العدد 5149 - الثلثاء 11 أكتوبر 2016م الموافق 10 محرم 1438هـ

قواعد اللعبة الانتخابية المغربية

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

خلصت الدراسات إلى أن «الديمقراطية فعل يجسر الحياة السياسية والمؤسسية برمتها، وإن منظومة الانتخابات ما هي إلا ترجمة لمفهوم المواطنة وتعبير رمزي عن سيادة الشعب، كما إنها تضع قوى الحراك السياسي أمام حقيقة وضعها التمثيلي». بيد أن واقع الممارسة الديمقراطية في البلدان العربية، أفرز وضعاً مبتوراً وحالة استعصاء سببها العطب الملازم لأنظمة الحكم، بما أسّسته من قوانين وأنظمة انتخابية أفقدت الممارسة السياسية محتواها وجوهرها الحقيقي.

عند النظر للإنتخابات التشريعية المغربية في هذا الإطار، سنجد إنها ليست بعيدة في دلالاتها ومؤشراتها، وبما أفرزته من نتائج، عن الحالة المأزومة التي أشرنا إليها بهذا القدر أو ذاك، فمنذ ستينات القرن الماضي حيث أول انتخابات تشريعية عام 1963 في المغرب وما صاحبها من تشكيل للأحزاب، ظلت الانتخابات مدخلاً لحالة من التوتر والاضطراب أو من الانفراج السياسي، كما يوضح المغربي يونس برادة، من أن «الممارسة الديمقراطية وتبعاً لمراحل التطور والتحولات في المشهد السياسي، هي اختصار لمستوى التجاذبات بين السلطة وقوى الطبقة السياسية»، وهذا ما يستدعي النبش في طبيعة الواقع السياسي. كيف؟

الحدث الانتخابي

تعتبر الانتخابات البرلمانية الأخيرة عاشر انتخابات عرفها المغرب منذ الاستقلال، وهي الثانية بعد الربيع العربي، وبعد إقرار دستور 2011، الذي عده المراقبون دستوراً متقدماً ومنفتحاً. وبعد أن كانت السلطات التنفيذية متركزة في يد الملك، وافق الأخير بموجب التعديل الدستوري على تحويل الحكم إلى «ملكي دستوري» يتخلى فيه عن بعض سلطاته كجزء من الاصلاحات الدستورية، بيد أن الساسة يجدون إنه لا يزال المتحكم في العملية السياسية، حيث يختار رئيس الوزراء من الحزب الفائز، ويرأس الجهاز الأمني والمجلس القضائي ويمسك بزمام الوزارات السيادية.

تحققت نتائج الاستحقاق الانتخابي بمشاركة 16 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم مباشرة لانتخاب 395 نائباً، وبنسبة مشاركة 43 %، مقارنة

بـ45 % العام 2011، و37 % في 2007، وبلغت الدوائر الانتخابية 92 دائرة، تنافس فيها 30 حزباً بالاقتراع اللائحي (القوائم) في جو من الالتباس والاستقطاب السياسي الحاد، الفاقد للتنافسية بشأن البرامج الانتخابية، لاسيما بين «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي وحزب «الأصالة والمعاصرة» العلماني، إذ حصل الأول على أعلى المقاعد (125 مقعداً)، وهو الذي ترأس الحكومة لخمس سنوات رافعاً شعار «محاربة الفساد والاستبداد»، فيما حقق «الأصالة والمعاصرة» الذي حشد حملته «ضد أسلمة المجتمع» على 102 مقعداً، وقدّم نفسه مدافعاً عن «المشروع الديمقراطي الحداثي»، وثمة من اعتبره حزباً معارضاً ويمثل «حزب السلطة».

في السياق وجّهت انتقادات حادة للعدالة والتنمية، لجهة ارتباطه بجماعة «الأخوان المسلمين»، واعتبره المناوئون عامل تهديد للداخل عبر الاستقواء بالخارج؛ على رغم نفي الحزب هذه الارتباطات جملة وتفصيلاً. كما انتقدوا إخفاقه في تحقيق الإصلاح الاقتصادي والتعليمي وفي قطاع الصحة وعدم استفادته من الظروف، بعد تراجع أسعار النفط واحتجاجات الشارع.

كما خاض الانتخابات حزب الاستقلال «المعارض»، وحقق 46 معقداً، فيما توزّعت بقية المقاعد على الأحزاب الأخرى وإلى ما سُمي بالدائرة الوطنية التي خصص ثلثاها للنساء، وتضم 60 امرأة، وأخرى للشباب الأقل من 40 سنة، (ذكور وإناث) وتضم 30 مقعداً.

النزاهة وثقة الشعب

ولأن النزاهة تمثل شرطاً أساسياً لتحقيق الديمقراطية ونيل ثقة الشعب، فقد راقب الانتخابات 37 هيئة وطنية ودولية، بعدد 4000 مراقب، بينهم 92 مراقباً دولياً، وعلى رغم مرور عملية الاقتراع بظروف أمنية عادية، إلا إنها تميزت بالشحن بين الأحزاب المتنافسة، ورصد فيها ميلٌ للتشكيك في صدقيتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولجهة الإشارة إلى خروقات من بعض رؤساء مكاتب التصويت التابعين لوزارة الداخلية، ومنع بعضهم المواطنين من التصويت بحجة عدم إحضارهم الإشعارات الصادرة من وزارة الداخلية على رغم اكتفاء القانون بإدلاء الناخب بالبطاقة الوطنية. كما اتُهم موالو السلطة بالمرابطة أمام مكاتب التصويت، وتوجيه الناخبين للإقتراع لحزب معين، حتى إن بعض المحتجين رفع شعارات مثل «هذا عيب هذا.. النزاهة في خطر»، مطالبين السلطات المحلية بالوقوف على الحياد.

في المشهد ذاته عكس الإعلام المغربي جانباً من التوتر بين المخزن وحزب «العدالة والتنمية» بشأن الإعداد للانتخابات، إضافة لتحديات عزوف أكثر من ثلثي الشعب عن الانتخابات، فيما ارتفعت حدة الخطاب السياسي الناقد للأشخاص مقابل شح الحوارات المتعلقة بالبرامج الانتخابية، ومع محاولة المؤسسة الملكية النأي بنفسها عن السجال الانتخابي، إلا إنها تعرضت إلى نقد فاقع بعدم حياديتها؛ حيث أشار أمين عام حزب التقدم والاشتراكية، إلى أن «أزمة المشهد السياسي تتمثل في حزب الأصالة والمعاصرة ومؤسسه..»، باعتبار أن الدولة تنحاز لهذا الحزب».

وثمة انتقادات وجهت إلى بعض الأحزاب التي عرضت على رجال الأعمال والأعيان من الشخصيات النافذة، وشيوخ السلفيين الترشح على قوائمهم لضمان الفوز ببعض المقاعد باعتبار أن لهم تأثيراً قوياً لدفع المواطنين للتصويت، بغض النظر عن طبيعة الحزب أو برنامجه، الأمر الذي اعتبره البعض مضراً للأحزاب وللمشهد السياسي برمته، كونه يعكس أزمة بنيوية تعاني منها الأحزاب في منطقها، فهذه التحالفات تضرب التحولات السياسية في العمق، وتعكس تبادل المصالح وارتباطها بين الأعيان ورجال الأعمال بالدولة، وتضرب الدستور والقوانين التي تؤطر الأحزاب ونشاطها، وتحدّد آليات انتخاب المرشحين، خصوصاً أن بعضهم لا يحترم القانون، ويتهرب من دفع الضرائب، والفوز بعطاءات المشاريع بطرق غير قانونية.

في هذا الصدد، يذكر أستاذ العلوم السياسية المغربي خالد يايموت أن «الدولة هي وراء إقحام الأعيان ورجال الأعمال في الحقل السياسي، بهدف إضعاف شعبية الأحزاب الوطنية، وحصر التسييس، وهذا ما يفسر تمركزهم في أحزاب بعينها، فضلاً عن منع الأحزاب من الاستفادة سياسياً من شخصيات لها وجاهة ونفوذ اجتماعي ومالي اقتصادي..».

فلسفة التمجيد

من هنا فإن معضلة الممارسة الديمقراطية، كما يفكّكها يونس برادة في رؤيته التحليلية بشأن الإشكالية الانتخابية المغربية (انظر «الانتخابات الديمقراطية وواقع الانتخابات في الأقطار العربية»، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2009، ص 289-338)، تعود إلى اعتماد خطاب الملكية على رؤية تمجيدية، ترى نفسها بأنها صنعت المغرب، وإنها من شكّل الفعل الانتخابي، والملك هنا هو «الموجّه المرشد الناصح الأمين الذي يعلو فوق كل انتماء». وهذه الفلسفة برأيه تحدّد تلقائياً وموضوعياً مكانة بقية الفاعلين في العملية الانتخابية، وتبقى القوة الأكثر تنظيماً وفعالية لخلق شروط اللعبة السياسية، وبالتالي فالملكية المخزنية هي التي كانت ولا تزال وراء المبادرة الدستورية، مع وضع الاعتبار للتأثير المطلبي لبعض الأحزاب الفاعلة، وهو ما أهلها - أي الملكية - لإحتكار ضبط قواعد اللعبة السياسية، والتحكم في مسارها العام حسب طبيعة وتطور الأزمنة السياسية التي يمر بها المغرب.

إن الملكية حاضرة في كل مواطن القرار السياسي، بدءاً بالتمثيلية وتأمين المسار الحقوقي والمؤسساتي داخل الدولة، وتدبير قواعد الممارسة السياسية مروراً بالدستور وما يفتحه من باب واسع للتأويل لملاءمة النص الدستوري ومراجعته حسب متغيرات الواقع وموازين القوى..»، مضيفاً «أن الملكية وعت بأن بلورة خطابها عن الديمقراطية يتطلب تعددية حزبية، لكنها تعددية سياسية ضمن «سلطة مغلقة البناء»، بلورت عبرها سياسة حزبية تتماشى وتوجهها الاستراتيجي القائم على وحدة السلطة واحتكارها...إن العملية الانتخابية لطالما كانت محل تشكيك خصوصاً وإن طبيعة السلطة السياسية تجعل المؤسسة الملكية ليست حاكمة فقط وسائدة بل ومقدسة أيضاً؛ فثلاثية الحكم والسيادة والقدسية تحكم على باقي أطراف العملية السياسية بهامشية في شرعية عملها وسياقات تحركها».

خلاصة القول، نحن إزاء إشكالية عميقة في الممارسة الديمقراطية، خصوصاً حين تحوط أي سلطة نفسها بهالة من القداسة، وتتحكم في مفاصل العملية السياسية ومؤسساتها بوضع الخطوط الحمراء، لاسيما مع نظام انتخابي لا يمكن فيه لحزب واحد الفوز بغالبية مطلقة ما يعني إجبار الفائزين على التفاوض لتشكيل حكومة ائتلافية، قد تحد من نفوذهم السياسي. الحل، التوجه فوراً للإصلاح الديمقراطي، ومنه للملكية الدستورية والحد من تدخلات المخزن.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5149 - الثلثاء 11 أكتوبر 2016م الموافق 10 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً