العدد 87 - الأحد 01 ديسمبر 2002م الموافق 26 رمضان 1423هـ

سميح القاسم يحكي حرقة فلسطين شعرا ونثرا

وسط دعوة إلى التواصل مع أبناء الداخل

المنامة، المحرق - المحرر الثقافي 

01 ديسمبر 2002

وجه الشاعر الفلسطيني سميح القاسم خلال لقائه جمهور الشعر البحريني نداء متكررا إلى ضرورة كسر الطوق المفروض على الشعب العربي الفلسطيني الواقع تحت الحكم العسكري منذ سنة النكبة، مؤكدا أهمية هذا التواصل، وملمحا إلى أن هذا الشعب الذي يزيد تعداده عن المليون وربع المليون قد نجح في التشبث بأرضه ولغته، على رغم القيود المفروضة، وعلى رغم القوانين الجائرة التي تم سنها لمحاولة إبعاده وتحجيمه وتقليص فعاليته، وأنه بحاجة إلى حنان هذه الأمة التي حرم من عطفها لأكثر من نصف قرن.

وقال القاسم في استهلاله للأمسية الشعرية التي أقيمت الأربعاء الماضي في طقس أجلت برودته حرارة المشاعر: نحن في زمن يصعب فيه الفرح، لكن بقوة الحياة نستطيع أن نبتز شيئا من الفرح، على رغم فداحة الظروف والأوضاع التي تكابدها أمتنا، ويكابدها بشكل خاص نيابة عن هذه الأمة أشقاؤكم في فلسطين. إنني أحمل إليكم تحية الملايين من أشقائكم في ساحات النضال في المواجهة اليومية، الشرسة، مع احتلال دامٍ طماعٍ دموي لا يعرف سوى لغة الصمود، ولا يفهم سوى مواقف الرباط، حتى النهاية، ولن تكون نهاية إلا بقيام دولة الشعب العربي الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.

وأضاف: يسعدني أن أكون السنونوة الأولى من مليون وربع مليون عربي فلسطيني مرابطين على تراب الوطن تحت الحكم الإسرائيلي، أريد أن أكاشفكم بأن من حق هؤلاء أن يتواصلوا مع أبناء أمتهم، وألا يزج بهم في مقولة التطبيع، ولا يجوز أن يزج بالصامدين الصابرين المتشبثين بتربة الآباء والأجداد منذ عام النكبة. جواز سفري إلى البحرين هو قصيدتي التي تحبكم وتحبونها، على أمل أن تكون هذه فاتحة خير وأرجو أن أتمكن في المستقبل القريب جدا من إحياء أسبوع ثقافي بحريني فلسطيني. يريدون أن تعانقهم أمتهم، حرموا في طفولتهم من عناق هذه الأمة، فلا يجوز أن يستمر حرمانهم، كانوا أضيع من الأيتام على مآدب اللئام، لكنهم ناضلوا وصبروا وصابروا وكابدوا الحكم العسكري الشرس والترحيل والتهجير ومصادرة الأرض، وأكرهوا على اتقان اللغة العبرية، لكنهم أكرهوا حكام إسرائيل على اتقان اللغة العربية الفصحى على أكمل وجه. ولم تستطع سياسات إسرائيل بكل حكوماتها أن تمحو الذاكرة القومية والحضارية لهؤلاء العرب الأحرار، لكم تحية منهم من أعالي الجليل إلى ساحل حيفا والكرمل إلى المثلث إلى النقب حيث القبائل والعشائر العربية الأصيلة، أملا في أن تتاح لقاءات أخرى.

بعد ذلك قرأ القاسم عددا من قصائده من بينها مقاطع من قصيدة «شخص غير مرغوب فيه»، وقال عنها: إنها قصيدة كتبت من تجربة واقعية. ذات يوم فاتتني الطائرة في مطار فرانكفورت فاضطررت إلى النوم على مقاعد المطار، واستيقظت في الصباح الباكر لأجد شابا في العشرينات من عمره ينظر إليّ كأنما يراقبني، وبعد قليل اقترب، وقال لي أنت فلان، فقلت نعم، وسألته هل أنت من الموساد، فقال لا، أنا شاب فلسطيني من غزة لاحقتني قوات الاحتلال فهربت إلى الضفة الغربية، لاحقوني في الضفة، فهربت إلى الأردن، ولوحقت في الأردن فهربت إلى اليمن الجنوبي، ووقعت الحرب في اليمن... الشماليون طاردوني باعتبار أنني متعاطف مع الجنوبيين، والجنوبيون طاردوني باعتبار أنني متعاطف مع الشماليين، فهربت في أول طائرة إلى باكستان، فرفضوا استقبالي، ووضعوني على أول طائرة وصلت إلى السودان، وفي السودان رفضوا استقبالي، فقلت لدي قريب يدرس في تشيكوسلوفاكيا، فوضعوني على أول طائرة إلى براغ، وفي براغ رفضوا استقبالي، وأنا الآن في فرانكفورت أنتظر طائرة تقبل أخذي إلى مكان ما!!

وهذه مقاطع من قصيدة قال عنها الشاعر إن الحب واحد في كل مكان، لكن في الانتفاضة الفلسطينية نشأت ثقافة حب من نوع جديد، ففي المظاهرات تأتي الفتاة إلى الشاب في يدها بصلة لتقيه أضرار الغاز المسيل للدموع عوض أن تأتيه بزنبقة مثلا أو وردة، وهو بدوره يقدم لها منديلا معطرا ليقيها الغاز، وهذا هو الحب الفلسطيني:

تقتلني الغربة عن يديك/ يقتلني الشوق إلى عينيك/ فأفرش بساط الريح/ كوفية نسيجها من وطني الجريح/ تطير لا حاجز لا شرفة لا تصريح... ناديت من أنت/ لست فتى أحلامي/ ولست نجما سينمائيا على صورته أبوح بالغرام/ ولست طيف فارس يأتي على حصانه من عالم الأوهام/ ناديت من أنت/ أنت الذي أسندت ظهري في وجوه العسكر/ أنقذني من غازهم منديلك المعطر...

وفي أمسية تالية عقدت مساء الخميس الماضي بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد، التقى القاسم جمهوره، واتخذت الأمسية الطابع السياسي أكثر مما مست الجانب الأدبي. وكرر فيها النداء إلى ضرورة التواصل، مشيرا فيها إلى المعاناة، وإلى الأمل معا، ومستعرضا لعدد من الموضوعات التي تؤكد عروبة وفلسطينية عرب الداخل، متهما المؤسسة الإعلامية العربية بتقصيرها في شرح هذه القضية، والمؤسسة السياسية التي كانت سببا في جعل عرب الداخل إما منسيين، أو متهمين بالخيانة. كما تناول اللقاء موضوعات أخرى من قبيل قضية الدولة القادمة، القدس، التطبيع، طبيعة نظر المجتمع الإسرائيلي إلى عرب الداخل، الإرهاب، وغير ذلك من سياسات عنصرية تتبعها إسرائيل ضد الفلسطينيين

العدد 87 - الأحد 01 ديسمبر 2002م الموافق 26 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً