العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ

ثانيا ً- صناعة القرار

لنتأمل مدلول «صناعة القرار». لقد قلت قبلاً إن «روز ماري ستيوارت» قد أوضحت بأنه من الناحية النظرية يمكن تعريف الإدارة بأنها «تقرير ما يلزم عمله ثم جعل الآخرين يعملونه»، كما ذكرتُ أنها قد فصلت ذلك بأن «تقرير ما يلزم عمله» يشتمل على تحديد الأهداف، والتخطيط بما في ذلك صناعة القرار، وبناء التنظيم الرسمي... وأن «جعل الآخرين يعملونه» يتكون من التحفيز، والاتصال، والرقابة بما فيها القياس، وتنمية الناس.

ولقد يفهم بعض دارسي الإدارة من هذا أن الإدارة هي في جوهرها «صناعة القرار». بل إن هناك من يعتبر أن الإدارة هي «عملية صناعة القرار». وفي هذا الشأن ينبهنا «ديل» إلى أن مثل هؤلاء إنما هم محقون جزئياً، وأن أي قرار من قرارات الإدارة إنما يعمل دوماً في سياق قيام الإدارة بنشاطاتها من تخطيط وتنظيم وتوظيف وتوجيه إلخ... ومن ثم فإن صناعة القرار لا يمكن أن ينظر إليها كمهمة مستقلة. ويحاول «ديل» أن يقدم تعريفاً مناسباً لماهية صناعة القرار فيذكر أنها قد وصفت جيداً بأنها «الحدث المركزي» (focal) النفساني الخلاق، الذي فيه تنصهر المعرفة والفكر والشعور والخيال كلها في عمل، وأنها «عملية لا يمكن شرحها في صيغة نصية... وأن الخاصية الأولية للعملية كونها تشتمل على اللايقين (uncertainty)».

ثم يستطرد موضحاً:

«عندما تكون الأهداف واضحة ويكون الشخص المسؤول عارفاً بما سيحدث عندما يختار أياً من مسالك العمل المفتوحة أمامه، فلا حاج له في أن يتخذ قراراً حيث إن الظروف تملي ما يلزم فعله وأي شخص عاقل سيفعل ذلك». إلا أنه باستثناء الشؤون التي هي «روتينية» تماماً، فإن مستتبعات قرارات الإدارة نادراً ما تكون في كليتها مما يمكن التنبؤ به. إن الرجل الذي يقرر يجب أن يزن الاحتمالات ويوازن بين مخاطر كل نهج عمل وما قد يعود من مكاسب منها».

ثم ينبه إلى حقيقة مهمة في شأن واقع صناعة القرار فيقول:

«ولكن معظم قرارات الإدارة المهمة يكون الواحد منها فريداً من نوعه لمجرد أن بعض المتغيرات المؤثرة في الوضعية تختلف عن تلك التي تكون قد أثرت في القرارات الماضية. ولذلك فإن الاحتمالات التي يتوجب على المدير أن يتعامل معها هي مجرد تقديرات مبنية عموماً على مجموعة غير كاملة من الحقائق».

هذا ما أورده «ديل». والواقع أنه ما من أحد من علماء الإدارة إلا ويؤكد على أهمية صناعة القرار وخطورتها، وما من أحد من ممارسي الإدارة إلا ويشعر بانعكاس ذلك على العملية الإدارية بكاملها. إلا أن ما أورده «ديل» يلقي الضوء على الموضوع بصورة تميزه عما أورده كثيرون ممن كتبوا عن صناعة القرار في الإدارة. ولذلك نوهت به.

كذلك يهمني أن أنبه إلى نقطة أخرى. وهي نقطة تتعلق بالشطر الثاني مما أوردته «روز ماري ستيوارت» كتعريف مبسط للإدارة، وهو «جعل الآخرين ينفذون ما يقرره المدير». إن تحقيق ذلك ليس بالأمر الهين وهو يتطلب من المدير مهارة، وهذه المهارة هي «القدرة على الحصول على النتائج من خلال عمل الآخرين». وهي في جوهرها ما يتضمنه «التفويض». ألم يذكرنا «ألن» بأن التفويض هو دينامية الإدارة؟!.

إن من السهل أن نقرر أنه على المدير أن يفوض لكي يتيسر له أن يقوم بعمله كمدير على النحو اللازم. إلا أن شأن ذلك في التطبيق شأن آخر. وفي تجربتي الإدارية وجدت أن كثيرين من المديرين ليسوا من الناحية النفسية على استعداد لأن يتنازلوا برضا واقتناع عن جزء من مسؤوليتهم وسلطتهم لكي يتيسر تحقيق التفويض. وفي بعض الحالات يكمن أساس المشكلة في انعدام الجو المناسب الذي يمكن للتفويض أن يتيسر فيه، ذلك لأن التفويض له شروط لازمة يفقد بدونها معناه الحقيقي. فما هي هذه الشروط؟ لنتأمل ما يقرره «ألن» في هذا الخصوص ولقد لخصته في ثلاث نقاط:

-1 إن التفويض يتم على أفضل وجه عن طريق سياق من الفعالية الإدارية (management activity). هناك الحاجة إلى وضع المرامي (goals). ثم التحديد الواضح للسلطة المراد تفويضها.

-2 إن التفويض، ليكون فعالاً، يستلزم حفز المرؤوسين إلى أقصى حد من الإنتاجية. ويعتمد الحفز على عوامل نفسية ووجدانية معقدة، وكذلك على حوافز ملموسة كالمال والترقية. ومن الناحية التطبيقية، فإن الحفز يمكن تنشيطه بواسطة خلق مجموعات عمل صغيرة، وتوفير أقصى حد من التفاعل المتبادل بين أعضاء المجموعة. إن عوامل القيادة هي أيضاً مهمة، وتشمل توفير ما يلزم للمشاركة والاتصال.

-3 إن التفويض الفعال يتطلب مراعاة مبدأ العمل الكامل، لكي يقوم المرؤوسون بعملهم كإنجاز كلي ولا يتسببون في طلبات غير واجبة لهم على رئيسهم في مجال إنجاز العمل. وكخطوة أخيرة، فإن المديرين الذين يفوضون يجب عليهم أن يعملوا على تنمية مرؤوسيهم ليكون أداؤهم على أعلى كفاية وذلك عن طريق التقييم والإرشاد، ومعاونتهم على تحسين أدائهم وتوفير طرق التدريب المناسبة لهم.

التفويض إذن ضرورة لابد منها إذا أراد المدير أن «يدير». فالحقيقة أن المدير لا يكون مديراً إلا بالناس الذين يعملون معه ولا يستطيع أن «يدير» إلا بهم، ولا يمكن أن يقوم بمهامه على النحو اللازم إلا عن طريق مشاركتهم إياه في تحمل بعض السلطة وبعض المسؤولية. وهذه المشاركة في السلطة وفي المسؤولية لا يمكن أن تتم إلا على أساس من التخطيط ومن التنظيم.

لقد سبق أن أوردت قبلاً ما نبهنا إليه «ديل» من أنه لدى اعتبار التنظيم عملية فإن التنظيم يشمل: (أ) تجزئة العمل الضروري لتحقيق الغرض في أعمال مقررة، و(ب) توفير الوسائل لتنسيق جهود القائمين بها. والذي أضيفه هنا هو أن التخطيط يتطلب من المدير أحياناً أن يفكر فيما تشتمل عليه وظيفة ما، وأن يسأل نفسه عن نوعية الوظيفة التي يريد استحداثها، وعن مبررات استحداثها، كما أن التنظيم يتطلب مسبقاً من المدير أن يقرر كيف تعمل الجماعة، وأن يسعى لتحديد أفضل الأوجه لجمع النشاطات المختلفة لما هم عنه مسؤولون. وعليه قبل أن يبت في ذلك أن يكون على علم بالبدائل المتيسرة. وأمام المدير عدة أشكال للتجمعات التي يمكن جمع النشاطات بموجبها كأن يكون ذلك حسب النواتج أو الخدمات أو المهام إلخ... وعليه أن يختار ما يفي بحاجته. ولكن ما هي الأسس التي يلزم أن يقوم عليها الاختيار؟.. وما هي الأسس التي يلزم أن يستند إليها المدير في تحقيق التنسيق؟.

وكذلك التخطيط والتنظيم يقتضيان من المدير أن يكون ملماً بالقرارات المختلفة التي يلزم عملها لدى القيام بإنشاء تنظيم جديد أو تعديل تنظيم قائم ليأتي الإنشاء أو التعديل على النحو الذي يحقق الغرض منه. فما هي طبيعة هذه القرارات؟.

لنتأمل ما أوردته «روز ماري ستيوارت» في كتابها «حقيقة المنظمات» لدى تناولها مسألة «تجميع النشاطات» ومسألة «التنسيق».. وما ذكرته في كتابها «حقيقة الإدارة» لدى تناولها «نوعية البنية»، فلقد أوضحت في ذلك الكثير مما يساعد دارسي الإدارة وممارسيها في مجالات تجزئة العمل وتحديد أشكال التجمعات وتحقيق التنسيق واتخاذ القرارات المناسبة في شأن بنية التنظيم.

لقد أكدت «روز ماري ستيوارت» في شأن «تجميع النشاطات» على أربعة أمور هي:

-1 إن أنسب الأشكال للتجمعات بالنسبة لوضعية معينة هي تلك التي تحدد بالموازنة ما بين المزايا ونواحي القصور. إن من جوانب التعارض في ذلك الخصوص التضارب الذي يكون بين محاولة التقليل من مشكلات التنسيق من جهة، والحاجة للانتفاع من التخصص، من جهة أخرى. وعموماً كلما كانت المنظمة أكبر كلما زادت أهمية محاولة توفير التنسيق.

-2 ينبغي اعتبار ما تحققه الأشكال المختلفة من التجمعات من الاقتصاد النسبي... وإن من اللازم إلى أقصى حد ممكن تجنب الغموض بشأن المهمة المطلوبة وبشأن من يلزم أن يقوم بأدائها. إلا أن من اللازم أيضاً تجنب المبالغة في دقة التحديد.

-3 من الضروري تجنب أشكال التجمعات التي هي أكثر احتمالية من غيرها لأنها تخلق صراعاً بين الأفراد والجماعات. وإن الحال قد تستلزم تجزئة التنظيمات (divisionalisation) في محاولة خلق وحدات تكون أكثر قابلية لأن تدار وبوسع كل قسم أن يجمع نشاطاته في عدد من الطرق المختلفة.

-4 إن مدى الرقابة (أو نطاق الإشراف) - أي عدد المرؤوسين المباشرين الذين يرفعون تقاريرهم إلى المدير الذي يعملون ضمن دائرته - هو نوع من أنواع القرارات اللازم عملها في مجال تجميع النشاطات. وهناك حدود لعدد الأفراد الذين بوسع مدير واحد أن يشرف عليهم بصورة مجدية. إلا أن ماهية هذه الحدود تعتمد على عدة عوامل - منها طبيعة العمل والمدى الذي تترابط فيه أعمال المرؤوسين ومدى التدريب والخبرة التي لديهم. إن سياسة الإدارة لها تأثيرها على مدى الرقابة. فلقد ترغب الإدارة في الرقابة الشديدة، ولقد تفضل أن تشجع المبادأة. والأولى يناسبها النطاق الصغير والثانية يلائمها النطاق الكبير.

ونبهت في شأن التنسيق إلى ستة أمور هي:

-1 إن التنسيق ضروري لتأكيد ترابط النشاطات ذات العلاقة (related activities) في الجماعات أول الإدارات، ومشاركتها في تحقيق الهدف المشترك.

-2 حيثما تكون هنالك حاجة للتنسيق، يحتمل أن تكون هناك مشكلة في الحصول عليه.

-3 تنشأ المشكلات عن:

أ) تضارب المصالح بين الأفراد والجماعات والإدارات في داخل المنظمة، وكذلك بين المنظمة ككل وبين فروعها أو أقسامها.

ب) اختلاف وجهات النظر لدى أولئك الذين يشغلون وظائف غير متشابهة.

ج) الصعوبات الناجمة عن التحديد السيئ لمضمون العمل أو التجميع القاصر للنشاطات أو القصور في نواحي الاتصال.

-4 إن مشكلات التنسيق يمكن تقليلها عن طريق التنظيم الجيد، إلا أن أنسب الطرق تختلف باختلاف الظروف. فالمنظمة التي هي في وسط مستقر بوسعها أن تكون لها وسائل أكثر رسمية للتنسيق من منظمة عليها أن تواجه تغيراً سريعاً.

-5 إن الوسائل الرئيسية للتنسيق هي «تسلسل السلطات» (chain of command) (أي علاقات المرؤوسين برؤسائهم الناشئة عن تفويض السلطة والمسؤولية وإعادة تفويضها إلى أشخاص في مستويات متدنية تباعاً داخل المؤسسة أو المنظمة). وعلى كل مدير أن يحاول أن يجعل على وفق واحد (synchronise) عمل أي أفراد من مرؤوسيه يجد أن أعمالهم تترابط.

-6 إن الطريقة التي يتم فيها تجميع النشاطات لها تأثير مهم على مقدار التنسيق وعلى مدى السهولة أو الصعوبة التي يتم بها تحقيقه.

وأما بخصوص القرارات التي يلزم أن يلم بها المدير في شأن إنشاء تنظيم جديد أو تعديل تنظيم قائم، فإننا نجدها قد أكدت أهمية ستة قرارات هي:

-1 تقسيم العمل بين المدير وبين الآخرين على أساس ما تتطلبه أغراض العمل.

-2 تقسيم المهام إلى مهام تنفيذية يقوم بها التنفيذيون (وهذه لها مسؤولية مباشرة)، ومهام استشارية يقوم بها الأخصائيون (وهذه تقوم أساساً لتقديم الخدمات والنصيحة والمشورة).

-3 تحديد عدد مستويات السلطة اللازمة وما إذا كانت الإدارة تريد تحديدها في أقل عدد ممكن.

-4 اختيار بنية الخريطة التنظيمية المناسبة.

-5 تقرير مدى اللامركزية اللازمة.. وهذا يختلف باختلاف مراحل تطور المؤسسة كما يعتمد جزئياً على مدى الرغبة في وجود سياسات مشتركة عامة وعلى جهد الإدارتين الدنيا والوسطى ونوعية القرارات التي تتخذ في المستويات المختلفة.

-6 تقرير ما إذا كان يفضل وضع أوصاف وظيفية محددة لكل وظيفة.

كما نجدها قد لفتت النظر إلى ثلاث حقائق هامة تتعلق بمسألة التنظيم. وهي حقائق يبدو لي أنها رغم أهميتها لا تلقى من المديرين في الواقع العملي الأهمية التي تستحقها. ولعل بعضهم لا يدرك حقيقة أهميتها وأبعاد تأثيرها على واقع الإدارة والتنظيم؛ وهذه الحقائق هي:

-1 إنه ما من شكل مثالي للتنظيم، إذ لا توجد هناك مجموعة مبادئ قابلة للتطبيق في كل الحالات لكي يجري تطبيقها بكاملها. وإنما يجب أن يصمم التنظيم بما يتماشى مع حاجاته. وإنه عند تخطيط الإدارة للتنظيم، سواء كان ذلك للمنظمة ككل أو لإدارة من إداراتها، فإنها تحتاج إلى تحليل كل من أغراض المنظمة والاحتياجات التي تمليها الوضعية. وعليها كذلك أن تفحص بين فترة وأخرى ما إذا كانت المنظمة مستمرة في مواجهة متطلبات تلبية احتياجاتها القائمة.

-2 إن بنية التنظيم الرسمي يمكن أن يغيرها الناس الذين يجعلونها تعمل. ولذا فإنه حتى التنظيمات المتماثلة تطور خصائصها المميزة. والتنظيم غير الرسمي الذي ينبثق عن الوضع القائم قد يكون عوناً كبيراً للمنظمة يسهل عليها تحقيق أغراضها. (وذلك عندما يأخذ في الاعتبار العاملين من حيث هم أشخاص ويتكيف مع التغير وينشط التنسيق.

وعندما تكون المجموعات الاجتماعية التي تميل لأن تتطور عاملاً فعالاً في بعث معنويات طيبة فيهم)، وقد يكون عائقاً يعقد عليها تحقيق مراميها (كأن تسعى مجموعة العاملين عبر التنظيم غير الرسمي للحد من الإنتاجية أو تعمل على تعطيل سير العمل).

-3 إن العلاقات بين التنظيم والناس العاملين فيه هي عكسية، بمعنى أن الناس يغيرون من عمل التنظيم الرسمي كما أن سلوكهم هو أيضاً يتأثر بالتنظيم. ولقد تضع المتطلبات عليهم شدة لا يطيقونها فيفتشون عن طرق يواجهون بها تلك الضغوط، وطريقة عمل المنظمة يمكن أن تحدد نوع العلاقات التي تقوم بين العاملين فيها، وهذا قد يؤثر في إنتاجيتهم ومعنوياتهم، ولذلك فإن الإدارة تحتاج إلى أن تكون مدركة للطرق التي تؤثر بها أساليب عمل المنظمة في اتجاهات الناس وأفعالهم.

إن ما نوهت به «روز ماري ستيوارت» في شأن العلاقات ما بين التنظيم، والناس الذين يسيرونه، ينبهنا إلى الخطأ الكبير الذي يقع فيه دارسو الإدارة وكثيرون من ممارسيها من مختلف المستويات، وهو تصورهم أن مجرد رسم خريطة تنظيمية للجهاز الإداري لمنظمة ما وبيان حدود سلطات ومسؤوليات كل وظيفة أو مركز في التنظيم كاف لتحقيق التنظيم المطلوب وضمان سير العمل في المنظمة على النحو اللازم. بينما يقتضي الأمر النظر إلى واقع التنظيم بنظرة أعمق.

إنه لدى تناول أي تنظيم، يلزم النظر إلى أمرين أولهما «آلية التنظيم»، والثاني «دينامية التنظيم»؛ ومرد خطأ أولئك الدراسين والمديرين أنهم لا يدركون حقيقة كون الأمر طورين متتاليين للتنظيم، وإنه لا بد أن يمر أي تنظيم فيهما بدءاً بالأول ومنه إلى الثاني. ولقد تناول «ديل» هذا الموضوع بشيء من التفصيل في كتابه «الإدارة نظرية وتطبيقاً»، مبينا كيف أنه في الطور الميكانيكي للتنظيم توضع بنية المنظمة دونما إشارة إلى الأفراد داخل التنظيم، وإنما يقتصر الأمر على اعتبار العمل نفسه... وكيف أنه خلال ما يسمى بعملية الانصهار (fusion) ينحو الناس الذين يشغلون المراكز أو الوظائف على الخريطة التنظيمية نحو «تعديل» طبيعة وظائفهم. وهذه التغييرات التي تحدث في البنية دون عمل رسمي تشكل في مجملها دينامية التنظيم. كما نبه إلى ذات ما نوهت به «روز ماري ستيوارت» في شأن العلاقات ما بين التنظيم والناس موضحاً بأنه عبر الدينامية يتخلى بعض الناس عن جزء من سلطتهم التي تكون لهم بحكم مراكزهم، أو تنتزع منهم عنوة، وبعضهم يحصلون على مزيد من المنزلة والتأثير... وتعمل دينامية التنظيم على خلق «التنظيم غير الرسمي» الذي قد يكون مفيداً أو غير مفيد للمؤسسة. ثم أشار إلى أنه حيث يميل التنظيم غير الرسمي إلى العمل على تأخير وصول المؤسسة إلى أهدافها فإن ذلك كثيراً ما يكون أعراضاً لأخطاء في البناء الرسمي للتنظيم... وأن المسعى الصحيح لعلاجه في تلك الحالات يكون من منطلق إجراء التعديلات اللازمة في البناء الرسمي نفسه. ورأيي أن هذا أمراً جدير بأن يعي المديرون حقيقة مضمونه، ومثل هذا الوعي يمكن أن يكون أحد منطلقات تحقيق الإصلاح الإداري.

سبق القول أن المدير لا يكون «مديراً» إلا بالناس الذين يعملون معه ويتعاونون معه. والمدير مهما كانت قدراته وإمكاناته فإنه لا يستطيع بمفرده - ولا ينبغي له - أن يقوم بالعمل وحده. ومن هنا اقتضى الأمر أن يكون هناك تقسيم للعمل كوجه من أوجه التنظيم اللازم، وأن يكون هناك تفويض لضمان الحصول على النتائج المطلوبة، وأن يكون هناك تنسيق لتأكيد ترابط النشاطات ذات العلاقة في مختلف المجموعات والإدارات.

كذلك نوهت قبلاً بما أورده «ديل» من أي قرار من قرارات الإدارة إنما يعمل في سياق قيام الإدارة بنشاطاتها من تخطيط وتنظيم وتوظيف وتوجيه إلخ... ومن أن صناعة القرار لا يمكن أن ينظر إليها كمهمة مستقلة. فما هي إذن عناصر صناعة القرار؟... وما هي سمات القرارات الفعالة؟... وما هو سبيل الإدارة إلى تحسين مستوى صناعة القرار فيها؟... وما هو سبيل المدير للنجاح في جعل القرارات تنفذ من قبل الآخرين؟.

العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً