العدد 5284 - الخميس 23 فبراير 2017م الموافق 26 جمادى الأولى 1438هـ

عندما يتيه التعاون ويغيب المشترك

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

وأخيراً، ها هي مؤسسة القمة العربية تجتمع. وهو اجتماع كان من المفروض أن يكون العشرين أو أكثر لمناقشة تداعيات وتعقيدات ومتاهات ومآسي حراكات وثورات السنوات الست الماضية.

أما وأن وتيرة واهتمامات مؤتمرات القمة قد ظلت على حالها، وغلب التفُّرج على الفعل، وظلًت الحرائق تشتعل دون استدعاء واستعمال وسائل إطفائها، فإن ذلك كلُه يستدعي طرح التساؤلات الصادقة الصعبة المؤلمة بشأن انعقاد الاجتماع الأخير.

أول هذه التساؤلات يتعلق بمواضيع جدول الأعمال. أي المواضيع تستحق أن تناقش وأيُّها توجد إمكانية لمناقشته؟ حاولت بكل ما أوتيت من عقل وخيال وروح متفائلة الوصول إلى أجوبة مقنعة، فلم أوفق.

سألت، هل يمكن تحقُق التداول المعقول بشأن قضية القضايا وأطولها عمراً، قضية فلسطين العربية، بين، من جهة، من يسيرون بسرعة البرق نحو التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي مع العدو الصهيوني المحتل، بين من ينسقون ليل نهار مع أجهزة الاستخبارات الصهيونية، بين من يتحدث العالم عن توجههم نحو استراتيجية مشتركة واحدة، بنظرة واحدة متناغمة متعاونة بشأن كل ما يجري في فلسطين والأرض العربية وإقليم الشرق الأوسط والساحات الدولية، وبين، من جهة أخرى، من مازال لديهم ولوقليل من الالتزام تجاه إخوة عرب مشرَدين معذَبين، ومن الممانعة والرفض لاغتصاب فلسطين العربية وتهويدها وإخراج من بقي من أهلها، بل والهيمنة على إرادة ومستقبل كل الأجيال العربية القادمة؟

كان الجواب صادماً، إذ ستكون تلك مداولات الطرشان وثرثرة الكلام الذي لا يجدي ولايفعل في الواقع.

سألت، هل يمكن إجراء مداولات بشأن الأقطار العربية التي تواجه جحيم الحروب والصراعات المسلًحة، أو مآسي الإرهاب التكفيري المجنون الممارس، والاغتصاب والنهب وتدمير الثقافة والحضارة بمباركة ودعم وتسليح من خارج الأرض العربية وداخلها، أو غطرسة الاستبداد الأناني الذي لا يريد دخول العصر ومتطلباته الحقوقية؟ هل يمكن إجراء تلك المداولات بين فرقاء، بعضهم ضالع في تلك الحروب والمآسي بالمال والعتاد، وبعضهم واقف على الحياد بعجز وقلة حيلة، وبعضهم رافض ولكن بممارسة واضحة لمبدأ التقية خوفاً وهلعاً من أن يصيبه رذاذ الأمواج الهائجة في محيطات بلاد العرب؟

كان الجواب مفجعاً، إذ لن تجرى مداولات تخرج أي قطر عربي من محنته، وعلى الأغلب ستكون هناك مجاملات وتمنيات وأقنعة.

سألت، هل يمكن إجراء مناقشات بشأن حرائق الانقسامات والصراعات والتراشقات البذيئة الطائفية فيما بين أتباع السنة السنية وأتباع السنة الشيعية، إذا كان هناك من يسمح لوسائله الإعلامية بإحياء الفتن الكبرى التاريخية، وإذا كان هناك من يعتقد بأن التحالف مع الصهيونية سيرجح كفة ميزانه، وإذا كان المحايدون يجهلون بأن أصول ومناهج التراث السنَي تنسحب على مقابله الشيعي، وبالتالي فإن الموضوع برمته مطبوخ في قدر السياسة؟

ومرة أخرى كان الجواب بأن الخروج من عفن الطائفية لن تحسمه مثل تلك المداولات في مثل تلك الظروف التي نعيشها.

سألت، وإذاً فماذا عن الاقتصاد؟ جاء الجواب بأننا لا نحتاج إلى مداولات جديدة. كل ما نحتاجه هو أن نقرأ مقررات قمة عمان الاقتصادية في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ونطبق نصف ما جاء فيها، بعد أن مر أكثر من ثلث قرن وتلك القرارات مازالت نائمة في الأدراج. سألت، وماذا عن التعليم والصحة والثقافة والإعلام؟ كان الجواب بأن الطموحات التعاضدية والوحدوية في تلك الحقول هي في يد الوزراء المختصين إذا توافًرت الإرادة وقوى الالتزام العروبي وقلً السُهاد.

لم أطرح سؤالاً بشأن العلاقات العربية مع الخارج، إذ لم تعد هناك علاقات للتداول بشأنها، وإذ لم تعد هناك موازين العروبة والتناغم القومي والأخوة الإسلامية، بل وحتى حق الجار والإحسان إليه. فكل العلاقات أصبحت تبعية بهذا الشكل أو ذاك.

كل مؤسسات الدنيا تحتاج إلى تعاون مكوناتها وإلى إعلاء المشترك حتى تنجح وتكون مفيدة.

الأمر نفسه ينطبق على مؤسسة القمة العربية التي من الأفضل لها أن تركز على وضع الضوابط والموازين والمحدَدات لمسألتي التعاون والمشترك، وإلاً فإن اجتماعاتها لن تقود إلى مداولات مجدية بشأن أي من المواضيع التي ذكرنا بعضاً منها.

لعلُ الخطوة الأولى، وياحسرتاه، هي الرجوع إلى المربع الأول، إلى إصلاح الجامعة العربية التي أنهكتها وأضعفتها إحن ومحن وجنون وبلادات السنين الأخيرة من مسيرتها، ولا نبالغ إذا قلنا إنها تقترب من الدمار والموت.

أما أدوار المجتمعات والجماعات العربية المتثائبة المسترخية فإنها حكايات تحتاج إلى مجلدات بعناوين لا تعدُ ولاتحصى.

الواقع يقول بأن الحاضر هو ماتستطيعه القمة، أما ما تستطيعه المجتمعات فهو المستقبل. وإنا لمنتظرون.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 5284 - الخميس 23 فبراير 2017م الموافق 26 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:39 ص

      رحم الله ... ورحم الله قضية العرب الأولى التي جمعتهم لفترة معينة وهي قضية فلسطين والتي يبدو ان... او فلنقل الدول ...تتناسى هذه القضية والامور واضحة لدى الشعوب العربية المغلوبة على امرها والتي ترى الخراب في كيانها وبنيانها لكنها واقفة بلا ادنى ردة فعل

اقرأ ايضاً