تموج الساحة الجامعية بقضايا وحوادث يُعتبر الخوض فيها مشاكسة وإعادة قراءة لواقع وبديهيات مفروغ منها، أبرزها ما هو مرتبط بشخصية الطالب الجامعي وقدرته على اثبات ذاته في بيئته الأكاديمية والمجتمع. والكثير من الظواهر الملفتة التي طفحت على السطح وباتت ملحوظة ومنتشرة بين الطلبة مثل اهمال القراءة والاطلاع والاقتصار على كتاب المقرر الدراسي والانصراف إلى أمور مسلية، وغياب الطلبة عن الفعاليات والأنشطة الثقافية سواء داخل الجامعة أو خارجها، وكذلك ابتعادهم عن المشاركة في قضايا المجتمع وانشغالهم بأمور ثانوية... يستدعي ذلك أسئلة كثيرة متتالية عن المعرفة التي يبني بها الطالب مدركاته وحسه ووعيه وثقافته. ونتساءل: هل يوجد خلل في ثقافة الطالب الجامعي؟ وإذا كان هذا الخلل موجودا أين يكمن...؟ هل يوجد تأثير لثقافات أخرى دخيلة...؟ ما نوع الثقافة المنتشرة بين الطلبة؟ هل هي سطحية أم عميقة؟ هل الطالب الجامعي مدرك لمسئولياته ومهماته سواء في الأسرة أو الجامعة أو المجتمع؟
وشاركنا في الندوة الصحافية التي أجرتها «الوسط» مع مجموعة من طلبة جامعة البحرين هم: ميَّادة معراج وأميرة عبدالله من كلية الحقوق، وجعفر حمزة وإبراهيم الشاخوري من كلية الهندسة، ورقية السيد من كلية تقنية المعلومات.
* بداية... ما تقييمكم لمستوى الثقافة والوعي المنتشر بين الطلبة؟
- إبراهيم الشاخوري: «الحديث عن الوعي في هذا الصدد برأيي ينقسم إلى ثلاثة أقسام: وعي الذات ووعي الطالب الجامعي ووعي الآخر. ويكون وعي الذات المنطلق والمحور الأساسي للتطوير وبناء شخصية الطالب الجامعي وركيزته للتخاطب مع الآخرين واستيعاب المرحلة الراهنة التي يعيشها. والوضع داخل المؤسسات الأكاديمية محكوم بارادة أشخاص معينين يديرون توجيه دفة المسيرة التعليمية خصوصا في مجتمعنا الشرقي، وهؤلاء يحيدونها سلفا ويتحكمون في مخرجاتها بحسب مبتغاهم، فتكون المؤسسات التربوية أشبه بمصانع التعليم الايديولوجي، والطالب له مواصفات عيارية لا يخرج عنها».
- جعفر حمزة: «الوعي لدى الطالب الجامعي له خصوصية مميزة كونه يتحرك في ساحة ثرية بالتوجهات والأفكار كالساحة الجامعية، وأعتقد أن وعي الذات يحدد ملامح مهمة هي وعي الهدف من الوجود في الجامعة ووعي تبني التوجهات ووعي الأسلوب للوصول إلى ذلك الهدف. ونجد داخل الجامعة عدة أنماط لفئات تحاول أن تحتفظ بكيانها بطبعها الملتزم، ومنها من تحاول أن تتحرك عبر الثغرات الموجودة في النظام الجامعي لتستمر بالاحتفاظ بهويتها، ومنها من هو منغلق على ذاته».
مؤثرات ثقافة الطالب
* هل هناك مؤثرات محددة تشكل ثقافة ووعي الطالب؟
- أحمد المدوب: «هناك الكثير من الطلبة الذين لا يقدرون مرحلتهم الجامعية وبلغوا هذه المرحلة وهم غير مؤهلين علميا واجتماعيا لذلك. وتلعب البيئة الأسرية دورا مهما في تشكيل وعي وثقافة الطالب الجامعي، واصطدامها ببيئة جديدة سواء في المدرسة أو الجامعة أو المجتمع قد يحدث خللا نشاهد أنماطه في شخصيات الطلبة».
- ميادة معراج: «ليس شرطا أن تكون البيئة المحيطة هي المؤثر الأول والمباشر في تكوين ثقافة الطالب فقد تكون البيئة عاملا مساعدا، وهناك مؤثرات أخرى يجب الاعتبار لها عند النظر في هذه المسألة، فالاندفاع الذاتي والرغبة في التعلم والقراءة كفيلة بأن تدفع الطالب باتجاه اثراء معلوماته وثقافته وتطوير مهاراته وخبرته الحياتية. كذلك التحاور والتفاعل مع الآخرين يكسب المرء مدارك ومعارف جديدة ربما تكون غائبة عنه قبل الحوار».
* وما مقدار تأثير هذه البيئة على البنية المعرفية للطالب؟
- جعفر حمزة: «الطالب حين ينتقل من المدرسة إلى الجامعة فهو ينتقل إلى بيئة جديدة تطلب منه اثبات وتحديد ذاته سواء كان عبر تبني منهج أو أسلوب معين. هذه البيئة المختلطة التي بها الكثير من الأفكار والتوجهات تفرض عليه تحديا لاثبات ذاته. ومن خلال تجربتي في جامعة البحرين، أجد أن سياسة الجامعة التعليمية -وهي أحد روافد الثقافة التي ينهل منها الطالب- هي نظرة أحادية الجانب، والقنوات المفتوحة مع الطلبة المتمثلة في مجلس الطلبة والأندية والجمعيات الطلابية يوجد بها تقنين وخطوط حمر».
حضور ثم انصراف...
- أميرة عبدالله: «الدلائل والشواهد كثيرة لوجود تعثر في واقعنا الجامعي يتعلق أساسا بالوعي والثقافة لدى الطالب، أبرزها ما نلاحظه من قدوم الطلبة إلى الجامعة لحضور المحاضرات فقط ثم الانصراف على عجل من دون الاستفادة من الكتب والمصادر التي توفرها الجامعة ومشاركة الطلبة الآخرين واجراء البحوث العلمية والمشاريع والأنشطة اللاصفية من خلال الجمعيات والأندية الطلابية. وما هو ملفت أيضا في العملية التعليمية هو التلقين والحفظ الذي يتجه بالمعلومة من الأستاذ إلى الطالب من دون فهم أو ادراك حقيقي لقيمة العلم والرغبة في التعلم والاستزادة، فتنحصر الرغبة في اكتساب المعلومات لتقديم الامتحان والنجاح فقط».
ضخ معلوماتي
* وهل هناك معادلة معينة تحدث التوازن لكيمياء الجسد الجامعي بحيث تؤثر على ثقافة الطالب ووعيه؟
- رقية السيد: «للاجابة عن هذا السؤال لابد من الاعتبار لأهمية الجامعة التي تتلخص في ضم واحتضان أكبر شريحة في المجتمع وهي الشباب من أجل الرقي بهم علميا وثقافيا، فهي (الجامعة) أحد الدعائم التي يرتكز عليها المجتمع، وللأسف هي الآن تفتقد إلى كثير من المقومات. ما هو حاصل أن الضخ المعلوماتي المتواصل يخرِّج حملة شهادات فقط. ومقارنة بالجامعات الغربية فنحن نأخذ كمّا معرفيّا أكبر مما يأخذونه هم ويسير في الاتجاه النظري على حساب العملي والتطبيقي».
- إبراهيم الشاخوري: التوسع الكمي في عدد المدارس والمدرسين والتغيير الجوهري في شكل المؤسسات التعليمية من ناحية المخرجات لم يساير الحركة التعليمية الحديثة المنشودة، فالابقاء على العلاقة الأبوية السلطوية للتعامل مازال مسيطرا وهو ما حملناه من الاعدادية والثانوية كمخرجات طلبة حكوميين واستمررنا به حتى الجامعة. المجتمع لايزال ينظر إلى الصفة «الجامعية» بنوع من البريق الخدَّاع، فإذا ما قالوا إن فلانا «طالب جامعي» يتصور مستوى تعليمي وثقافي معين، وهو في الواقع أدنى مما يرسمه أفراد المجتمع.
تحمل المسئولية في المجتمع
- أميرة عبدالله: «الجامعة لها دور كبير في تهيئة الجو المناسب والمشجع على الدارسة والتعلم، ولا يقتصر دورها فقط على فتح الفصول الدراسية والمختبرات وتوفير الكتب، وإنما يتعدى إلى المسئولية بتخريج دفعات من الطلبة قادرة على تحمل المسئولية وخدمة الوطن والتطوير من معارفها وقدراتها على حل مشكلاتها التي ستواجهها مستقبلا. ما هو حادث أن المجتمع هو الذي يؤثر في الجامعة وليس العكس، فكثير من المشاهدات تعكس تأثر طلبة الجامعة بالممارسات والسلوكيات التي تحدث في المجتمع».
- أحمد المدوب: «وهل الجو في الجامعة جو مثالي لينتقل ما يحدث في الجامعة إلى المجتمع...؟ لا أظن ذلك. هناك ظواهر تحدث في الجامعة لا أرتئي حدوثها داخل صرح أكاديمي ولم نشاهدها تحدث في جامعات أخرى».
الانفتاح على الآخرين
* ما العوامل التي تؤثر في أداء الطالب الجامعي وتأديته لمهماته واتخاذه موقعا فعَّالا في المجتمع...؟
- ميَّادة معراج: «هناك عوامل نفسية ربما تؤثر على أداء الطالب الجامعي في الجامعة أو المجتمع مرتبطة بشخصية الطالب اذا كان اجتماعيا ومنفتحا على الآخرين أو انطوائيا ومنعزلا ولا يحب الاختلاط ومشاركة الطلبة الآخرين أفكارهم ومشاريعهم واهتماماتهم. وإذا لم يكن هذا الانعزال موجودا بشكل فردي فهو متحقق بصورة جماعية، فوجود جماعات من الطلبة تعيش نمطا مختلفا من الحياة بشكل مغاير نوعا ما عن الآخر من حيث الايديولوجيا والسلوك، وغياب الانفتاح على المجموعات الأخرى يسبب فجوة حقيقية في صيغة التكامل والتلاحم المجتمعي التي ننشدها. ويحكم بعض الطلبة على الآخرين عن طريق المظهر الخارجي فقط، فإذا كان لباس الطالب لائقا وجيدا يُحترم هذا الطالب والعكس صحيح أيضا، وهذا يعكس انتكاسة في ثقافة الطالب الجامعي»
العدد 87 - الأحد 01 ديسمبر 2002م الموافق 26 رمضان 1423هـ