بدت الاديبة ليانة بدر مضطربة بعد الانتهاء من عرض فيلم «القدس - يوم آخر» الذي كتبت له السيناريو، في احدى صالات بيروت، ضمن مهرجان ايام بيروت السينمائية.
كان الرضا باديا على ما كتبت وما نقل عن حياة لا يمكن ان تكون إلا في فلسطين «كالزواج على الحواجز مثلا»، ولأن الحضور اكدوا لها هذا الشعور، فكان الاضطراب الممزوج بالشعور عينه «سنرى القدس... سنرى القدس يوما آخر». «الوسط» التقت الأديبة بدر الآتية من رام الله إلى بيروت عبر الاردن للمشاركة... وللحديث عما يجري في فلسطين... عن معاناة شعب «لا يمكننا التنبؤ بقدراته على الصمود»... عن لحظات الفرح التي هي كل لحظة تمرد... وعن عتب لا ينضب على هذا الصمت العربي.
عن الحياة في رام الله وسائر المناطق الفلسطينية تقول: يسمح لنا بالتحرك 10 ساعات يوميا، اي 50 ساعة في الاسبوع. كلنا في رام الله نعيش الحياة ومصاعبها ذاتها، نحن نشعر وكأننا نولد التاريخ من البداية على رغم القهر والضرب، نحن نصنع تاريخ المعاناة والدم والمأساة والطين والعرق، فحتى لو كان جنينا فنحن نخلقه وربما الشيء الغريب انني في رام الله أحس بالحياة اكثر من الذي احسه في اي وطن عربي.
ان الشعب الفلسطيني مصدوم جدا من الصمت العربي. ان منع التجوال كان للسماح للمستوطنين الاحتفال باعيادهم الدينية. انهم يمارسون طقوسهم العبادية والتي هي طقوس اكثر عبودية لغيرهم. وعن المدارس تقول: لقد سمحوا للطلاب في اليوم الاول بالذهاب إلى المدارس، ثم عمدوا إلى تطبيق منع التجوال. هناك مدارس شعبية في الاحياء وهي مدارس سرية، لكنها ايضا تشكل خطرا على الاولاد الذين يتعرضون للاصابات، كما حصل لأحد التلامذة عندما قتله الجنود الاسرائيليون على رغم وجود رقابة سيدتين من المنظمات الدولية. اما عن شراء الحاجيات فإننا نذهب سرا إلى الدكاكين أو إلى اماكن عملنا تحت تهديد الدبابات الاسرائيلية، والشتائم التي يطلقونها واطلاق الرصاص ساعة يشاؤون. حياتنا تحولت إلى عبثية كاملة في ظل وجود عالم عربي متفرج.
أمازلت تكتبين؟
- انا الآن لا اكتب ولا استطيع الكتابة واعتبر ان مستوى القلق والقمع الذي اعيشه لا يجعلني استعيد لغتي. انا اقول انني فقدت لغتي في هذا الحصار.
وماذا تفعلين اذا؟
- اتابع عملي كمدير عام في وزارة الفنون والثقافة. هناك مشروعات كثيرة علينا متابعتها. فقد استطعت تأمين سفر لمجموعة من الاطفال إلى الخارج. كما انني اراقب اشياء بالعدسة تحصل. وقتي كله مشغول. على اية حال عندما يفرض القهر والمعاناة، فلذلك محاسنه لأنها تجعل الانسان جبارا.
إلى اي مدى يمكن للشعب الفلسطيني ان يصمد؟
- دائما هناك امكانات لأي شعب ان يصمد. هذا شعب لا يمكننا التنبؤ بقدراته على الصمود.
زملاؤك من الادباء كيف يعيشون يومياتهم؟
- قبل ان آتي إلى هنا اصدر الشاعر محمود درويش مجلة «الكرمل»، كما انه كتب جزءا ثانيا لقصيدته «حالة حصار». واعرف كتّابا كثيرين يكتبون. ربما اصبحت حال النشر ابطأ لكنها لم تتوقف. فالحياة ستستمر وسنستمر بالمحافظة على اعتياد الحياة.
كيف عشت لحظات هدم المقاطعة؟ سيما وانك زوجة وزير الاعلام الفلسطيني؟
- حقيقة نحن نعيش لحظات الهدم منذ زمن تحت الاحتلال الاسرائيلي.
أمازالت المؤسسات الدولية تعمل؟
- ليس على الوتيرة نفسها. اثناء مذبحة مخيم جنين منعوا من التحرك. والآن الصليب الاحمر لا يحرك سيارات الاسعاف عندما يحصل القصف. هناك متطوعون من المنظمات غير الحكومية يأتون ويعملون على مساعدة الناس.
هل كنت من دعاة السلام؟
- وما زلت. وأؤمن انه سيحصل. في النهاية لا يصح الا الصحيح.
هل توجد لديك صداقات فيما يسمى حركات السلام الاسرائيلية؟
- كلا لا توجد لا سابقا ولا الآن ولا لاحقا. ممنوع على الصحافيين الاسرائيليين ان يعملوا على تغطية ما يحصل عندنا.
كان هناك نوع من الرهان الفلسطيني عليهم سابقا؟
- حركة «السلام الآن» يقومون بتصوير النقاط الاستيطانية، ونحن نقدر لهم ذلك، لكنهم لا يستطيعون التغيير. ان حركة اليسار الى انحسار. بعكس اليمين.
ما اصعب اللحظات التي عشتها؟
- ان أصعب اللحظات بدأت منذ ان بدأ الكلام عن ضرب العراق، لان في ذلك تمهيد لتهجير الشعب الفلسطيني.
أما من لحظة فرح؟
- لحظة الفرح التي شعرت بها وسواي عندما نزل الناس يتحدون حظر التجول في ذاك الليل الموحش عندما كان التهديد بتدمير المقاطعة خلال 10 دقائق. ان كل لحظة تمرد هي لحظة فرح.
صدرت للاديبة ليانة بدر 3 روايات: «بوصلة من اجل العباد، عين المرآة، ونجوم أريحا». و4 مجموعات قصصية: «شرفة على الفاكهاني، انا اريد النهار، قصص الحب والملاحقة، وجحيم ذهبي». و6 قصص للاطفال، وكتاب حوار مع الشاعرة فدوى طوقان بعنوان «ظلال الكلمات المحكية»، وكتاب شعر اسمه «زنابق الضوء»... سيناريو فيلم «القدس يوم آخر»، 3 أفلام وثائقية تجريبية
العدد 87 - الأحد 01 ديسمبر 2002م الموافق 26 رمضان 1423هـ