العدد 5134 - الإثنين 26 سبتمبر 2016م الموافق 24 ذي الحجة 1437هـ

«التحليل المنطقي» يتهاوى أمام الألعاب الإلكترونية

يبني إمبراطوريته على مقعد الدراسة .. أ.مرهون:

يتضايق الوالدان من مشهد صار يومياً بل لحظياً، فلا تمر ساعة على أولادهما دون الإنشغال والتواصل مع الأجهزة الذكية أو التفاعل مع شاشات التلفاز في ألعاب الفيديو المختلفة. الضيق يتحول في كثير من الأحيان لحنق من قطيعة الجيل الحالي مع العالم الواقعي والانغماس حتى النخاع في العوالم الافتراضية المتعددة.

التسابق الكبير بين الشركات التقنية حقق قفزات متوالية ومتصاعدة في تطوير أجهزة الحاسب الآلي وجعلتها سهلة الاستخدام متعددة الأغراض واسعة الأفق حتى يخال الفرد أنه لا يستطيع الاستغناء عنها حتى فرض تلازماً قوياً يصعب الفكاك منه إلا عند النوم أو نفاد طاقة هذه الأجهزة.

الحنق والغضب قد يستبد ببعض الآباء لدرجة غير متوقعة، فحدثني أحد الآباء أنه دخل منزله ووجد ابنه وهو في العاشرة في حالة انقطاع عن العالم من حوله وتواصل مع هاتفه الذكي. وقال: «هنا غضبت جداً فقد طالت هذه الحالة كثيراً. وأمرته بركوبه دراجته الهوائية والخروج في جولة». وواصل :«وقال لي إلى أين أذهب؟. فأجبته لأي مكان المهم أن تخرج من المنزل وتقلل من عبثك بالهاتف».

يبني امبراطوريته

الصورة أعلاه ليست حالة فردية فيمكن ملاحظاتها بسهولة في كل مكان ولأشخاص من مختلف الأعمار. والجانب الآخر من الصورة أن التواصل مع هذه الأجهزة يبقى مفتوحاً حتى مع البعد عنها، وينقل التربوي الأستاذ حسن علي مرهون رصده أحد الطلاب وهو في حالة سرحان أثناء الدرس، فسأله في ماذا تفكر؟ فأجاب الطالب أنه يفكر في «الإمبراطورية» التي بناها في أحد الفضاءات الإلكترونية.

وتعد لعبة عصر الأباطرة من الألعاب التفاعلية والتي تحتاج إلى تفكير وتخطيط جيدين يشيد فيها اللاعب إمبراطوريته ويبني قلاعها ويجند الجنود لحمايتها ويوفر مؤونتها، ويخطط للهجوم على الإمبراطوريات المجاورة في سلسلة من التحالفات مع أباطرة آخرون في الفضاء الإلكتروني الواسع. وهناك العديد من الإصدارات لهذه اللعبة تحت مسميات متعددة.

اللعبة تفرض على اللاعب متابعتها بشكل جيد حتى لا تنهار إمبراطوريته التي يجب عليها توسيع رقعتها، فحين يهمل الولوج لعرشه الإلكتروني لساعات طويلة فهذا يعني أن تكون الامبراطورية نهباً لأباطرة آخرون طامعين في توسيع ممالكهم. وعلى ذات السياق لعبة المزرعة السعيدة التي يمتلك فيها اللاعب مزرعة تبدأ صغيرة وبجده واجتهاده يحولها لمزرعة مترامية الأطراف في عالم افتراضي لا حدود له، وتظل الرعاية المستمرة شرطاً لها وإلا فسدت الثمار ومات الزرع.

تدمير العصبونات

ويعود أ. مرهون وهو مدرب مجاز في البرمجة اللغوية العصبية ليعلق حول السرحان الذي حلق بطالبه قائلاً: «أن سلوك الطالب الذي يلعب مثل هذه الألعاب - التي تعتمد على المطاردة، والعنف، والشراسة، والدماء- يدل على أن عقله بدأ في الألفة مع تشتت الذهن لأن هذه الألعاب وشبيهاتها تجعل الفرد يتشعب في تركيزه، فهو يفكر في حماية نفسه، والتخطيط للهجوم وغيرها من الأشياء التي يفكر فيها في آن واحد. كما أن صورها وألوانها وخلفياتها الصوتية وسرعة الحركة تساهم كلها في التشتت الذهني».

وأوضح: «كلما تقدم يعمل على إتلاف العصبونات (الخلايا العصبية) وظيفياً فتفقد قدرتها على التحليل المنطقي، والذي تستخلصه من تسلسل المعلومات بشكل سلسل. ولكن مع الإنغماس والإدمان على هذه الألعاب ستتدمر وحدة التحليل المنطقي في الدماغ، وسيصبح التركيز صعباً وقد يتسبب بصداع».

وأكمل: «تعويد العقل على التشتت سينعكس على الوضع الدراسي حيث سيمنح الطالب انتباه لحركة المدرس، وحركة أقرانه الطلبة، والمشاهد خارج الصف، ليزاحم بذلك الهدف الرئيسي من وجوده في الفصل وهو التعلم وتلقي الدروس». وأضاف: «المدمنيين الالكترونيين» - إن جاز لنا استخدام هذا التوصيف – يلقون الكثير من الصعوبة في التجاوب مع المواد العلمية التي تعتمد على المنطق والتحليل كمادة الرياضيات أو مواد العلوم، كما أن مهارة الحفظ تضعف لديهم ويصبح تعلم قواعد اللغة صعباً أيضاً».

وأكد أ. حسن مرهون أن طلابنا يمتلكون مهارات تركيز عالية بدليل أن عشاق كرة القدم منهم يستطيعون وصف المباراة بشكل دقيق بعد انتهاءها.

ما جناه علي أبي

وسألت «الوسط الطبي» عن أسباب التدمير الذي يلحق بوحدات التحليل المنطقي لهؤلاء الأولاد، فأجاب: «للأسف أولياء الأمور لهم دور كبير في ذلك – قطعاً ليس كلهم، ولكن عدد لا يستهان به منهم – فكثيراً ما يشجع الناس أطفالهم للاجتهاد في الدراسة ويعدونهم بجهاز إلكتروني كهدية للنجاح والتي تكون هدية نهاية العام الدراسي وفاءً بالعهد». وأكمل: «يعيش الوالدان غفوة طويلة ينتبهون منها بعد مرور عام على تسليمهم الهدية بتأخر التحصيل الدراسي للولد وسلوكه العصبي، وهدره للكثير من الوقت على هذه الألعاب، كما أنها تدمر الأخلاق من جانب آخر عبر صور النساء فيها التي عادة ما تكون بملابس فاضحة وصحيح أن ظهور هذه الخلفيات تكون لثوانٍ معدودة ولكنها تنفذ للعقل الباطن».

وعادت «الوسط الطبي» لتتساءل عن العلاج، فقال أ حسن مرهون: «العلاج يكون بإعادة تأهيل العقل مرة أخرى، وهذا لا يتم إلا بايقاف عملية الهدم. ويجب أن يدرك الجميع أن عملية البناء أو إعادة التأهيل تحتاج وقتاً أطول من عملية الهدم». وأضاف: «يتم العلاج بتعاون بين الأسرة والمعالج والطفل ذاته. ويتم عبر مرحلتين: الأولى نبعد الطفل عن هذه الألعاب وتحتاج هذه الخطوة لإرادة وصبر لأن الطفل سيصبح عصبياً وقد يضعف الكثير من أولياء الأمور أمام صراخ وإلحاح الطفل. والثانية: بإعادة بناء طريقة تفكير الطفل بسلسلة هائلة من الحلول أبرزها ألعاب الذكاء الحسية القائمة على الفك والتركيب وغيرها».

الإدمان الالكتروني

ولفت إلى عدم وجود مراكز متخصصة لعلاج الإدمان الالكتروني على مستوى الوطن العربي، واصفاً الحراك الموجود بأنها محاولات فردية هنا أو هناك.

وقال أن إعادة تأهيل الطفل لا بد أن تأتي من رغبة صادقة من أولياء الأمور واللجوء للأطباء النفسيين القادرين على علاج هذه المشكلة. ولفت إلى أن الأطباء النفسيين قادرين على خدمة المجتمع مبدياً أسفه من نظرة المجتمع لهم باعتبارهم معالجين لمن أصابه مس من الجنون.

وأضاف: «قد يسهم المتخصصين في البرمجة العصبية في ذلك أيضاً».

وختم بحادثة مرت عليه شخصياً فقال: «أَخبرت أم أن ولدها كان سليماً معافاً، ولكن بعد ادمانه الالكترونيات التي تستهلك من وقته 4 – 5 ساعات يومياً أصبح يرتدي نظارات طبية سميكة جداً. هذه حالة من الحالات التي شهدتها». وذكّر بقول الاخصائي في علم النفس د مصطفى أسعد أن جميع الألعاب الإلكترونية مدمرة للعقل».

العدد 5134 - الإثنين 26 سبتمبر 2016م الموافق 24 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً