تلتقي مظاهر الاحتفال بعيد الفطر السعيد لدى المغاربة بجوانب كثيرة مع مظاهر الحياة في غيره من الأقطار العربية الإسلامية، وخصوصا ما يتعلق منها بأجواء استقبال أول أيام العيد الكريم. غير أن ذلك لا يعني نفيا للتفرد والخصوصية في بعض طرق الحياة والعادات، إذ مازال المغرب يحافظ على أجواء العيد بما يجعل له نكهة خاصة وطعما فريدا يزاوج بين الحداثة وبين التقاليد التي بقيت حية عبر الزمن.
ويبدأ المواطن المغربي في الاستعداد لعيد الفطر قبل قدومه بأيام، إذ تنشط الأسواق ويغدو الليل كالنهار كله حركة وحياة،وخصوصا أن ذلك يتزامن مع أجواء شهر رمضان، تصبح فيه المدن المغربية أشبه بمهرجانات ليلية لا تنتهي أجواؤها إلا مع الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.
العيد في الريف
في ليلة العيد تستيقظ الأسرة البدوية المغربية قبل أذان الفجر لتتناول آخر وجبة سحور تختتم بها رحلة الثلاثين يوما من الصيام.
يقوم مؤذن قرية «أولاد فارقو» - إحدى قرى محافظة «أسفي» جنوب مدينة الدار البيضاء - ويُدعى الحاج مبارك، مباشرة بعد تناوله آخر وجبة للسحور بالتوجه إلى المسجد إذ يرفع الآذان، وخلاف باقي الليالي، يحاصره جمع المصلين الذين يتقدمون نحوه مهنئين بحلول عيد الفطر.
وبعد انقضاء الصلاة التي تتوج برفع أكف الضراعة لله تعالى بجعل العيد فأل خير على أمتنا الإسلامية، متمنين من العلي القدير أن يحل العيد القادم والأراضي المحتلة في فلسطين محررة، وأن ترفرف راية الإسلام على أسوار المسجد الأقصى بالقدس الشريف.
بعد ذلك يتوادع المصلون على أمل اللقاء بعد سويعات بالمصلى لتأدية صلاة العيد.
بعد صلاة الفجر يعود الحاج مبارك إلى بيته فيوقظ زوجته وبناته وزوجات أبنائه لتجهيز مائدة الإفطار التي ستختلف بلا شك عن باقي موائد أيام الله العادية.
زوجته أم محمد تقول: «بعد استيقاظنا اقتسم أنا وبناتي وزوجات أولادي المسئوليات، إذ أتولى مهمة حلب البقرات وإعداد القهوة، فيما الأخريات يعملن على تنظيف المكان وطهي المسمنات والرغائف، وقبل تناول الفطور أتوجه أنا وزوجي وبعض من أحفادي لكي نمر على بعض بيوت الجيران لتهنئتهم بالعيد، كما أتفقد بيوت أزواج بناتي الثلاثة، وحين الانتهاء من هذه الجولة الاعتيادية - التي تتكرر ثلاث مرات في السنة يومي عيد الفطر، وعيد الأضحى، بالإضافة إلى ذكرى المولد النبوي الشريف - يكون وقت صلاة العيد قد أزف».
بعد الانتهاء من شعيرة صلاة العيد، تجتمع الأسرة: الوالدان وأبناؤهما وزوجاتهم وأحفادهم حول المائدة بعد أن يكون كل أفراد الأسرة - ذكورا وإناثا - قد تناوبوا على تقبيل يد الوالد الحاج مبارك وتبادلوا فيما بينهم التهاني.
مباشرة بعد ذلك يستعد بيت الحاج مبارك لاستقبال زواره وفي انتظار ذلك يتصدر الحاج غرفة الجلوس مع أولاده لتبادل الحديث والاستمتاع بالموسيقى الأندلسية التي تقدمها قنوات التلفزيون المغربي أيام الجمع والأعياد الدينية.
قبل أن يتوجه الحاج مبارك لإعلان دخول وقت صلاة الظهر يكون بيت العائلة قد أصبح قِبلة للأهل والأقرباء، ويصبح فناؤه الواسع ملعبا لأحفاده، فيما ينصرف الابن البكر إلى تجهيز الذبائح ممثلة في الدجاج والبط.
العيد في المدينة
إذا كان العيد في الأرياف يتميز ببساطته، فإن ساكني المدن في المغرب يعرفون بحرصهم الشديد على اقتناء الملابس الجديدة، حتى ان أحدا لا يتخيل أن يذهب ليؤدي صلاة العيد من دون ارتداء الزي الجديد.
يقول سعيد (40 عاما)، وهو موظف ورب أسرة له ثلاثة أطفال: «إن أبرز المظاهر في العيد هو شراء الملابس الجديدة، وخصوصا للأطفال؛ فقد أصبحت هذه العادة كأنها من التعاليم الدينية»، ويضيف سعيد: «لا أبالغ، فإن بعض أصدقائي يعتقدون - خطأ - أنه من الواجب شراء الزي الجديد، باعتباره من سنن قضاء العيد».
وتنشط حركة البيع والشراء في المدن المغربية في اليومين اللذين يسبقان عيد الفطر؛ حتى ان بعض التجار يسمون هذه الفترة بـ «موسم الذهب»، ويقوم بعض الباعة بتحويل تجارتهم الأصلية إلى تجارة الملابس، حتى ان بعض المقاهي تنتهز موسم العيد لتتحول هي الأخرى إلى متاجر، فتعرض على زبائنها الملابس الجديدة لمختلف الأعمار، وبذلك توفر على الآباء الجالسين في المقاهي الذهاب إلى الأسواق.
ويقول أحد التجار: «إن العيد يجبر الجميع على الشراء من دون وضع اعتبارات للظروف المادية، فغالبية فئات الشعب المغربي تحرص على اقتناء ملابس جديدة، وإن كانت أكثر الفئات شراء هي فئة الأطفال والنساء».
وفي صباح يوم عيد الفطر يحرص الرجال على اصطحاب أبنائهم إلى المصليات التي تمتد في ساحات واسعة لأداء صلاة العيد، ثم بعد الصلاة يبدأ المغاربة في توزيع زكاة الفطرة على المحتاجين، بينما تظل معظم السيدات في المطبخ لإعداد طعام الإفطار، وعادة ما يكون من الحلويات الخفيفة.
بالموازاة مع ذلك تعرف بعض المهن والحرف إقبالا منقطع النظير إذا ما قورنت بباقي أيام الله، كالأعياد وفترة الدخول المدرسي، ومن هذه الحرف، حرفة الحلاقة.
فقبل أيام العيد، وفي أواخر شهر الصيام، يزداد إقبال الناس على محلات الحلاقة إذ أنه - وعلى مدار الساعة في آخر يوم من رمضان - تستمر هذه المحلات في استقبال الزبائن.
إبراهيم، وهو صاحب محل للحلاقة يقول: «إننا نجني أرباحا هائلة توازي عمل العام كله من حلاقة الشعر والتزيين، لكننا نعجز عن التغطية، فالإقبال كبير جدا، وقد نستمر ساعات طويلة من أجل إرضاء الزبون».
أحد الزبائن الذين أقبلوا على محل للحلاقة، قال: «الحلاقة ضرورة في غير أوقات العيد، فمن باب أولى أن تكون في العيد وسبب التزاحم هو الحرص على أن يظهر الشخص بأجمل مظهر في هذا اليوم».
بعيدا عن هذه المظاهر فإن المتأمل لاحتفالات المغاربة بالعيد - سواء كان فطرا أو أضحى أو أيام رمضان المنقضية، وعلى غرار باقي المسلمين - يرى أنهم يتعاملون مع هذه المناسبات بكثير من السطحية و الإدراك للمعنى الحقيقي والأسمى لها.
فمع أزوف هذه المناسبات، نلمس هذا التعامل السطحي بشكل فاضح لتُجَرّد من بُعديها الروحي والإنساني وتتحول إلى مجرد عادات و طقوس تمارس بكثير من الفراغ الإيماني والغلو في المباهاة.
فإذا كان الناس في شهر رمضان يتهافتون بنهم على ملء موائد فطورهم بأنواع من الأكل والشرب، ملبّين بذلك فقط نداء البطن، إضافة إلى انتشار ظاهرة شراء أشكال جديدة من الأزياء التقليدية والتباهي بها - وخصوصا بين أوساط النساء ملبيات بدورهن نداء الغرور الأنثوي - فإنه مع إقبال عيدي الفطر والأضحى وحتى ذكرى المولد النبوي الشريف، يتم الاستمرار في التعامل مع هذه المناسبة الدينية بأنانية مفرطة و تجاهل كبير للمعنى الحقيقي له.
إن مثل هذه المناسبات الدينية و ما يرافقها من ممارسات تحضر فيها الأنانية بقوة، يجعلنا فعلا نتساءل عن الأسباب الكامنة وراء كل هذا التناقض في التعامل مع معتقدنا الديني، و هو تناقض يمكن تلخيصه في الالتزام بالطقوس وتجاهل الجوهر.
فهل المعنى الحقيقي لشهر رمضان هو الامتناع عن الأكل طيلة النهار؟ و هل الهدف من عيد الفطر هو الظهور بأحلى زينة وبتغيير أثاث البيت؟ وهل الهدف من عيد الأضحى هو نحر الأضحية والتهام لحومها؟
لا داعي للإجابة لأنها معروفة، ومع ذلك فإن هذا هو ما يحدث ليظل بذلك جانب المعاملة في الدين، الذي هو نوع من العبادة، غائبا بحدة مع حضور قوي للطقوس والسطحية في التعامل
العدد 92 - الجمعة 06 ديسمبر 2002م الموافق 01 شوال 1423هـ
مرحبا
انا سناء من مصر..المظاهر بالعيد في المغرب تتشابه كثير مظاهر مصر..وتقريبا معظم الدول العربية..حفظ الله مصر وكل دول العرب والمسلمين..امييين يا رب العالمين...
hokoma
oh yes