لعل أهم ما يميز الأيام العشر الأخيرة من شهر رمضان، هو تصاعد استعدادات استقبال عيد الفطر، بما يحمله من فرحة للمسلمين، وقد ختموا صيام رمضان بما فيه من عبادات وعادات، تميزه عن بقية أشهر العام. والسوريون في استعداداتهم لاستقبال عيد الفطر، وفيما يقومون به من أعمال ويمارسونه من تقاليد، يتماثلون مع إخوانهم من المسلمين في البلدان الأخرى، ومثلهم مثل غيرهم تكون لهم خصوصياتهم في تلك المناسبة نتيجة ظروف وعادات وتقاليد، تتداخل، وتميز تفصيلات حياتهم عن حياة غيرهم من المسلمين.
وينشغل السوريون - في جملة ما ينشغلون به خلال الأيام الاخيرة من رمضان - بأمرين مهمين: الأول هو تهيئة حلويات عيد الفطر، وهي كثيرة، لكن أكثرها حضورا في عيد الفطر نوعان: المعمول والمبرومة، وكلاهما مشغول من الطحين والفستق الحلبي والسكر، لكن الاول مشوي بالفرن، والثاني يقلى بالزيت قبل أن يصف في الصواني.
وللسوريين في التعامل مع حلويات العيد مزاجان: أولهما أن بعض السوريين يسعون الى صنع هذه الحلويات في منازلهم، وهم في ذلك، يوفرون التكاليف، ويتحكمون في المواصفات الخاصة بهذه الحلويات من حيث الحجم ومستوى السكر وغيرهما، وبعضهم يشتري هذه الحلويات من محلات بيع الحلويات الشهيرة، والكثير منها صارت له شهرة، تتجاوز حدود سورية الى بلدان عربية وأجنبية كثيرة.
والأمر الثاني من انشغالات السوريين في أيام رمضان الأخيرة، هو شراء الملابس وخصوصا ملابس الصغار، وهو تقليد موروث منذ زمن بعيد، كان يتم فيه شراء الألبسة لمرة واحدة، أو مرتين في العام، وقد تغيرت هذه العادة، لكن الصغار يصرون على شراء ملابس جديدة في العيد، وهذا يجعل الأهالي رهائن رغبات أولادهم، ويمضي الأهل في هذا الاتجاه حرصا على سعادة أولادهم وفرحتهم بالعيد.
كسر ركود الأسواق
ويجعل اهتمام السوريين بتأمين احتياجات العيد من حلويات وملابس وغيرها حركة الأسواق نشطة، ما يخرج الأسواق السورية من دائرة الركود الذي سيطر عليها، وقد ساهم في تنشيط الأسواق قرار الرئاسة السورية بمنح نصف راتب لكل العاملين في الدولة ومؤسسات القطاع المشترك والمتقاعدين، وعددهم في سورية يتجاوز مليونا ونصف مليون شخص، وهذا يعني ان قسما مهما من المنحة البالغة نحو أربعة مليارات ليرة سورية، قد دخل حركة الاسواق السورية في اليومين الأخيرين من رمضان، وجعل حركة البيع والشراء، تأخذ بعدا مختلفا عما كان متوقعا لها.
واذا كانت فرحة العاملين في الدولة والقطاع المشترك بمنحة الرئاسة السورية، هيأت فرصة لسرور خاص بعيد الفطر، فقد جاء التوجيه الرئاسي بشأن قبول كل الاستكتابات على سكن الشباب، ليزيد فرحة قطاع آخر من السوريين، ما يضفي بهجة إضافية على أيام العيد لهذا العام.
تقاليد وتفاصيل وحيثيات
وتقاليد السوريين في أيام عيد الفطر، بسيطة، وتكاد تكون عامة، إذ تبدأ مع صلاة العيد في أول أيام الفطر، يعقبها مباشرة البدء في زيارة الأهل والأقارب، وهي زيارات تتخذ طابع التسلسل طبقا لدرجة القرابة، إذ الآباء والأمهات في المقدمة، ثم الإخوان والأخوات والأبناء والبنات، وتمتد القائمة الى الأقربين من الأصدقاء والجيران، وغالبا ما يتم توزيع تلك الزيارات على أيام العيد الثلاثة.
ولأن كثيرا من السوريين لا يعيشون في قراهم ومدنهم الأساسية التي انحدروا منها، فإنه في الأيام التي تسبق العيد، وفي اليومين الأولين منه، تنشط حركة سفر واسعة بين المحافظات، وبين المدن والقرى وبالعكس، لكن الأهم في تلك الحركة، يكون من دمشق إلى بقية المحافظات، إذ يتمركز أكثر من أربعة ملايين نسمة، يشكلون نحو خُمس السوريين في دمشق، وسفر عدد كبير منهم، يجعل دمشق أقل ازدحاما، ويجعلها تستعيد بعضا من هدوئها المفقود.
ومما يضفي على مناسبة عيد الفطر ملمحا خاصا وفرحة مميزة لهذا العام في القرى والمدن السورية المجاورة لتركيا، أن الحدود بين سورية وتركيا ستفتح أمام الأهالي - من الجانبين - للقاء بعضهم بعضا بمناسبة العيد من دون اتباع الإجراءات التقليدية، وسط تسهيلات اعتمدتها السلطات في تركيا وسورية، وبحسب التقديرات فإن من المنتظر، أن يتم عبور متبادل لمئات الآلاف من السوريين والأتراك في مراكز حدودية تمتد على طول شريط حدودي سوري- تركي يبلغ 1347 كيلومترا، وهذا التقليد بين البلدين، يتكرر للسنة الثانية بعد أن تحسنت بصورة ملموسة علاقات البلدين في السنوات الخمس الأخيرة.
وكما هو رمضان بأيامه الثلاثين، ضيفا طارئا، فإن عيد الفطر بأيامه الثلاثة مثله، ضيفٌ سريعُ الرحيل...ثلاثة أيام، ثم تبدأ آليات الحياة السورية بالعودة الى طبيعتها، تخفّ الحال الاستثنائية في الأسواق، وتغلق الحدود السورية - التركية فتحاتها المؤقتة، ويأخذ الذين سافروا بالعودة إلى أماكن سكنهم، و يرجع العاملون إلى أماكن عملهم، ويعود الزحام والضجيج إلى شوارع المدن الكبرى، وخصوصا دمشق، في إعلان صريح بأن العيد انتهى كما انتهى قبله رمضان، وتختفي وسط الضجيج عبارة «كل عام وأنتم بخير»
العدد 92 - الجمعة 06 ديسمبر 2002م الموافق 01 شوال 1423هـ