العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ

توجهات الفكر الإداري المعاصر (1)

ما من دارس للإدارة إلا ويدرك أنه مع تعاقب العقود خلال القرن العشرين وتطور الفكر الإداري، في ضوء ما ظل يستجد من تنظير من جهة وما كانت تسفر عنه الدراسات والتحليل لنتائج التجريب والممارسة الإدارية من جهة ثانية، توالى ظهور عدد من النظريات والمدارس في الإدارة وانبثاق وتطور عدة مداخل لدراستها وطرائق لممارستها. ويكاد لا يخلو أي كتاب تدريسي في الإدارة صدر خلال العقود الأربعة الماضية من الإشارة على نحو مختصر إلى تلك النظريات والمدارس والمداخل أو بيانها على نحو مفصل. غير أن المشكلة بالنسبة لدارس الإدارة هي أن كتّاب الإدارة ومفكريها المعاصرين يتباينون في ما يحددونه من تلك النظريات والمدارس أو ما يعتبرونه من تلك المداخل حتى في الكتب التي تكون قد صدرت في نفس الفترة من الزمان، كما أنهم يتباينون في ما يتبعونه من مداخل لدراستها وطرائق عرض مسائلها ومعالجة قضاياها.

لنتأمل ما أورده مؤلفو أربعة كتب في الإدارة لدى استعراضهم لتطور الفكر الإداري وهؤلاء الكتاب هم:

-1 هارولد كونتز وسيريل أودونيل وهاينز ويهريش في كتابهم «الإدارة» (الطبعة السابعة، 1980) (1).

-2 مارتن جيه. غانون في كتابه «الإدارة: إطار تكاملي» (الطبعة الثانية، 1982) (2).

-3 جوزيف ل. ماسي في كتابه «أساسيات الإدارة» (الطبعة الرابعة، 1987) (3).

-4 صاموئيل سي. سرتو في كتابه «الإدارة الحديثة: النوعية، والأخلاقيات، والبيئة عالمياً» (الطبعة الخامسة، 1992) (4).

فماذا نجد؟:

أولاً: إن كونتز وزميليه يرون أن مداخل تحليل الإدارة يبلغ عددها أحد عشر هي: المدخل التجريبي - مدخل السلوك البيني (أي الخاص بالعلاقات بين الأشخاص) - مدخل سلوك الجماعة - مدخل النظم الاجتماعية التعاونية - مدخل النظم الاجتماعية الصناعية - مدخل نظرية القرار - مدخل نظرية النظم - المدخل الرياضي (أو مدخل علم الإدارة) - مدخل النظرية المتوقِّفية (نظرية الوضعية Contingency theory) - مدخل الأدوار الإدارية - مدخل النظرية التشغيلية.

ثانياً: إن غانون يرتأي أن هناك مجريين (أو اتجاهيين) رئيسيين في دراسة الإدارة الحديثة هما المجرى التقليدي والمجرى العلمي السلوكي. وهو يرى أن نطاق المجرى الأول يضم أربع مدارس هي المدرسة البيروقراطية (مدرسة ماكس ويبر)، ومدرسة العملية الإدارية (مدرسة هنري فايول)، ومدرسة الإدارة العلمية (مدرسة فردريك تايلور) والمدرسة الكمية (وهي المدرسة المستندة إلى المداخل الرياضية لتحديد الطريقة المثلى لأداء كل وظيفة)؛ وأن نطاق المجرى الثاني يشمل أربع مدارس هي مدرسة العلاقات الإنسانية (وهي تأخذ بوجهة نظر معارضة لوجهة نظر الإدارة العلمية)، ونظرية النظم (كما بيّنها شستر برنارد)، ومدرسة الموارد البشرية (كما أوضحها آرغريس وماكغريغر)، ومدرسة النظرية المتوقِّفية (في ضوء إسهامات بيرنز وستوكر وتوسي وكارول). ويرى أن المجرى الثاني هو مكمل للمجرى الأول لا بديل عنه.

ثالثاً: إن ماسي يعرض مدارس الإدارة على أنها الإدارة الكلاسيكية والإدارة العلمية، والمداخل السلوكية، والمدخل الكمي، والمدخل المتداخل المعارف (أي المستند إلى تداخل المعرفة من عدة علوم).

رابعاً: إن سرتو يحلل المراحل التي مرّ بها تطور الوضعية الإدارية والاستجابة لمؤثراتها في ستة مداخل هي المدخل الكلاسيكي، والمدخل السلوكي، ومدخل علم الإدارة، ومدخل نظرية المتوقفية، ومدخل النظم، ومدخل الإدارة المثلثة (Triangular Management)، وينبه إلى أن كل مدخل يقترح في الأساس طريقة تحليل مختلفة ونوعاً مغايراً من العمل كنتيجة للتحليل.

ذاك هو مثال على ما يقصده كاتب هذه السطور بتباين كتاب الإدارة ومفكريها في ما يحددونه من النظريات والمدارس والمداخل في مسيرة تطور الفكر الإداري. أما كيف يتباينون في ما يتبعونه من مداخل لدراسة الإدارة فيمكن توضيح جانب منه في المثال التالي:

لنتأمل المدخل الذي انتهجه كونتز وزميلاه في كتابهم والمدخل الذي تبناه غانون في كتابه فماذا نجد؟:

أولاً: بالنسبة لكونتز وزميليه

-1 إنهم يسعون في كتابهم إلى تقديم الأساسيات لما وصفوه بنظرية تشغيلية (Operational) ولعلم الإدارة، عارضين ما ارتأوا أنه أهم ما تشتمل عليه المعرفة المتاحة مما تيسر لهم تقديمه في طريقة منتظمة ومفيدة، مؤكدين على أساسيات الإدارة التي يعتقدون بأنها وثيقة الصلة بالعمل الفعال للمديرين، وكيف أنه في مختلف تلك المجالات يلزم أن ينظر إليها كمنظومة (system)، ويحاول المؤلفون أن يوضحوا بالشرح والوصف وبالاستعانة بالأمثلة أو التجارب أن التسيير الإداري (Managing) هو نفسه جزء من منظومة أكبر تتفاعل مع البيئة الكلية للمدير - الاقتصادية والتكنولوجية، والاجتماعية، والسياسية والأخلاقية - وأن ما يعمله المديرون في الواقع العملي يجب أن يعكس الوضعيات الفعلية التي يعملون فيها وحقائق الأوضاع التي يواجهونها ويلزم أن يتعدل بتلك الوضعيات وبحقائق الأوضاع.

-2 إنهم يؤكدون على أهمية المفاهيم والنظريات والمبادئ وتقنيات (techniques) الإدارة، غير أنهم في الوقت ذاته ينطلقون من فلسفة تنظر إلى الإدارة على أنها فن، بمعنى أن تحقيق أفضل نوع من الممارسة يقتضي من المديرين أن يطبقوا العلم - أي المعرفة الإدارية المنظمة التي يتم الاستناد إليها كأساس - على وقائع أية وضعية. وانهم (أي المؤلفون) في تطويرهم لإطار يمكن ضمن نطاقه تنظيم المعرفة الإدارية في طريقة مفيدة وعملية، يرتأون كتصنيف أولي لها، استخدام وظائف المدير - التخطيط، والتنظيم، والتوظيف، والقيادة، والمراقبة - كما أنهم في تناولهم كل وظيفة يقومون بتجزئة المعرفة الوثيقة الصلة بها، منوِّهين بأن الخبرة قد أثبتت بأن أي معرفة جديدة، سواء كانت من العلوم السلوكية أو العلوم الكمية، أو من التجديدات في الممارسة، يمكن أن توضع ضمن الإطار المقترح، آملين أن يكون في ذلك نقطة بداية لتطوير علم إدارة حقيقي يضع التطورات الجديدة في منظور صحيح، ويجعل من ذلك العلم عوناً مفيداً لمن يطبقه من الممارسين على الوضعيات القائمة في الواقع.

-3 إنهم ينبهون إلى أنهم في محاولتهم لتطوير تصنيفات للمعرفة يدركون أن تلك التصنيفات هي غير مانعة (nonexclusive) وأنها تحتاج إلى طريقة (أو مدخل) النظم، ومن ثم فإن وظائف المديرين عندهم تمثل منظومة متشابكة متفاعلة، مجال كل وظيفة منها يحوي بدوره عدداً من المنظومات الفرعية، وأنهم بالاستخدام الانتقائي (أو الاصطفائي) للمعرفة الوثيقة الصلة بها والوسائل الموائمة من مجالات المعرفة العلمية استطاعوا إدراك وجود الحاجة إلى العناصر الرابطة ما بين تلك المعرفة وما تعلق بها وبين مهمة المدير.

-4 لقد جاء مدار غالبية فصول الكتاب حول وظائف الإدارة وراعى المؤلفون أن تبدأ دراسة كل وظيفة من وظائف المدير الرئيسية الخمس بتناول طبيعتها والغرض منها، ويلاحظ أنهم في تناولهم الوظائف قد اعتبروا صناعة القرار ضمن نطاق التخطيط، واعتبروا التحفيز والاتصال ضمن نطاق القيادة، واعتبروا التقييم والتطوير ضمن نطاق التوظيف.

ثانياً: بالنسبة لغانون

-1 ينكلق في كتابه بتوضيح أن مؤلفه مبني حول منظور يفهم الإدارة كعملية، وأن هذا المنظور يلم جميع المنظورات أو المدارس الرئيسية الأخرى في المجال الإداري في إطار تكاملي، ويقوم من هذا المنظور أربعة أبعاد تنظيمية (تتم من خلالها الفعاليات الإدارية وهي: التخطيط والمراقبة اللتان بترابطهما تشكلان أول بعد) وتصميم التنظيم، والعمليات السلوكية، وصناعة القرار الإداري، وهذا الإطار يوضح العلاقات التي تقوم ما بين تلك الأبعاد، وهي علاقات تتصف بالدينامية، وأنه بوسع المديرين والطلبة أن يغيروا من أدائهم الفردي والتنظيمي عن طريق فحص هذه العلاقات، وأن إطاره التنظيمي يتصف بالمرونة، ومن ثم فإنه بوسع أي مدرس أن يوائم بينه وبين المنظورات الرئيسية الأخرى. وينبه غانون إلى أن أحد الأهداف الرئيسية من تأليفه لكتابه هو تطوير وتهذيب هذا المدخل المعاصر القائم على أساس العمليات أو «الإطار التنظيمي المتكامل» كما ارتأى هو أن يدعوه.

-2 يتخذ من إلقاء نظرة شاملة إلى التطور التاريخي لمجال الإدارة منطلقاً للدخول في تفصيلات إطاره التنظيمي الذي يستخدمه بعد ذلك في دراسة موضوعات التخطيط والمراقبة، وتصميم التنظيم والعمليات السلوكية على التوالي. وبعد إكمال ذلك يركز على قضايا تنظيمية معينة من بينها المسئولية الاجتماعية, والنزاع والإبداع، وإدارة التغيير والتطوير، ويتناول في القسم الأخير من كتابه المسارات المهنية في الإدارة وأوجه تكيفها وفقاً للظروف أو الحقائق أو الأوضاع، مع فحص الأداء الإداري والنجاح في المسار المهني، والنظرة الاستشرافية للإدارة.

وهكذا يظهر جلياً التباين والاختلاف في المدخلين لدراسة الإدارة والطرائق التي تم بها عرض ومعالجة القضايا والمسائل المطروحة. غير أن ذلك التباين لم يمنع أياً من الكتابين من أن يكون موفقاً في المناهج المتبعة في عرض موضوعاته وفي العمق والشمول اللذين اتصف بهما بيان مختلف المفاهيم والمبادئ التي تستند إليها الإدارة كعلم، ومعالجة القضايا والمسائل المرتبطة بها، كما أن التباين بين المدارس الفكرية ونظريات الإدارة التي اعتمد عليها كل من المؤلفين لم تكن عائقاً في مجال تحقيق كل من الكتابين لغاياته. والواقع أن كل مهتم بفحص محتوى ومضامين أمثال هذين الكتابين في مجال الإدارة سيجد الاختلاف والتباين بينها في المداخل التي تتبناها لدراسة موضوعاتها، وفي المدارس والنظريات التي تركن إليها في بحث مسائلها وقضاياها. وتظل هناك حقيقة قائمة بالنسبة لهذين الكتابين وغيرهما من الكتب التي تماثلهما في الغرض وهي ارتباط كل كتاب منها بزمانه. وكلا الكتابين في طبعته التي تم الرجوع إليها صادر في مطلع الثمانينيات ومن ثم فإنهما يعكسان في أفضل الافتراضات الفكر الإداري السائد في الولايات المتحدة في عقد السبعينيات. ومعلوم أن عقد الثمانينيات وما بعده قد شهد ظهور مستجدات وتطورات هامة في بعض جوانب ذلك الفكر مما يستلزم أن يكون له انعكاساته وتأثيراته في محتوى ومضمامين ما صدر من كتب في الإدارة خلال تلك السنوات.

والآن لنتأمل الكيفية التي تم بها تناول «الإدارة» في كتابين آخرين هما كتاب جوزيف ماسي وكتاب صاموئيل سرتو المذكورين قبلاً: (في طبعتيهما المنشورتين عام 1987 وعام 1992 على التوالي).

أولاً: بالنسبة لماسي

-1 إنه يلخص في كتابه العناصر الأساسية في الإدارة وغايته إعطاء الدارس تركيبة (أو توليفة) من المداخل التقليدية والكمية والسلوكية للموضوع عن طريق تركيز الاهتمام على المفاهيم الأساسية وتقنيات التحليل. ولقد جاء كتابه مكوناً من ثلاثة أقسام رئيسية مدار أولها خلفية الإدارة الحديثة وتتضمن طبيعة وأهمية الإدارة، وتطور الفكر الإداري والأسس الأخلاقية والبيئية للإدارة؛ ويشمل القسم الثاني بحث وظائف الإدارة، وإدارة المعلومات، ويتضمن القسم الثالث إدارة العمليات، والإدارة المالية، وطبيعة الإدارة في عدد من الميادين والمجالات المختلفة إضافة إلى عرضه لتصوراته لما ستكون عليه في الإدارة في القرن الحادي والعشرين.

-2 إنه يحمل وجهة النظر التي تقر بأن الإدارة يجب أن ترتكز على دراسة يتداخل فيها عدد من فروع المعرفة باعتبار أن هناك إنجازات هامة قد تمت في علوم الاقتصاد والمحاسبة وعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والإحصاء والرياضيات في مجالات ترتبط مباشرة بالإدارة. ولذلك فإنه (أي ماسي) يقدم من خلال دراسة العناصر الأساسية في الإدارة إطاراً لتكامل المساهمات من تلك الفروع المعرفية التي لها اهتماماتها في دراسة الإدارة، كما أنه في الوقت ذاته يشجع على اتباع اتجاه نقدي نحو الفكر الإداري بأمل أن يحث ذلك الدارس على أن يتوصل بنفسه إلى التركيبة (أو التوليفة) التي تلائمه. ولقد تم إدماج تلك الفروع المعرفية التي تؤثر في الإدارة، في نطاق إطار تقليدي وظيفي.

-3 إنه ظاهر في الكتاب الاهتمام الذي أولاه لكل من الأسس الأخلاقية والبيئية للإدارة كعنصر من عناصر خلفيتها كموضوع، وإدارة المعلومات كوظيفة رئيسية من وظائف الإدارة. ولقد أكد بالنسبة لتلك الأسس أنه في السنوات الأخيرة ظهر توجه من رجال الأعمال والفلاسفة والعلماء والجمهور العام نحو القضايا المتعلقة بمسئوليات الإدارة والممارسات الإدارية من الناحية الأخلاقية والقانونية، وكامل بناء المنظومة القيمية لمجموعة العاملين في الحقل التجاري. ومن ثم أولى المؤلف اهتمامه للوضعيات الثقافية التي يضع المديرون قراراتهم ضمن نطاقها، والإطار الأخلاقي لفلسفاتهم في الإدارة منتقلاً من ذلك إلى الدور الأساسي للأهداف في المنشأة.

-4 إنه بالنسبة لإدارة المعلومات كوظيفة يشير إلى أنها قد أصبحت مسئولية خطيرة ضمن مسئوليات المدير وأنها مركزية لمعظم وظائفه (مثل صنع القرار والتنظيم والتوظيف والتوجيه) وأن أكثر الوظائف تأثراً بما حصل من تغير في تكنولوجيات المعلومات وتوزيعها ربما كانت التخطيط والمراقبة.

-5 إنه يستعرض بالتفصيل انبثاق أنظمة المعلومات كما يعالج بالتفصيل أيضاً موضوع نظم المعلومات الإدارية (المعروفة بـ «MIS» اختصاراً لعبارة (Management Information Systems).

ثانياً: بالنسبة لسرتو

-1 إن المدخل الذي انتهجه في دراسته للإدارة هو مدخل «الإدارة المثلثة» (Triangular Management) وهو مدخل يؤكد على استخدام المعلومات من المدارس الفكرية الثلاث (الكلاسيكية والسلوكية وعلم الإدارة) لتسيير الإدارة كمنظومة مفتوحة. وكما يبين فإن المصادر الثلاثة للمعلومات في نموذجه ليس مقصوداً منها أن تمثل جميع المعلومات التي يمكن استعمالها لتحليل منظومة الإدارة، وإنما هي ثلاثة كيانات من المعلومات المرتبطة بالإدارة والتي يحتمل أن تكون ذات أهمية كبرى للمديرين في تحليل منظومة الإدارة، وأن التأليف (أو التركيب) لتلك المعلومات ذات الأساس الكلاسيكي والسلوكي والعملي أمره حاسم بالنسبة لتسيير تلك المنظومة.

-2 ولقد جاء كتابه في ستة أقسام رئيسية أولها بعنوان مقدمة للإدارة، والثاني مداره التخطيط (ويشمل الأغراض التنظيمية وأساسيات التخطيط وصنع القرارات والتخطيط الاستراتيجي والخطط وأدوات التخطيط)؛ والثالث مداره التنظيم (ويشمل أساسيات التنظيم، والمسئولية والسلطة والتفويض، وإدارة الموارد البشرية، والتغيير التنظيمي والشدة «strees»)؛ والرابع مداره التأثير (ويتناول أساسيات التأثير والاتصال، والقيادة، والتحفيز، والجماعات والثقافة التشاركية)؛ والقسم الخامس مداره المراقبة (ويشمل مبادئ المراقبة، وإدارة الإنتاج ومراقبته، والمعلومات)؛ وأما القسم السادس فقد خصصه المؤلف لمعالجة الموضوعات التي أولاها توكيداً خاصاً وتشمل الإدارة الدولية، والنوعية من حيث علاقتها ببناء القدرة التنافسية لدى المنظمات.

من المعايير الأساسية التي يتوجب العودة إليها لدى تقييم محتوى ومضامين أي كتاب في الإدارة مدة ومقدار ما ينعكس في الكتاب من مستجدات الفكر الإداري الحاصلة في زمانه وما تكون قد أثمرت عنه ممارسات الإدارة وأظهرته تجاربها من خبرة وتبصُّر في مجالاتها المختلفة, وما يكون قد أمكن استخلاصه من تلك الممارسات والتجارب من المبادئ الرئيسية التي يمكن أن تهدي العمل الإداري وترشدده وتوجه مساره نحو تحقيق غاياته. فأين يقع كل واحد من هذه الكتب الأربعة وفق تلك المعايير؟

إن الوفاء بالمطلوب يستلزم الكثير من التحليل والمقارنة مما لا مجال لاستعراضه في هذه الورقة، إلا أنه بالوسع عرض بعض الملاحظات والانطباعات التي تفي بالغاية من ذكر هذه الكتب واستعراضها. وهذا يمكن بيانه فيما يلي:

-1 إن كونتز وزميليه كانوا موفقين جداً في استخلاص مجموعة من المبادئ الرئيسية في كل من مجال التخطيط ومجال التنظيم ومجال التوظيف ومجال القيادة ومجال المراقبة، وهذا في جملته مما ضاعف من قيمة الكتاب، حيث إنه يمكن اعتبار تلك المجموعات من المبادئ الرئيسية وعددها اثنان وخمسون مبدأ بمثابة دليل عمل لممارس الإدارة في مختلف جوانب وظيفته؛ وأنه من شأنه استيعاب تلك المبادئ والعمل بموجبها أن يسهم في جعل المدير أكثر فعالية في أدائه لمهامه. وكان يفضل لو أنهم عالجوا موضوع نظم المعلومات معالجة أكثر تفصيلاً لدى استعراضهم لتقنيات المراقبة في الفصل السابع والعشرين من الكتاب، فقد جاءت معالجتهم لذلك مختصرة، واقتصر تركيزهم على أهمية تبني المديرين لمدخل الضبط الموائم لتحديد الحصيلة النهائية اللازمة من المعلومات للإدارة الفعالة من حيث إنه ليس هناك من منظومة معلومات يمكن أن تكون مفيدة في حد ذاتها. كما أنه لم ترد في الكتاب أية إشارة إلى إدارة نظم المعلومات.

-2 إن غانون كان موفقاً في محاولته جعل الدارس يختبر بنفسه ما يعنيه أن يكون المرء مديراً وذلك من خلال دراسة الحالات المتنوعة المختارة في نهاية دراسته لكل موضوع، وفي إتاحته الفرصة عن طريق ذلك ليتمكن الدارس من تنمية قدرته على التأمل والملاحظة في بعض منها، وعلى القدرة على التحليل في البعض الآخر. ولقد تميز الكتاب بكونه يتضمن طريقة لتحليل الحالات النظرية قام المؤلف بتطويرها بحيث يمكن تطبيق الإطار التنظيمي في إيجاد الحلول لتلك الحالات، كما تميز أيضاً بكونه يعكس نجاح المؤلف في مساعيه عبر كتابه لإيجاد توازن ما بين تقديم المفاهيم وما بين توضيحها. ويلاحظ أن معالجته لإدارة نظم المعلومات كانت مختصرة وغير شاملة.

-3 إن ماسي كان موفقاً في استعراضه لأساسيات الإدارة وتميز عرضه لوظائف عملية الإدارة من جهة وتطبيقات الوظائف الإدارية من جهة ثانية بالتركيز والوضوح. ولقد أولى إدارة نظم المعلومات اهتماماً ملحوظاً إذ خصص لها فصلاً كاملاً استعرض فيه تطور نظم المعلومات موضحاً أصناف المعلومات الإدارية (أي معلومات التخطيط الاستراتيجي ومعلومات المراقبة الإدارية ومعلومات التشغيل) ومبيناً نظم المعلومات الإدارية ودورها في مساندة الوظائف الإدارية، وكيفية تصميم تلك النظم، وكذلك المفاهيم الأساسية لاستخدام المديرين للمعلومات باستخدام الحاسوب، وقضايا ومشكلات نظم الحاسوب.

-4 إن اهتمام سرتو بقضايا النوعية والأخلاقيات والبيئة العالمية بارز في مؤلفه. ولقد انعكس ذلك جلياً في بحث المؤلف لتلك القضايا في كل فصل من فصول الكتاب تقريباً، وكان موفقاً في بيان علاقتها بموضوعات تلك الفصول، كما كان موفقاً أيضاً في سعيه، من خلال ما سماه بالولوج الواقعي في قضايا النوعية والأخلاقيات والبيئة على مستوى العالم، إلى أن يتعلم الدارسون تفهم واستحسان كون الإدارة هي أكثر من مفاهيم نظرية، وأنها عملية مثيرة، وعمل صعب وتحدٍّ لمن يمارسها. ولقد تميز الكتاب بتوكيد الواقعية وذلك عن طريق عرض الحالات والأمثلة والشواهد عن المديرين الفعليين والشركات الحقيقية بقصد مساعدة الدارس على رؤية الكيفية التي يمكن بها تطبيق نظريات الإدارة في البيئة الحديثة التي يعمل فيها مديرو عقد التسعينيات. وإن سترو في معالجته لموضوع المعلومات كان موفقاً في إتاحة الفرصة والمجال للدارس لكي يكتسب فهماً للعلاقة ما بين المعطيات (data) والمعلومات، ويكتسب أيضاً تبصراً بالعوامل الرئيسية التي تؤثر في قيمة المعلومات، ومعرفة ببعض الخطوات الممكن اتباعها لتقييم المعلومات، ولكي يفهم ويستحسن دور أجهزة الحاسوب في معالجة المعلومات، ويتفهم ويعي أهمية إدارة نظمها في أية منظمة، والكيفية التي يمكن بها وضع استراتيجية ملائمة لتأسيس نظم معلومات إدارية، ويلم بالمعلومات حول النظم المساندة للقرارات الإدارية وكيفية تشغيلها. وقد تميز تناوله لمختلف جوانب الموضوع بالتفصيل الوافي والبيان الواضح. والواقع أن سرتو أولى موضوع نظم المعلومات الإدارية اهتماماً بارزاً وجاءت معالجته لها على نحو تميز فيه على ما عرضه غانون وما بيّنه ماسي في ذات المجال، من حيث الشمول.

تلك هي الملاحظات والانطباعات التي تكونت لدى كاتب هذه السطور لدى تمعنه في محتوى ومضامين الكتب الأربعة والأساليب التي اتبعها مؤلفوها في تناول بعض مسائلها وقضاياها. ولنعد مرة أخرى إلى موضوع المعايير الأساسية لتقييم كتب الإدارة لبيان نقطة أخرى لها أهميتها.

إن تفهم العوامل التي أثرت في كل عقد من عقود هذا القرن على مسار تطور الفكر الإداري في الغرب وغير الغرب عبر تلك العقود من شأنه أن يجعل دارسي الإدارة أكثر وعياً لما تحمله تلك التطورات من دلالة في كل عقد منها. ولقد سبقت الإشارة إلى أهمية وضرورة أن يعكس محتوى ومضمون أي كتاب في الإدارة مستجدات الفكر الإداري الحاصلة في زمانه فيما يتعلق بالمسائل والقضايا التي يتناولها، وأن ذلك هو من المعايير الأساسية لتقييم الكتاب. ومعلوم أن هناك معايير أخرى من بينها مدى وفاء الكتاب بالغاية من تأليفه، ومدى ملاءمة المحتوى والمضامين للذين أعد الكتاب لهم، ومدى المواءمة المتحققة ما بين العمق والشمول في تناول المسائل المطروحة، ومدى توافر التسلسل المعقول والمقبول في معالجة القضايا ومدى توافر البنية اللازمة المطلوبة في الكتاب ككل للوفاء بكل ذلك، ومدى تمكن الكاتب من تقديم موضوعه في بنية واضحة تربط ما بين التفصيلات ربطاً له معناه ودلالته. غير أننا لسنا هنا في معرض الدخول في تفصيلات تلك المعايير، وإنما جاء ذكرها لتكون الصورة أكثر اكتمالاً.

والتنويه بأهمية العوامل المؤثرة في مسار تطوير الفكر الإداري في محله. وجلي أن المقام هنا لا يسمح كذلك باستعراض تفصيلات تلك التطورات. بيد أن عدم استعراض التفصيلات لا يمنع من إمكانية عرض أهم ما تتضمنه بإيجاز معقول ومقبول. وفي هذا الشأن يساعدنا اعتبار ما أورده ماسي في كتابه «أساسيات الإدارة» في هذا الخصوص. فلقد أجمل الكثير في صورة يمكن اعتبارها من أفضل الصور التي تيسر للدارس «نظرة الطائر» لما حصل من تطور للفكر الإداري في الغرب طوال القرن العشرين. وقد جاء ملخصه على النحو التالي:

«إن تطور الفكر الإداري خلال المئة عام الأخيرة لم يكن اتجاهاً متواصلاً من مصدر واحد وإنما كان عملية تكامل أفكار من عدة اتجاهات. وإضافة إلى ذلك فإنه خلال هذا التطور انتقل تركيز الاهتمام من اتجاه إلى اتجاه».

1) من 1900 إلى 1930 كان التركيز الرئيسي على العوامل الطبيعية كما تأتي رؤيتها من الهندسة الصناعية والاقتصاد.

2) وما بين 1930 و1960 انتقل التركيز إلى العوامل البشرية المؤثرة في الإنتاجية مع محاولات مساعدة من المحاسبة الإدارية ومفاهيم شئون الأفراد والمالية.

3) وخلال الستينيات، كنتيجة للتقارير التي أعدت لمؤسسات فورد وكارنيجي صار التوكيد على تحقيق الدقة من خلال استخدام الطرائق الكمية (الرياضيات والإحصاء) والعلوم السلوكية (علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإنسان أو الأنثروبولوجيا). ولقد تطورت أجهزة الحاسوب وأجهزة التفكير السريع خلال هذا العقد من حيث كونها تقنيات للإدارة.

4) وفي السبعينيات تركز الاتجاه على السلوك التنظيمي (المبني على المدخل السلوكي) كمرادف للإدارة تقريباً.

5) وخلال العقد الأخير (عقد الثمانينيات) اتجه الاهتمام الأكبر نحو نظريات المتوقفية (أو الموقفية) (contingency)، أي نظريات الإدارة التي تعتمد على الوضعيات البيئية التي تطبق فيها. وهكذا أفسح المدخل الكلاسيكي (المرتكز على نظرية عالمية للإدارة) المجال لعدد من النظريات المتوقفية. وأصبحت الجوانب القانونية، والاعتبارات الثقافية، ومجال الإدارة العامة الآخذة في البروز، تلقى توكيداً جديداً» (5).

ويخلص ماسي من ذلك كله إلى تقرير ما يلي:

«إن هذه النظرة من علٍ للتطور التاريخي للإدارة تظهر اتجاهين اثنين متزامنين ومتضادين عبر الزمن: الأول، أنه على أساس دوري ظل الأخصائيون في واحد أو اثنين من مجاري الفكر يحاولون تطبيق موضوعات الإدارة بحيث تكون ضمن نطاق المجرى الخاص ببحوثهم، مثل التوكيد على السلوك التنظيمي في السبعينيات، ومع ذلك فإنه بموجب الثاني أخذت مطالب جديدة للمجتمع من الإدارة توسع باستمرار من نطاق الإدارة لتشمل مجاري جديدة للفكر، مثل الاهتمام الموجه للبيئة والقضايا القانونية والأخلاقية ونظم المعلومات».

هذا ما أوضحه ماسي في كتابه «أساسيات الإدارة» (في طبعته الصادرة عام 1987). ولاشك أنه لدى أخذنا بعين الاعتبار فحوى الخلاصة التي انتهى إليها إضافة إلى ما أورده في شأن مراكز الاهتمام في الفكر الإداري خلال عقد الثمانينيات مقارناً بمراكز الاهتمام فيه خلال عقد السبعينيات يكون واضحاً لنا لماذا أولى ماسي إدارة المعلومات ذلك الاهتمام وخصص لها فصلاً كاملاً يستعرض فيه تطور نظم المعلومات وأصناف المعلومات الإدارية ونظم المعلومات الإدارية ودورها في مساندة الوظائف الإدارية، وكيفية تصميمها والمفاهيم الأساسية لاستخدام المديرين للمعلومات إلخ... وهو اهتمام يفوق بكثير الاهتمام الذي أولاه غانون لتلك الموضوعات (في الطبعة الثانية من كتابه، الصادرة كما ذكرنا عام 1982) ونفهم أيضاً لماذا جاءت معالجة سترو لموضوع المعلومات بوجه عام ومعالجته لنظم المعلومات الإدارية بوجه خاص متميزة في بيانها وتفصيلاتها (كما عرضها في الطبعة الخامسة من كتابه، الصادرة كما ذكرنا عام 1992) على ما عرضه غانون وما أوضحه ماسي نفسه في ذات المجال. وكذلك نفهم لماذا أولى سترو في ذات الكتاب كل ذلك الاهتمام بقضايا النوعية والأخلاقيات والبيئة العالمية في مختلف وظائف المدير، وهو ما لا نرى له ما يوازيه من الاهتمام في معالجة كل من كونتز وزميليه وغانون وماسي لتلك الموضوعات. والواقع أن جميع هؤلاء المؤلفين لم يغفلوا عن تناول قضايا النوعية والأخلاقيات والإدارة العليا، وإنما جاء تميز سرتو في سعة نطاق التناول وعمق المعالجة وشموليتها.

كل ما تم عرضه حتى الآن أمثلة قصد منها بيان بعض أوجه التباين والاختلاف ما بين كتّاب الإدارة المعاصرين فيما يحددونه ويعتبرونه من النظريات والمدارس والمناهج لدراسة الإدارة والمداخل التي يتبعونها في تناول مسائلها وبحث قضاياها. وهي مشكلة لا معدى لدارس الإدارة من أن يواجهها. غير أن هناك مشكلتين أخريين ربما كانتا أكثر تعقيداً وهما أن علماء الإدارة ومنظريها وكتّابها وباحثيها كانوا عبر عقود هذا القرن وما يزالون غير متفقين على ما يحمله اصطلاح الإدارة ومفهومها من معنى ودلالة، كما أنهم ما يزالون مختلفين بشأن ما يمكن تحديده كوظائف للمدير والأوجه التي يمكن بها تصنيف تلك الوظائف. وهنا أيضاً بالوسع تقديم الأمثلة على ذلك.

لنتأمل ما أورده مؤلفو ستة من كتب الإدارة لدى تناولهم معنى الإدارة وحقيقتها ووظائف المديرين ومهامهم، وهؤلاء الكتاب هم:

-1 روبرت آبلبي في كتابه «إدارة الأعمال الحديثة» (الطبعة الثانية، 1980) (6).

-2 كونتز وأدونيل و ويهريش (وقد سبق الحديث عن كتابهم).

-3 رونالد كلارك في كُتيّبه «المهارات الإدارية لإداريّي التعليم العالي» (طبعة 1983) (7).

-4 جون سكوت وآرثر روشستر في كتابهما «مهارات الإدارة الفعالة» (الطبعة الأولى، 1984) (8).

-5 ماسي (وقد سبق الحديث عن كتابه).

-6 سترو (وقد سبق الحديث عن كتابه).

فماذا نجد؟:

العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً