما؟ وما هو النسق الذي يتم وفقه هذا الاحتفاظ؟ وما هي المسؤولية والسلطة اللتان يمكن للمدير أن يفوضهما؟ وما مدى ما يمكن أن يفوض منهما؟ الواقع أن هذه الأسئلة كثيراً ما تشغل بال المديرين، وهي في حقيقتها مسائل مهمة.

ولكن قبل عرض ما يمكن أن يفي بالجواب عن هذه المسائل، يكون من الأفضل التطرق إلى عناصر التفويض - أي المسؤولية والسلطة والمحاسبة - لبيان مدلولاتها باعتبار أن ذلك من شأنه أن يساعد المرء على وعي الحقائق المتعلقة بالجواب عن كل من المسائل التي أشرت إليها أعلاه. ولقد وجدت فيما أورده «ألن»، في شأن بيان ما يحمله كل عنصر من عناصر التفويض الثلاثة من دلالة، ما يساعد كثيراً في هذا الخصوص.

-1 في شأن المسؤولية

-1 إن المسؤولية هي العمل المناط بالمركز أو الوظيفة. والمسؤولية تشير إلى النشاطات والفعاليات الذهنية والجسدية التي يجب أن تؤدى لانجاز المهمة أو الواجب. والمسؤولية يمكن تفويضها.

-2 إن أي شخص يؤدي أي نوع من أنواع الجهد الذهني أو الجسدي في شأن مهمة مناطة به يحمل مسؤولية... وهذا يصدق على رئيس المؤسسة، كما يصدق على العامل في المشغل.

-2 في شأن السلطة

-1 إن السلطة هي مجموع القوى والحقوق التي يعهد بها لجعل أداء العمل المفوض ممكناً. وتشمل السلطة الحقوق والقوى مثل تلك المتعلقة بشأن صرف مبالغ محددة من المال، واستخدام أنواع محددة أو كميات محددة من المواد، أو توظيف أو إقالة الناس، وقد تشتمل على الحق في اتخاذ القرار وفي التصرف.

-2 إن السلطة كثيراً ما ترتفع إلى نقطة هي دون اتخاذ القرار والتصرف. ويمكن أن تحصر في القدرة على إسداء الرأي وتقديم المشورة وتوفير الخدمة. والسلطة تشتمل أيضاً على حق عدم التصرف أو عدم اتخاذ القرار.

-3 إن السلطة أو القوى والحقوق الضرورية لأداء مسؤولية محددة قد تتباين من وضعية إلى وضعية، ومن مركز إلى مركز.

-3 في شأن المحاسبة

-1 إن المحاسبة هي الإلزام بتحمل المسؤولية وممارسة السلطة على أساس من مستويات أداء مرعية. فكما أن الشخص الذي يستدين مالاً عليه إلتزام نحو الدائن وفق ما تحدده أية شروط موضوعية بشأن السلفة، هكذا الشخص الذي يفوض مسؤولية وسلطة عليه الالتزام بالأداء وفق معايير مرعية. وعليه أن يكون جاهزاً للمحاسبة (أي لتأدية الحساب) بشأن نجاح أو فشل نشاطاته.

-2 إن المحاسبة تكون أكثر دلالة عندما تكون مستويات الأداء قد تحددت مسبقاً، وعندما يكون المرؤوس قد وعاها وتقبلها. وتجدر الملاحظة أن المحاسبة تنطبق على كل من الالتزام بالأداء وممارسة السلطة.

-3 إن المحاسبة تأتي نتيجة لتفويض المسؤولية والسلطة. ولكن المحاسبة في حد ذاتها لا يمكن تفويضها. والشخص الذي يقوم بالتفويض يظل دائماً خاضعاً للمحاسبة أمام رئيسه في شأن ما قام بتفويضه. وحيث ان المحاسبة لا يمكن تفويضها، فإن محاسبة سلطة أعلى عن أعمال مرؤوسيها هي مطلقة.

-4 إن المحاسبة هي دائما في اتجاه من الأسفل إلى الأعلى. فالشخص المفوض هو دوماً محاسب أمام الشخص الذي فوض إليه المسؤولية والسلطة. ومن ناحية ثانية، فإن اتجاه المسؤولية والسلطة هو دوماً من أعلى إلى أسفل لأن كليهما مفوضة إلى المرؤوسين.

-5 لا يمكن اعتبار المرء محاسباً إلا بقدر ما يكون قد فوض إليه من المسؤولية والسلطة. ولا يمكن اعتبار المرؤوس محاسباً إذا لم يعط المسؤولية، أي إذا لم يفوض العمل نفسه لتأديه. وينطبق ذات المبدأ على السلطة - فمنع السلطة عن المسؤول يحد ذاتياً من المحاسبة بمقدار يتكافأ مع مدى السلطة التي منعت عنه.

-6 إن المحاسبة تكون من قبل جهة واحدة - أي أن كل شخص لا يكون محاسباً إلا لرئيس واحد في شأن المسؤولية والسلطة المفوضتين إليه في مهمة معينة. وإذا ما رفع مسؤول تقاريره لأكثر من رئيس بخصوص نفس المسؤولية، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى الإرباك والاحتكاك.

-7 إن المحاسبة يلازمها التزام المفوض بأن يضع معايير الأداء، إلا إذا كانت مثل هذه المعايير أو المستويات قد وردت جلية في التفويض نفسه. والمحاسبة لا تكون ذات معنى إلا إذا نص على معيار الأداء في عبارات محددة.

كذلك يكون من المناسب هنا أن أورد بعض ما أوضحه «ألن» في شأن التمييز ما بين التفويض الرسمي والتفويض غير الرسمي والأوضاع التي يحدث فيها، نظراً لأهمية وعي ممارسي الإدارة ودارسيها لتلك الأمور الإدارية، ويتلخص ذلك في التالي:

إن التفويض الرسمي يرتكز أساساً على ممارسة السلطة الرسمية، أي السلطة كما يحددها الدور التنظيمي. والتفويض الرسمي يكون فعالاً إلى المدى الذي يكون فيه الناس مستعدين للتخلي عن الاختيار في أن «يطيعوا» أو «لا يطيعوا»، وهو الامتثال للأوامر الموجهة لهم من قبل رؤسائهم. أما التفويض غير الرسمي فيكون لأن الناس «يريدون أن يفعلوا شيئاً» وليس لأنه «قد طلب إليهم أن يعملوا». فالتفويض غير الرسمي يحدث عندما يقرر الفرد، أو مجموعة من الناس، تحت رئاسة زعيم غير رسمي، القيام ببعض الفعاليات والنشاطات فيلبسون أنفسهم السلطة لعمله. إن التفويض غير الرسمي كثيراً ما يحدث عندما يريد الناس أن يقطعوا «حبل الروتين»، وان يحققوا ما يبتغون»، أو عندما لا ييسر التنظيم الرسمي سوى طريق طويل وغير مباشر لضمان الاذن بالعمل والموافقة على ما يكون قد تم عمله، أو إذا كان الناس يكرهون أو يقاومون مصدر السلطة.

أما في شأن امكانات الانتفاع من التفويض غير الرسمي في العمل الإداري، فقد بين «ألن» ما يلي:

يجد معظم المديرين أنه بينما هم بوسعهم أن تفوض لهم السلطة مباشرة من رؤسائهم، فإن عليهم أن «يكسبوا» السلطة غير الرسمية لقيادة الآخرين... وكثير من المديرين الذين لاحظوا وجود التفويض غير الرسمي في مجموعاتهم وأخذوا يحاولون الانتفاع منه، يشعرون أن المهم في الأمر هو التأكد إلى أبعد حد ممكن بأن التفويض الرسمي والتفويض غير الرسمي يسند ويدعم كل منهم الآخر، وأنهما متعارضين بالضرورة. أما كيف يتحقق ذلك فجوابه التالي:

إن الخطوة الأولى، قبل تحقيق التفويض، هي معرفة ما يستطيع المرؤوسون أن يفعلوه وما يرغبون في عمله. وأن أساليب الإشراف الاستشاري هي ملائمة عند هذه النقطة. وعندما يكشف المدير أن مرؤوسيه هم غير راغبين في الامتثال والمجاراة أو غير قادرين على ذلك، يصبح أمامه واحد من أمرين: فإما أن يحاول تغيير اتجاهات وقدرات جماعته، وإما أن يغير من نفسه. غير أن البديل الأول صعب، والبديل الثاني غير محتمل. والحل الأفضل هو تطبيق مبادئ الحفز والتدريب، أو تعديل التفويض ليلائم حقائق الوضعية.

تلك إذن مدلولات عناصر التفويض الثلاثة، وحقيقة التفويض غير الرسمي. ولا شك أن فهمها من شأنه أن يساعد ممارسي الإدارة ودارسيها على وعي الحقائق المتعلقة بالجواب عن المسائل التي أشرت إليها في شأن التفويض. والآن لنعد إلى المسائل التي نوهت بها في شأن معايير التفويض.

ولنتأمل كيف يعرضها «ألن» نفسه في ضوء ما نوه به.

أولاً: ماذا يمكن تفويضه

لو حاول المدير أن يقوم بنفسه بأداء الواجبات التي يكون من الأنسب أن يفوضها لمرؤوسيه، فإنه سيجد نفسه غارقاً في التفصيلات ومتجاوزاً مهامه إلى أعمالهم. ومن ناحية أخرى، لو فوض المسؤولية والسلطة اللتين ينبغي أن يمارسهما بنفسه، فإنه سيجد أن قيادته في خطر، وسيكون مرؤوسوه في عراك دائم معه ومع بعضهم البعض. والخطوة الأساسية في التفويض الفعال هي أن يحلل المدير وظيفته ويحدد، من حيث المبدأ، ما يلزم وما لا يلزم تفويضه.

ثانياً: ماهية المسؤولية والسلطة اللتين يحتفظ بهما المدير

قد يرى المدير الاستعانة بمشاركة مرؤوسيه، من تنفيذيين واستشاريين، وفي صياغة قراراته. وقد يطلب إلى أي منهم القيام بجمع المعلومات، وتحليل المعطيات، ووزن البدائل، ووضع التوصيات. ولكنه لا يستطيع أن يفوض بفاعلية المسؤولية والسلطة في شأن المبادأة وصنع القرارات النهائية للتخطيط والتنظيم والتنسيق والحفز ورقابة النشاطات والمراكز الوظيفية التي تقدم تقاريرها إليه.

ثالثاً: النسق الذي يتم وفقه الاحتفاظ بالمسؤولية والسلطة

أ) في مجال التخطيط: إن المدير يحتفظ لنفسه، فيما يقع ضمن نطاق مركزه الإداري، بمسؤولية وسلطة وضع وترجمة الخطط لمرؤوسيه. وهذا يتضمن جميع عناصر خطط الإدارة من الأغراض والسياسات والإجراءات والميزانيات. فالمدير، بحكم مكانه في التنظيم، يستطيع وحده أن يخطط، بموضوعية واتزان، لكل العناصر المرؤوسة. ولا شك أن المدير سيفسح في المجال أمام الكثيرين من مرؤوسيه التنفيذيين والاستشاريين للمشاركة والمساعدة في صياغة خططه. وهو إذا ما فوض السلطة في صنع التخطيط النهائي إلى أي من مرؤوسيه، سواء التنفيذيين أو الاستشاريين، فإنه يعرض الوضع للتحريف والانحراف في اتجاه المصالح الخاصة للمرؤوس.

ومن ميزات المؤسسة ذات الإدارة الجيدة أن المديرين، في جميع مستوياتها، يضعون دوماً تخطيطاً مسبقاً لضمان أكبر عائد ممكن للتسهيلات والاستثمارات التي عهد إليهم بها. وكل مدير منهم يعد الأغراض الطويلة والقصيرة المدى، والسياسات، والبرامج، الملائمة لموقعه من المسؤولية، والهادفة إلى أكبر النتائج مردوداً وعائداً مما يمكن الحصول عليه في المجال المحدد له. وعندما تتم الموافقة على هذه الخطط، فإن المدير يترجمها للعاملين في التنظيم الذي يديره، ويوجههم إلى العمليات اليومية للوصول إلى تحقيق تلك الأغراض. ولإكمال نشاطه التخطيطي، فإن المدير يتقدم بميزانيات تعكس واقعياً المتوقع من الدخل أو المصروفات لفعالياته، وفي التشغيل يسيّر تلك الفعاليات ضمن حدود الميزانية المقرة.

ب) في مجال التنظيم: على المدير نفسه أن يقرر ماهية التنظيم الذي يحتاج إليه لإنجاز أغراض وحدته. وبدءاً بالمدير التنفيذي للمؤسسة، فإن كل مدير يجب أن يحتفظ بالمسؤولية والسلطة لتطوير بنية التنظيم، وتحديد المسؤولية والسلطة، وإقامة العلاقات ما بين أقسام وحدته. وعلى المدير أن يخطط للمنظمة التي يحتاج إليها للتوصل إلى الأغراض التي يكون قد وضعها لوحدته.

ج) في مجال الحفز: على المدير نفسه أن يحتفظ بالمسؤولية والسلطة في المبادأة وصنع القرار النهائي في اختيار الناس الذين يعملون معه؛ وفي تعويضهم وتدريبهم وحفزهم. ومهما كانت المساعدة التي يمكن أن يضمنها من هيئة الموظفين، فإن بوسع المدير وحده أن يقرر نوع الناس الذين يريدهم في دائرته، والذين يستحقون الزيادة في المرتبات، ويرشد ويعين مرؤوسيه، ويعالج المظلمات والشكاوى، ويقدم المثال والقيادة اللازمين كمقتضى أساسي للانتاجية العالية.

د) في مجال التنسيق: إن كل النشاطات (الفعاليات) التي ترفع تقاريرها للمدير يجب أن تكون متوازنة وموقوتة وموحدة بحيث تأخذ مجراها ككل متكامل. ويجب أن يحتفظ المدير بالمسؤولية والسلطة لتحقيق التنسيق نظراً لكون المدير المحاسب هو وحده في الموقع الذي يمكّنه من أن يعرف ويقيم جميع المصالح المشمولة ويوفق فيما بينها. وكقاعدة عامة، فإن المسؤولية والسلطة لتنسيق مصالح وظيفتين يجب أن توضعا لدى مستوى أعلى من أي منهما. ولا سبيل إلى التوصل إلى الأغراض الكلية للمؤسسة إلا بتنسيق مساعي جميع الأقسام والفروع والشعب في التنظيم وذلك نحو الغاية العامة.

هـ) في مجال الرقابة: كما أن على المدير أن يحتفظ بالمسؤولية والسلطة لتخطيط تلك النشاطات التي هو فيها محاسب، كذلك يجب أن يحتفظ بمسؤولية الرقابة، أي تقييم العمل الذي يتم إنجازه. وتشتمل الرقابة على تطوير المستويات وقياس العمل، وتحليل النتائج والابلاغ عنها، والقيام بالعمل الإداري التصحيحي... أي التقويم.

وإذا كان في وسع المديرين تفويض من ينوب عنهم في تحقيق الرقابة، فإنه ليس بوسعهم أن يفوضوا القيادة النشطة والمشاركة في تطوير أنظمة المعايير، والسجلات، والتقارير، وفي التصرف بشأن الاستثناءات والتباينات التي يلفت نظرهم إليها.

رابعاً: ماهية المسئولية والسلطة الممكن تفويضهما

إن ماهية المسؤولية والسلطة الممكن تفويضهما هي من المسائل الحيوية لكل مدير. ويمقدار ما يمكنه أن يجيب عليها بكفاية، يكون قادراً على أن يركز على الجوانب الهامة من وظيفته، وأن يولي مرؤوسيه الوقت والاهتمام الكافيين، وهو إن لم يفعل ذلك، غرق في التفصيلات وواجه عدم الاكتفاء والرضا من جانبهم.

إن جزءاً كبيراً من عمل كل موقع إداري يتألف من الفعاليات التي تتكرر أو التي هي ثانوية بالنسبة للغرض الرئيسي للمركز نفسه. وهذه قابلة بسهولة لأن تفوض. ومن الملاحظ أنه بعد أن يتم تفويضها، فإن تلك التفصيلات الروتينية كثيراً ما تصبح مفردات رئيسية للعمل عندما يؤديها المرؤوسون... فالشؤون التي لا تهم سوى عنصر أو مرؤوس واحد ينبغي، في العادة، أن تفوض، في حين يحتفظ المدير لنفسه بالمشكلات التي ترتبط، أساساً، بعدة وحدات أو بجميعها. فهو إذا ما غرق بالشؤون العائدة إلى وحدة واحدة من مرؤوسيه، يكون قد شغل نفسه بعمل ربما كان بوسع مرؤوسه أن يقوم به على نحو أفضل. فمهمة المدير أن يفوض مرؤوسيه، لا أن يقوم هو نفسه بأعمالهم.

خامساً: مدى ما يمكن أن يفوضه المدير من المسئولية والسلطة

تلك في حقيقتها مسألة متفرعة عن مسألة المسؤولية والسلطة الممكن تفويضهما. وإن ما ينبغي تفويضه من المسؤولية والسلطة لأي مركز، يلزم أن يكون بما يكفي لتمكين شاغل المركز انجاز الأغراض المحددة له. والواقع أن مسألة مقدار السلطة التي يجب أن تفوض كثيراً ما تثير من المشكلات أكثر مما تثيره مسألة مقدار المسؤولية المفوضة. والجواب الأفضل هو أن يفوض المرء من السلطة المقدار الذي يكفيه للتوصل إلى مستويات الأداء التي وضعت لعمله. على أن السلطة المفوضة يلزم ألا تساوي أبداً المسؤولية المفوضة. وإن من يدعو إلى مثل هذه المساواة إنما يتصف بسوء التصور. فإذا ما أريد للإدارة الحكيمة أن تسود، فإن السلطة لا يمكن أبداً أن تفوض مساوية للمسؤولية، أي أن الشخص لا يمكن أبداً أن يعطى من السلطة ما يساوي تماماً العمل الذي خصص له. وإنما يجب دوماً أن تحجب عنه بعض السلطة ولا تفوض إليه... فالسلطة لا يمكن تفويضها إلا في الحدود المتناسبة (commensurate) مع المسؤولية.

أما إلى أي مستوى، هبوطاً في التنظيم، يجوز أن تفوض المسؤولية والسلطة، فإن ذلك يكون على الأساس التالي:

إذا أريد أن يتم إنجاز العمل، فإن المسؤولية يجب أن تفوض إلى الناس الذين سيقومون بأداء العمل. وإذا ما كان مبدأ المسؤولية المتناسبة مع السلطة قد تم اتباعه، وجب أن نفوض السلطة إلى الموقع في التنظيم حيث سيتم إنجاز العمل. وكثير من المؤسسات تتبنى سياسة دفع السلطة إلى أقصى حد هبوطاً في التنظيم، بحيث تؤدي هذه السياسة في الواقع إلى اللامركزية.

ذلك هو أهم ما أورده «ألن» في شأن ما يمكن تفويضه، وماهية المسؤولية والسلطة اللتين يلزم أن يحتفظ بهما المدير، وماهية المسؤولية والسلطة الممكن تفويضهما. وخلاصة القول في ذلك الخصوص أن المدير، بسبب وضعيته الفريدة في التنظيم، يجب أن يحتفظ لنفسه بالمسؤولية والسلطة للمبادأة والقرار النهائي في شؤون التخطيط والتنظيم والحفز والتنسيق ورقابة عمل أولئك الذين يرفعون تقاريرهم إليه. وهو بوسعه بعد ذلك أن يفوض إلى مرؤوسيه دونما حرج مختلف التفصيلات والأمور الروتينية التي تؤدي إلى القرارات النهائية، وأن يعهد إليهم بالأعمال التي، إن لم يفوضها، يكون مضطراً إلى القيام بها بنفسه.

تبقى بعد ذلك نقطة أخيرة أرى من المناسب أن أتعرض لها، وهي تتعلق بموضوع التكامل المطلوب ما بين الإدارة كعلم، والإدارة كفن، على أساس من التوازن المتطور. والواقع أنه رغم أهمية هذه المسألة، فإن الكثيرين من ممارسي الإدارة لا يعونها على حقيقتها. فقد لا يختلف هؤلاء في أن الإدارة علم وفن، وأن هذين العلم والفن يتكاملان. على أن قلة منهم تدرك أن هذا التكامل ينبغي، أن يحصل على أساس من التوازن، وأن هذا التوازن يجب أن يكون دينامياً ومتطوراً. ولقد أصاب «جورج تري» عندما أولى هذه النقطة اهتمامه، فأكد على أهميتها منذ البداية في معرض تناوله طرق دراسة الإدارة في الفصل الأول من كتابه «أسس الإدارة»، إذ قال:

«إن الإدارة هي علم من حيث أن مجموعة المعارف المنظمة بشأن الإدارة تشرح الإدارة بالرجوع إلى الحقائق العامة، وتوطد العلاقات العرضية ما بين متغيرات الإدارة، ويمكن أن يعبر عنها بتعميمات... وكل تعميم يمكن أن يخضع لمزيد من البحث والتعديل بالمعرفة الجديدة... والإدارة هي فن من حيث أن الفن هو معرفة كيفية تحقيق نتيجة مرجوة، وهو المهارة التي تأتي مع الخبرة، والملاحظة، والقدرة على تطبيق المعرفة الإدارية وفق مقتضيات الحاجة. وفن الإدارة يحتاج إلى الخلق، المستند إلى علم الإدارة والمكيف بفهمه. وهكذا فإن علم الإدارة وفنها يتكاملان، وكلما تطور أحدهما تطور الآخر، والتوازن ما بين الاثنين لازم».

لقد تميزت الكثير من ميادين المعرفة ومجالاتها بسرعة تغير بنيتها وتطور مضامينها خلال الستينيات والسبعينيات بشكل لم يسبق له مثيل عبر تاريخ البشرية. تلك هي الحال بالنسبة للإدارة كعلم وكفنّ، إذ شهدت الإدارة الكثير من التطورات في أسسها والتغيرات في أسالبيها خلال هذين العقدين.

وكما قلت قبلاً فإني قد خرجت من المطالعات والتأملات في دنيا الفكر الإداري المعاصر بحصيلة من الزاد الفكري رأيت أن أضمنها هذه الدراسة لما يمكن أن يكون فيها من نفع كبير لممارسي الإدارة على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات. ولقد كان هدفي من إعداد الدراسة أن أشجع غيري على ارتياد دنيا الفكر الإداري المعاصر، فيكون لديهم منه ما يعينهم ويرشدهم في عملهم. فإذا ما انتهى القارئ من مطالعة هذه الصفحات وقد وجد نفسه أكثر تبصراً بقضاياها وأعمق فهماً لمسائلها، وإذا ما فرغ منها وقد تولدت لديه الرغبة في مطالعة المزيد من الجديد في هذا الميدان، أكون قد حققت الغاية التي من أجلها صرفت الساعات الطويلة في إعدادها.

العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً