العدد 65 - السبت 09 نوفمبر 2002م الموافق 04 رمضان 1423هـ

فشل مسرحية الانتخابات الهندية في حل المسألة الكشميرية

«الوسط» تستطلع آراء القيادات الكشميرية في تعيين رئيس وزراء كشمير والانتخابات

شهدت كشمير انتخابات برلمانية وعلى إثرها تم تعيين مفتي محمد سيد رئيسا للوزراء. القيادات الكشميرية المعارضة عبرت عن رفضها للانتخابات وما نتج عنها من تعيين لرئيس الوزراء واعتبرت كل هذه الإجراءات غير شرعية ولا تعبر عن مطالب الشعب الكشميري.

«الوسط» التقت قيادات ومفكرين كشميريين واستطلعت آراءهم حول الانتخابات وتعيين رئيس للوزراء.

الخبير في الشئون الكشميرية خالد محمود يرى أن الهند تسعى لخداع المجتمع الدولي عبر الانتخابات التي أجرتها وتسعى إلى إقناع المجتمع الدولي بأن الانتخابات هي مطلب الشعب الكشميري الذي يريد العيش تحت كنف الحكومة الهندية.

ووضح هذه الصورة بقوله: «إن نيودلهي تسعى لخداع المجتمع الدولي عبر الانتخابات التي أجرتها، وهي غير شرعية، وأجرتها تحت تهديد البنادق، وذلك لتتجنب مطالب الشعب الكشميري وحقوقه التي أقرتها الأمم المتحدة والتي تنص على إعطاء الشعب الكشميري حقه في تقرير المصير إذ نصت قرارات الأمم المتحدة وقت تقسيم شبه القارة الهندية على إعطاء الشعب الكشميري حقه في تقرير المصير: إما بالانضمام إلى باكستان أو الهند. ولعلم نيودلهي المسبق برغبة الشعب الكشميري بالانضمام إلى باكستان؛ ترفض إعطاء هذا الحق، وبذلك تتحمل نيودلهي مسئولية حالة التوتر في جنوب آسيا».

ويضيف: «لقد أعطت الانتخابات حقيقة واحدة وهي استفتاء غير مباشر على رفض الشعب للانتخابات إذ رفضت الغالبية العظمى المشاركة في مراحل الانتخابات الأربع».

وعن دور العامل النووي في الصراع على كشمير قال: «إن السباق النووي المحموم بين الهند وباكستان، والذي تواصل طيلة السنين السالفة يعود إلى التوتر والصراع على إقليم كشمير بين الهند وباكستان. فقد قامت الدولتان بإجراء تجاربهما النووية العام 1998، مما لفت أنظار المجتمع الدولي إلى هذه المنطقة المتوترة، وهو ما أدى بالتالي إلى تزايد المطالبات الدولية بحل قضية كشمير وإنهاء النزاع الدائر حولها قبل أن يخرج عن السيطرة بعد امتلاك البلدين لأسلحة الدمار الشامل.

وكادت الأمور تنفلت بالفعل بين الجارتين اللدودتين صيف العام 1999 إذ تمكنت فصائل المقاومة الكشميرية المسلحة من الاستيلاء على مناطق استراتيجية مهمة في مرتفعات كارجيل الواقعة ضمن مناطق كشمير الخاضعة للهند، فقد اتهمت الهندُ باكستان بالوقوف وراء هذه العمليات التي كبّدت الهند خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وقتل من القوات الهندية نحو ألفي شخص خلال شهرين فقط من المواجهات الصعبة هددت فيها الهند باجتياح مناطق باكستانية وإعلان حرب شاملة لا يُضمن فيها عدم استخدام السلاح النووي.

في ضوء هذه التطورات المتتابعة في خط بياني متصاعد، جاء قرار الحكومة الكشميرية الموالية للهند بالمطالبة بالانتخابات للإقليم الملتهب وقد لقي طلب الانتخابات التي جرت رفضا من معظم الأطراف المعنية باستثناء الحكومة الكشميرية وبرلمانها الموالي للهند، الذين يرون في هذا الخيار الحل الوحيد لتطويق الانتفاضة المتصاعدة في كشمير وقطع الطريق على المقاومة المسلحة وإسكات الأصوات المطالبة بحقوق الشعب الكشميري.

فعلى صعيد الشعب الكشميري بفصائله وأطيافه المختلفة، فإنه لا يرى أن الانتخابات تلبي طموحه ومطالبه، فهو لم يخض الكفاح المسلح ويقدم عشرات الآلاف من الضحايا من اجل المشاركة في الانتخابات وتعيين حكومة موالية لنيودلهي، وإنما يطالب بحقه في تقرير مصيره، ذلك الحق الذي كفلته له قرارات الأمم المتحدة قبل أكثر من نصف قرن حين نصت على إجراء استفتاء شعبي عام يحدد رغبة الكشميريين في البقاء تحت سيادة الهند أو الانضمام إلى باكستان.

لذا فإن الكشميريين - ومنذ اللحظة الأولى - أعلنوا رفضهم الكامل للانتخابات وأكدوا أنها لن تغير من واقع الأمر شيئا ولن تثنيهم عن المطالبة بحقهم في تقرير مصيرهم.

وبالمثل كان موقف باكستان التي ترى أن من حق كشمير أن تكون ضمن الجمهورية الباكستانية وفق قرار تقسيم شبه القارة الهندية. وتدرك باكستان أن القبول بالانتخابات والحكومة الجديدة سيمنح انضمام كشمير للهند شرعية دولية على حساب قرارات الأمم المتحدة التي تستند إليها في مطالبتها بضم الولاية.

التطرف الهندي أشعل الموقف

كما أن القضية الكشميرية دخلت في دائرة الضوء والاهتمام الدولي عقب وصول حزب هندوسي متطرف إلى سدة الحكم في الهند هو حزب «بهارتيا جاناتا» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي أتال بيهاري فاجبائي، المعروف بمعتقداته القومية المتطرفة وطموحه في التوسع، ومن هذه المعتقدات التي قد توقد نار الحرب في المنطقة مطالبة الحزب باستعادة الثلث الكشميري الخاضع لسيطرة باكستان، بل وأكثر من ذلك المطالبة باستعادة باكستان وبنجلاديش مجددا إلى المظلة الهندية ورفض الإقرار أو القبول بانفصالهما.

وفي المقابل: يرفض الجيش الباكستاني - وهو المؤسسة الأكثر ولاء لقضية كشمير - المساومة عليها، وهو ما عزز المخاوف الدولية من تصاعد الصراع في المنطقة ووصوله إلى نقطة الانفجار.

لذا اقتضى الأمر اهتماما دوليا كبيرا بقضية كشمير، غير أن هذا الاهتمام غير فاعل في حقيقة الأمر وبقي في دائرة المناشدات الدولية والدعوات إلى ضبط النفس وتحكيم العقل وحل الخلاف بالطرق السلمية، ولم يتجاوز ذلك أبدا بحجة أن الهند ترفض أي وساطة دولية في النزاع وترفض التدخل في الشأن الكشميري، كما لا تقبل تدويل المشكلة أو مناقشتها ضمن دوائر المنظمات الدولية على رغم من أن القضية دخلت دائرة التدويل قبل أكثر من نصف قرن بطلب من الهند نفسها، فعقب «الضم الإجباري» الذي مارسته الهند لولاية كشمير قامت ثورات داخل الولاية لمقاومة ما اعتُبر احتلالا للبلاد، وإثر هذه الثورة المسلحة لجأت الهند إلى الأمم المتحدة إذ أصدرت الجمعية العامة قرارا بوقف إطلاق النار في الولاية في الخامس من يناير 1949 وإجراء استفتاء عام لتقرير مصيرها.

منذ ذلك الوقت دخلت قضية كشمير دائرة التدويل واعتبرت قضية دولية منظورة في منظمة الأمم المتحدة وصدرت قرارات دولية بحقها تعهدت الهند بتطبيقها غير أنها تنصلت من ذلك مع مرور الوقت، وهي تعمل جاهدة على أن تنأى بالقضية عن أي تدخل دولي لن يكون في صالحها، في حين تواصلت الدعوات الباكستانية لتدخّل دولي يكسر حدة التعنت الهندي.

وفي ظل الظروف الراهنة؛ فمن المتوقع أن يبقى خيار المقاومة المسلحة هو الخيار الأجدى للكشميريين في مساعيهم لاستنزاف قوة الهند وكسر غطرستها من جهة، ولجلب المزيد من الاهتمام الدولي وإحراج موقف الهند أمام العالم من جهة أخرى.

فقد بدأت الهند تئن تحت وطأة ضربات المقاومة وترسل دعوات كثيرة تدعو قادة المقاومة إلى إجراء مباحثات ثنائية - تستبعد باكستان بالطبع - بعد وقف إطلاق النار، فضلا عن النجاحات الكبيرة التي حققتها المقاومة المسلحة على صعيد إحياء القضية التي كادت تموت عالميا في العقود الماضية.

أما باكستان فسيظل خيارها الأول هو تقديم جميع أشكال الدعم والمساندة للكشميريين ومحاولة لفت أنظار العالم إلى قضيتهم وحملها إلى المحافل الدولية.

إن الصراع الهندي الباكستاني سيستمر ما دامت القضية الكشميرية ملتهبة ولم تحل حلا عادلا وفق الشرعية الدولية وللأسف يغفل العالم أو يتغافل عن المنطقة التي تملك ترسانة أسلحة نووية تكفي لفناء جنوب آسيا بأكمله، وإذا لم يتدخل المجتمع الدولي لحل القضية الكشميرية فإن التوتر ونشوب الحرب سيبقى احتمالا واردا.

الانتخابات تثبيت

«الاحتلال» الهندي

أما المفكر الكشميري غلام نيوشيري فقد رفض الانتخابات وقال: «سعى الشعب الكشميري للإنعتاق من قبضة الجيش الهندي، وفك أي ارتباط مع الحكومة الهندية بأي صورة كانت، فمطلب الشعب واضح منذ بداية الاحتلال وضمنته لهم قرارات دولية صدرت قبل اكثر من نصف قرن من الزمان، فالاستفتاء وتقرير المصير هو ما يريده الشعب، أما الانتخابات فقد رفضها الشعب وقاطعها».

وعزا عضو المجلس التشريعي السابق في كشمير الحرة عبدالرشيد ترابي مشروع الانتخابات التي قامت بها نيودلهي وتعيين رئيس للوزراء لسببين لخصهما بقوله: «إن حركة المقاومة الكشميرية استطاعت تحقيق إنجازات كبيرة على الصعيدين السياسي والعسكري، وأخفقت الحكومة الهندية في الحدّ من أنشطتها أو القضاء عليها مما أدى إلى التفاف الشعب الكشميري حولها، فلذلك سعت نيودلهي للانتخابات للوقيعة بين الشعب والمقاومة الكشميرية. والثاني: بروز التحالف بقيادة الشيخ الجيلاني كممثل شرعي للشعب الكشميري والذي رفض الانتخابات، ووجود ضغوط خارجية على الحكومة الهندية للتوصل إلى حل توفيقي للقضية. وجاءت فكرة الانتخابات كخدمة جديدة من الحكومة العميلة لتستكمل مسلسل التآمر الهندي على القضية الكشميرية، وإن موضوع الانتخابات من شأنه تثبيت الاحتلال الهندي لكشمير وإعطاء نوع من الشرعية له وهو ما يرفضه الشعب».

وأضاف: «إن تعيين رئيس للوزراء يخالف روح القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والتي تؤكد على حق الشعب الكشميري في تقرير مصيره من خلال استفتاء عام حر ونزيه. وقال إن ما حصل يؤكد على أنه يتعين على الحكومة الهندية العمل على إيجاد حل عادل ونهائي للقضية يعتمد على المبادئ السلمية المعترف بها عالميا».

ومن جانبه يؤكد رئيس حزب المجاهدين والقائد الأعلى للمجلس الجهادي الكشميري الموحّد سيد صلاح الدين أن الانتخابات التي جرت وتعيين رئيس للوزراء لن تؤثر على مواصلة الجهاد في إقليم جامو وكشمير، وقال: «إن الحركات التحريرية ستواصل جهادها ونضالها حتى تتحرر الأراضي الكشميرية من براثن الاستعمار الهندي وإنهاء حالة الاحتلال... لقد لجأت الحكومة الهندية إلى خيارات كثيرة للتخلص من الحرج الذي سببته لها حركة المقاومة، إلا إنها فشلت في القضاء عليها أو تطويعها واستمالتها، والانتخابات لا تلبي رغبات الشعب وأطيافه المجاهدة، ولم يقدم أبناء الشعب التضحيات الباهظة من أجل المشاركة في الانتخابات والتي هدفها إضفاء الشرعية على الاحتلال الهندي، فالجهاد ماضٍ مادامت الآلة العسكرية الهندية قابعة في تلال كشمير وجبالها».

ويرى المدير العام للمركز الإعلامي الكشميري أليف الدين الترابي أن أسباب الرفض الكشميري - شعبا وقيادة للانتخابات وتعيين رئيس للوزراء تنحصر في أن البرلمان الكشميري لا يمثل الشعب لأنه لم يأتِ بصورة شرعية ومنتخبة، وقال: «إن الشعب الكشميري قاطع الانتخابات مقاطعة تامة ولم تُسجل نسبة المشاركة أكثر من 5 في المئة، كما أن الشعب الكشميري يعرف جيدا ما المراد من تعيين رئيس للوزراء موالٍ لحكومة نيودلهي».

لقد سجل المجاهدون بطولاتهم ونفذوا عمليات جريئة وشجاعة ضد قوات الجيش الهندي خلال الأعوام الماضية، وهو ما يبعث في نفوسنا الاعتزاز والافتخار، وهو أيضا ما دفع الحكومة الهندية إلى التفكير بعدة أساليب لقمع الانتفاضة المتصاعدة، بل لقمع جذوة المقاومة بأكملها عبر الخطط التي تحيكها، وأثبتت الأيام فشل مسرحية الانتخابات وفشل خدعة المفاوضات وفشل الأساليب القمعية.

وتأتي الانتخابات الأخيرة في كشمير استجابة لجملة من التداعيات والظروف التي ستبقى تدفع المنطقة إلى خيارات مفتوحة لحين التوصل إلى حل يضمن للمنطقة نوعــا من الاســـتقرار والهدوء. فإقليم جامو وكشمير الخاضع للهند يشهد انتفاضة شعبية وجهادا منذ العام 1990 من قبل المجاهدين الذين يطالبون بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة القاضية بمنح الإقليم حقه في تقرير مصيره وإجراء استفتاء شعبي عام يقرر بموجبه السكان الكشميريون حقهم في البقاء ضمن الدولة الهندية أو الانضمام لجمهورية باكستان الإسلامية... فقرار تقسيم شبه القارة الهندية في العام 1947 كان يقضي بانضمام المناطق ذات الأغلبية السكانية المسلمة إلى الكيان الإسلامي الجديد، غير أن كشمير مُنعت من هذا الحق وشهدت نزاعا إقليميا متواصلا بين الهند وباكستان وتسببت في وقوع حربين شاملتين بينهما، مما أدى أخيرا إلى سيطرة باكستان على ثلث الإقليم وبقاء الثلثين تحت سلطة الهند.

وقد سعت الهند إلى قمع المقاومة المسلحة في كشمير وإخماد وهج الانتفاضة الشعبية فدفعت بأكثر من 600 ألف من قواتها ونشرتهم في أنحاء الإقليم مما أدى إلى سقوط ستين ألفا من الشعب الكشميري، وتكبدت الهند في هذه المواجهات خسائر فادحة استنزفت مواردها وخزينتها وسببت لها جرحا داميا في خاصرتها وشوكة عصية في حلقها، فلذلك لن تحل الانتخابات الصراع القائم في الإقليم بسبب رفض الشعب الكشميري لها».

واستطرد: «وهنا أريد أن استشهد بآراء وسائل الإعلام الدولية التي غطت الانتخابات و لقد أذهلت شهاداتهم التي غطت الانتخابات في كشمير المجتمع الدولي، وأزعجت الحكومة الهندية، فهناك عشرات الشهادات لوسائل الإعلام ولكن سأعرض جزءا منها على سبيل المثال لا الحصر»: أشار مراسل السي إن إن ستندر بندرا إلى انه مكث خمس ساعات في إحدى المناطق الانتخابية ولم يشارك احد.

أما مراسل وكالة ديبيكا جلوبل فقد قال إن نسبة المشاركة في الانتخابات في خمس محافظات هندية لا تزيد عن نسبة سبعة في المئة.

وأما مراسل صحيفة اندين اكسبرس فقال: «لقد اعتقدت أن عاصمة كشمير (سرنجر) قد تحولت إلى مدينة أشباح، وذلك بسبب الإضراب العام الذي دعت إليه الأحزاب الكشميرية لمقاطعة الانتخابات، ولم يشارك إلا عدد محدود جدا»، كما أكد على الحقيقة نفسها مراسل وكالة رويترز وصحيفة الجاردينز والبي بي سي ونيويورك تايمز.

كل هذه الشهادات تثبت فشل «المسرحية» الانتخابية التي نظمتها الحكومة الهندية فلذلك لن تستقر الأوضاع في كشمير إلى أن تحل القضية حلا عادلا يلبي مطالب الشعب الكشميري والمتمثل بإعطائهم حق تقرير المصير

العدد 65 - السبت 09 نوفمبر 2002م الموافق 04 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً