العدد 2141 - الأربعاء 16 يوليو 2008م الموافق 12 رجب 1429هـ

الأئمّة: «حُلم الدولة المؤجّل» بين كتم السرّ وقيام الإمام الصادق

عن أبي حمزة الثماليّ قال: سمعتُ أبا جعفر الباقر يقول: «يا ثابتُ، إنّ الله تبارك وتعالى كان قد وقّت هذا الأمر في السبعين، فلمّا أن قتل الحسين صلوات الله عليه اشتدّ غضب الله تعالى على أهل الأرض إلى أربعين ومئة، فحدّثناكم فأذعتمُ الحديث وكشفتم قناع الستر، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتا عندنا، ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب».

كتاب الكافي:1/368

مدينة عيسى - محمّد المخلوق

يؤكّد مرشد الثورة الإيرانيّة السيّد عليّ الخامنئيّ في كتابه «الدروس العظيمة من سيرة الأئمة الأطهار» أن تشديد خلفاء الأمويّين والعبّاسيّين على أئمة أهل البيت (ع) لم ينبع من فراغ، فقد كانت تكليفات «صندوق الإمامة» الفكرية (العلم) والسياسيّة (السلاح) هي ما يؤرّق الأنظمة الحاكمة، إذ هي تعني فيما تعنيه رهانا على نيّة مؤجّلة لإقامة حكومة بديلة، وبالتالي تهيّؤا حثيثا للثورة متى سنحت الفرصة.

ويكشف مؤلّف الكتاب خفايا روايات عدّة تتحدّث صراحة أو تلميحا عن مخطّط لإعلان دولة إسلاميّة في وقت معيّن يتغيّر تكتيكيّا بحسب الظروف، مضافا إلى شواهد تبلغ من الكثرة والوثوق حدّا يؤكّد وجود شبكة منظّمة لـ «دعوة الإمام» في أرجاء العالم الإسلاميّ كلّه. والمرحلة موضع الدراسة التي يتحدّث عنها الكتاب تمتدّ من كربلاء إلى نحو قرنين من الزمان، وتمثل خلاصة عمل كان من المفترض أن يتوّج بثورة بقيادة الإمام جعفر الصادق (ع) الذي وُصف بحسب رواية جابر الجعفيّ بـ «قائم آل بيت محمّد».

وفي بداية الكتاب يوضّح الخامنئي «المفكر - السياسيّ» منهجه بأنه يسعى لاكتشاف المعالم المهمّة لحياة الأئمة المعصومين (في المنظور الشيعيّ) من الأصول العامّة، ثمّ يبحث عن القرائن والأدلة التاريخيّة المتناثرة وغير التاريخيّة للوصول للتفاصيل. وقد استند المؤلّف في بحوثه إلى روايات صريحة عن تخطيط الأئمة لنظام إسلاميّ عادل، مؤكدا أنّ ثمّة غموضا يكتنف السنين الأولى لإمامة جعفر الصادق (أواخر الأمويّين) تسبّب فيه الإعلام الرسميّ، كما أنّ هناك سريّة تطبع تحرّكات الأئمة حفاظا على التنظيم السريّ الذي أعلنت بدايات تشكّله في لقاء اثنين من كبار الشيعة هما المسيّب بن نجبة وسليمان بن صُرَد الخزاعي مع الإمام الحسن عقب الصلح مع معاوية. ويلفت الخامنئيّ إلى أن معلومات أيّ تنظيم سريّ واتصالاته تُكشف بالتفصيل في حالة الانتصار فقط. وتلك المعلومات السريّة تخصّ الحركة التغييريّة التي عكف الأئمة على الإعداد لها فكريّا عبر التربية والتدريس، وعمليّا عبر سلاح التقيّة والتهيئة بكلّ أصنافها، إلا أنّ كشف بعض تلك المعلومات قبل الموعد جعل «وقت الأمر» (الحكومة الإسلاميّة) يتغيّر كإجراء تكتيكيّ (تقيّة).

الكتاب الذي يقع في 254 صفحة ما هو إلا أبحاث ومقالات ألقي بعضها قبل أكثر عشرين عاما، ولربما عنّت لصاحبها - بحسب المترجم محمّد علي آذرشب - آراء جديدة لم يتسنّ الاطلاع عليها، ولكنّها رغم ذلك تحتفظ بقدر كبير من الجديّة وعمق التحليل الذي تحتاج إليه كثير من النصوص التاريخيّة الشيعيّة التي لم تحظَ حتى هذه اللّحظة بدراسة معمّقة منصفة. عنوان الكتاب أعطي توصيفا أخلاقيا يبدو غير منصفٍ ولا مواكبٍ لمضمونه. وقد جُمعت أبحاث الكتاب من مصادر عدّة، فالفصل الأول «قيادة الإمام الصادق» من كتاب صدر في إيران، والثاني «بحث حول سيرة الإمام السجّاد» من مجلة «باسدار إسلام» الفارسية، وبقية الفصول «عنصر الجهاد في حياة الأئمة» و «الإمام الرضا وولاية العهد» و «دروس وعبر من حياة أمير المؤمنين» و «دروس من عاشوراء» من برنامج كمبيوتري عن كلمات وكتابات الخامنئيّ.

وفي النهاية يبقى التأكيد على جديّة الطرح الذي حواه الكتاب، وهو بحقّ يعدّ شرارة ينبغي أن تلفت إليها الدراسات الأكاديميّة لتعطي هذا التاريخ المهمّش دوره المفترض من غير استبعاد لنصٍّ تاريخيّ لم يكتب بيد السلطات، فلربما يكون هو الحقّ والمعبّر.

العدد 2141 - الأربعاء 16 يوليو 2008م الموافق 12 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً