العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ

«ماريا الراعية» من طقوس هنود المكسيك إلى سوق المخدرات العالمية

شهدت هذه الزاوية الحارة جدا من سلسلة جبال سييرا مازاتيكا في الآونة الأخيرة قدوم زوار غير اعتياديين بسبب نبتة شبيهة بالسرخس (Fern) ذات جذوع سميكة وأوراق منفوشة.

رجل اعمال بريطاني اطل حاملا كيسا مليئا بالبيسوس (العملة المحلية)، عارضا مقايضة ما في جعبته من مال بكيس من اوراق النبتة.

وعرض مستورد اسباني توفير خدمة تلفزيون وأقمار اصطناعية ذات طابع مسرحي مقابل ثلاث شتول من النبتة، فقط لا غير.

وجاء زوجان من مكسيكو سيتي وأمضيا أربعة أيام في المنطقة لطرح الأسئلة والاستفسار عن طريقة تجفيف جذوع وأعواد النبتة بغية استخراج عصيرها مرّ المذاق.

كل هؤلاء وغيرهم حاولوا انتزاع قطعة من السوق الصغيرة، ولكن المتنامية لنبتة «Salvia Divinorum»، وهي نبتة مسموحة ومسببة للهلوسة تحوي قوة بسيكيدلية أعظم مما تحتويه أي مبسببات للهلوسة الطبيعية الأخرى كالبيوت وفطر البسيلوسيبتي.

ويقول اليخاندرو مارتينيز (24 سنة) وهو طالب ويربي أكثر من 700 نبتة سالفيا على ضفة جدول ماء يجري بين الجبال: كل يوم يأتيني زوار أكثر من اليوم السابق ليسألوني كيف يمكنهم أن يستزرعوا النبتة. كنت في السابق أربي أشجار البن ولكنني الآن أزرع «الباستورا» مكانها.

تنتمي نبتة سالفيا التي يسميها السكان المحليون «ماريا باستورا» أي «ماريا الراعية» إلى عائلة النعناع وهي تشبه أيضا عشبة القصعين الصالحة للاكل التي تنمو طبيعيا حول مستوطنات قبائل هنود المازاتيك في هذه الزاوية النائية من مقاطعة أواكساكا.

ويجري الترويج لنبتة سالفيا عالميا على شبكة الانترنت على أنها «اكستازي شرعية» فيما تقول مواقع الانترنت انها تتمتع بشعبية واسعة في ضاحية غرينيتش فيليج في نيويورك. كما تدعو الدعايات طالبي الشراء إلى «تجربة القيام برحلة سالفيا» قبل أن تقرر السلطات تحريمها.

ولكن بالنسبة إلى المطببين الشعبيين عند قبائل المازيتيك السالفيا هي نبتة قوية ومقدسة لها قدرات شفائية ومفعول مخيف في تغيير العقل.

وتقول اوريليا كاتارينو أوسيغويرا (56 سنة) وهي طبيبة محلية (شامان) لا تتقن غير لغة مازاتيك: «يجب ان يكون المرء شديد الحرص في تعامله مع سالفيا. إنها اخطر نبتة موجودة لدينا. إنها تفتح الأبواب في رأسك كي ترى الله وهذا قد يكون مخيفا».

ويقول متعاطو السالفيا إنها تسبب هلوسات مفرطة ومقاربة للموت (تجربة الخروج من الجسم)، ولكنها قد تجعلهم يحسون أنفسهم كجماد وأغراض لا حياة فيها ويفقدون الذاكرة بصورة مؤقتة.

والواقع أن عدم القدرة على التكهن بالأثر الذي ستخلفه النبتة يجعل حتى مستعملي السالفيا متوتري الأعصاب. وقد حذر المشاركون في دردشة (تشات) على الانترنت الذين يريدون تجربة تعاطي السالفيا بأن يكونوا مستعدين «لأشد اختبار يمكن ان يتعرض له انسان سوى الموت».

وقال دانيال سيبرت، الذي يملك ويدير موقعا على الانترنت في ماليبو بكاليفورنيا مخصص لبيع وأبحاث السالفيا: «هذا ليس من المخدرات التي تستعمل في الحفلات. إنه عقار ينقلك إلى أعمق مكان داخلي، وهو مكان الوجود فيه ليس ممتعا دائما».

وأضاف سيبرت: «إن اثر الجرعة الكبيرة يظهر بسرعة وحدة إلى درجة أنه لا يتاح لك الوقت لتفهم ماذا يجري وتمضي وقتك في محاولة العودة إلى الواقع».

هنود المازاتيك يؤمنون بأن الأشخاص الذين يتصرفون بعدم احترام تجاه حيوان ما أو نهر أو أي من معالم الطبيعة قد تحل عليهم لعنة المرض. ويتعين على هؤلاء أن يراجعوا ويطلبوا مشورة (الشامان) (الطبيب التقليدي) الذي يقدم إلى المرضى السالفيا أو فطر بسيلوسيين ليكتشفوا الخطأ الذي ارتكبوه.

ويقول المعالجون بالاعشاب ان مسح السالفيا على الجلد يشفي من الحروق ويجعل الندوب تختفي، كما يزعمون أن وضع باقة من القصعين المريمية على الرأس لمدة 20 دقيقة يشفي من الصداع.

ويقول العشّاب ارتور وأورتيز (38 سنة) الذي يقيم في كوخ مؤلف من غرفة واحدة مليء بقوارير تحتوي على أعشاب لمعالجة الكثير من الحالات - من الآم القدم إلى هبوط القلب: «كان اجدادنا يعتبرون الباستورا أهم من كل الاعشاب الموجودة. وعصارتها تحتوي على قوة شفائية أكثر مما يمكن أن يفهمه الاغراب».

اشتهرت هذه المدينة البالغ عدد سكانها 50 ألف نسمة والمعروفة بزراعة البن، في أواسط مستعملي المخدرات القوية منذ مطلع ستينات القرن الماضي فاجتذبت الألوف من الهيبيين الباحثين عن الشامانات (ممارسي التطبيب بالسحر) ليرشدوهم في رحلات «التحشيش» بالفطر السحري.

واجتذبت الجولات البسيدلية فنانين من أمثال بوب ديلان والرولينغ ستونز وبيت تاونسند إلى هواوتلا، بل يحلف البعض اليمين ان اعضاء فرقة البيتلز (الخنافس) جاءوا بطائرة مروحية للاحتفال بعيد ميلاد عضو الفرقة رينغو ستار في العام 1986.

غير ان الفطر الطازج لا يتوافر إلا في موسم الأمطار بين شهري مايو/ايار واغسطس/آب. أما نبتة السالفيا التي يصل ارتفاعها إلى 120 سم فموجودة على مدار السنة.

واشرفت كاتارينو على «رحلات فطر» مئات من الزوار الاجانب داخل غرفة سقفها من الالياف الزجاجية وجدرانها مزينة بالصور الدينية، ويقول كاتارينو إن عدد السياح الذين جاءوا لطلب السالفيا تزايد في الآونة الاخيرة إلى حد أنها أخذت ترفض تقديمها إليهم.

وتضيف كاتارينو: «عندما يموت الانسان سيدفع ثمن ما اقترفته يداه في حياته. إذا اعطيت الباستورا لأناس ليسوا بحاجة إليها سأدفع الثمن وأعاقب عندما أموت».

ويشير خبير الأنثربولوجيا - السلالات البشرية - في مكتب المعهد الوطني للسكان الاصليين في هواوتلا، خوان كامبوس إلى ان زراعة السالفيا تحولت إلى صناعة بديلة لمزارعي البن المحليين الذين ينتجون السالفيا من أجل التصدير.

ويقول كامبوس إن ثمة ادلة على أن استخدام السالفيا في الطقوس الدينية آخذ بالتراجع وان بعض افراد قبيلة المازاتيك ينتجون من أجل البيع، وخصوصا أن التصدير إلى خارج البلاد مسموح به شريطة الحصول على رخصة تصدير من دائرة الغابات المكسيكية.

مارتينيز، الطالب الذي يكسب بعض النقود عن طريق تأمين المخدر الذي يرغب فيه السياح، يقول إنه يستقبل خمسة اجانب اسبوعيا يبحثون عن السالفيا.

ويضيف مارتينيز أن لا يطلب الباستورا قبل خمس سنوات، و«انتظر سنتين لترى أن الكل سيصبحون مثلي. إنهم سيبعيون الباستورا لكل من يريد الشراء».

ويبيع مارتينيز ما يتراوح بين 8 و30 ورقة سالفيا للأجانب بسعر 5,50 دولارات. وعلى الانترنت تباع أونصة السالفيا المؤلفة من 100 إلى 200 ورقة بـ 120 دولارا. إلا أن التجار العالميين يقولون إنهم لم يشهدوا بعد ارتفاعا في الكميات المباعة.

وعن ذلك يقول سيبرت إنه حدث ارتفاع في المبيعات حديثا ولكنه ليس ارتفاعا من النوع الذي يدوم كثيرا. البعض يشتريها من باب الفضول مرة واحدة، ويجربها فإن لم تعجبه لا يشتريها مرة أخرى.

ويقول مدير شركة أخرى للتسويق على الخط المفتوح إنه على رغم ارتفاع سعرها، لا تزيد مبيعات شركته من السالفيا عن خمسة آلاف دولار.

ويضيف المدير الذي رفض ذكر اسمه كي لا يعرف منافسوه على الانترنت حجم حصته في سوق السالفيا إن هذه «ليست الأكثر مبيعا».

أما الناطقة باسم شعبة مكافحة المخدرات الاميركية روجين وايت فتقول إن عملاء الشعبة يجمعون المعلومات عن السالفيا ولكن «ليس هناك جدول زمني» لتحريمها.

ويرى مارتينيز انه كلما طال بقاء السالفيا بوصفها مادة شرعية سيزداد عدد القادمين للبحث عنها، و«الموقف الآن هو؟: لماذا لا نجربها».

خدمة الإندنبدنت خاص بـ «الوسط

العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً