كُتب عليهم عيش المعاناة منذ الصغر، إذ أحسوا بألم مرضهم في عظامهم الصغيرة التي مازالت إلى الآن تشكو هذا الألم فهو مازال يسري في عروقهم ولعله يستمر إلى الأبد، إنهم مرضى السكلر (فقر الدم المنجلي) الذين صرخوا منذ سنين طويلة باحثين عن استشاري متخصص في السكلر يستطيعون اللجوء إليه، إلا أن النتيجة كانت إهمال الجميع لهم فالمجتمع أعلن أنه تخلى عن هؤلاء المرضى وكأن ليس لهم الحق في العيش.
مرض السكلر معاناة تجسدت في العديد من المواطنين وخصوصا أن عدد المصابين بالمرض بلغ 18 ألف مصاب وأما الحاملون إلى المرض فبلغ عددهم 60 ألف مصاب.
«الوسط» حاورت ثلاثة مصابين بمرض السكلر عانوا في حياتهم الدراسية وعانوا عندما كانوا يبحثون عن عمل، المريض الأول حميد مرهون وهو مصاب بالسكلر وأمين سر جمعية السكلر، أما المصاب بالثاني فهو عيسى خليل وهو نائب رئيس جمعية البحرين لمرضى السكلر، والمريضة الثالثة إيمان سبت.
سنوات المرض وتأثيره على حياتهم
يقول مرهون: «في المرحلة الابتدائية لم أعرف معنى مرض فقر الدم المنجلي إلا أنه خلال المرحلة الإعدادية وبالتحديد عندما كنت في الثالث الإعدادي بدأت أعاني من المرض، إذ وصل بي الأمر إلى أن أقدم بعض الامتحانات في المستشفى واستمر الحال إلى المرحلة الثانوية».
وعن معاناته خلال المرحلة الجامعية، قال: «إن معاناة مرضى السكلر تكون من جميع الجوانب إلا أن معاناتي اشتدت خلال المرحلة الجامعية، فإلى جانب المرض كنت أعاني من المعاملة في جامعة البحرين، إذ إن الجامعة لا تعامل مريض السكلر معاملة خاصة وهنا تكمن بداية المشكلة، ففي أحد الفصول كان مرحلة المرض شديدة معي، ما جعلني أفكر في الانسحاب بدرجة WE وفي قسم التسجيل أخبروني بأنه لابد مراجعة اللجان الطبية بشرط أن أوقع تعهدا بأن أقدم جميع الامتحانات وأن أحضر جميع الفصول وذلك حتى يتم السماح لي بإعادتها في الفصول المقبلة».
وقال «إن هذا ما حدث، فقدمت جميع الامتحانات حتى جاء اليوم الذي كان من المفترض فيه أن أقابل فيه اللجان الطبية، إذ تم إخباري من قبل اللجنة بأنه لا يمكن أن أقدم الامتحانات في الوقت الذي تم إلزامي من قبل قسم التسجيل بتقديم الامتحانات عن طريق توقيع تعهد اختفى عندما وصل الأمر عند اللجان الطبية، ما أحدث مشادة كبيرة بسبب عدم التنسيق بين قسم التسجيل واللجان الطبية، والأمر كان معقدا خلال المرحلة الجامعية، ما اضطرني إلى أن انسحب من الجامعة انسحابا كليا وخصوصا مع عدم مراعاة الجامعة لمرضى السكلر وها أنا الآن أدرس في جامعة خاصة والحال أفضل».
وعن حال باقي زملائه من مرضى السكلر في الجامعة، قال: «أنا الآن لا أبحث عن حل لنفسي وإنما الحل الذي أبحث عنه هو للجيل المقبل، إذ إنه لابد أن تتم معاملة مريض السكلر معاملة خاصة في الجامعة وخصوصا أن المصابين بمرض السكلر نسبتهم كبيرة فالعديد ممن أعرفهم أنهوا الدبلوم في خمس سنوات والسبب مرض السكلر الذي أعاق دراستهم».
أما نائب رئيس الجمعية عيسى خليل وهو مصاب بالسكلر فقال: «بدأت ملامح المرض تظهر عندما كنت في بلغت 18 عاما، إذ بدأ الألم وأصبحت انفعاليا وعندما علمت بأني مصاب بالسكلر بدأت أختفي عن نظرات الوالدين وخصوصا بعدما فقدت أخي جراء هذا المرض فكنت أخفي نفسي عنهما حتى لا يشعران بالألم فضلا عن أني كنت أخاف على نفسي من المستشفى وذلك خوفا من أن يحدث لي ما حدث إلى أخي الذي توفى بسبب إهمال طبي في العام 1995».
وعما إذا كانت زوجته مصابة أو سليمة قال: «حرصت على أن تكون زوجتي سليمة حتى تكون نسبة إصابة أبنائي أقل إلا أنه ولله الحمد أثبت الفحص الذي أجريته لابني وابنتي أنهما غير مصابين ولا يعانيان من مرض السكلر إلا أني مع ذلك مازالت أخاف فأنا لا أتمنى أن يعاني طفلاي مثلما عانيت ففي كل لحظة وكل ثانية أخاف فيها... حتى وصل بي الأمر إلى أن لا أنام في المساء وخصوصا عندما يعاني أحدهم من ألم في يده أو عضلاته».
من جهتها، أشارت المصابة بالمرض إيمان سبت إلى أن «إصابتي بالمرض لم تكن منذ فترة طويلة، إذ اكتشفت المرض منذ فترة بسيطة».
وعن مدى تأثير المرض على حياتها الجامعية قالت: «إن تأثيره كبير جدا، إذ أضطر في بعض الأحيان إلى أن أتغيب عن المحاضرات والامتحانات وذلك بسبب المرض الذي يجعلني حبيسة المستشفى لعدة أيام».
عمل مرضى السكلر مُحرم
وفي هذا الجانب، قال مرهون تعليقا على ما إذا كان مريض السكلر يستطيع الحصول على عمل: «إن وزارة العمل لا تستطيع توفير عمل لنا، لأنها تعتبرنا معوقين لذلك تحولنا إلى وزارة الشئون الاجتماعية التي ترفض أيضا التعامل معنا، مؤكدة أننا لسنا معوقين وأما الشركات الخاصة فهي لا تملك الرغبة في توظيفنا، إذ إن المصاب بالسكلر في أوقات قليلة يكون غير قادر على العمل بسبب دخوله في النوبة لذلك فإن العديد من الشركات تتهرب عن توظيف مرضى السكلر، إذ إنه لا توجد شركة تود توظيف مريض السكلر بسبب أنها لا تود أن تتوقف أعمالها».
وعقبت سبت بالقول: «إن البحث عن عمل صعب على مريض السكلر، ففي يوم عالم المهن الذي تنظمه جامعة البحرين قمت بتوزيع أوراقي على المؤسسات كافة وكلها اتصلت بصديقاتي إلا أنا لم أتلق أي اتصال، وعلى رغم أن معدلي مرتفع فإن المانع هو إصابتي بالسكلر».
وأضاف خليل في هذا الجانب: «أملك مشروعي الخاص، وذلك بسبب إنه لا توجد مؤسسة تسمح لمريض سكلر بأن يعمل لديها لأنه لا توجد مؤسسة تريد أن يتوقف عملها إذ إن مريض السكلر يتوقف عن العمل في بعض الأحيان، إلا أنه على رغم امتلاكي مشروعي الخاص فإنه في أوقات كثيرة عندما أكون في النوبة أكون قلقا على مشروعي فمن سيدفع الإيجار ومن سيقوم بباقي الأعمال إذا كنت في نوبتي».
مرضى السكلر: «الصحة» متهمة في قاموسنا
وفيما يخص كيف تتعامل وزارة الصحة مع مرض السكلر، أوضح مرهون أن كل مريض سكلر يشكو من الوزارة، فالأمر يبدأ من عدم وجود بروتوكول متفق عليه في الوزارة لذلك فإن الأمر أشبه بالكارثة، فكل طبيب يشخص المرض ويصف الدواء بمزاجه إضافة إلى أنه لا يوجد طبيب متخصص في المرض.
وأضاف أن «المعاملة التي نريد أن نحظى بها لا نحصل عليها فنحن في وجهة نظر الأطباء مدمنون على رغم أننا لسنا كذلك فمريض السكلر لا يدخل كل يوم إلى المستشفى حتى يحصل على إبرة المورفين، فأحيانا يمر أكثر من شهر ولا يحتاج فيها المريض إلى هذه الإبر وهذا لا يجعله مدمنا إضافة إلى أن المريض ليس هو من يصف الدواء لنفسه بل الطبيب فإذا كان المريض مدمنا على هذه الإبر فهذا يعني أن الطبيب هو الذي جعل المريض مدمن فهو الذي يصف له العلاج».
أما عن اتهام مرضى السكلر إلى الأطباء بالتقصير وعدم إلمامهم بمرض السكلر فأكد مرهون أن هذا صحيح قائلا: «منذ بدأ الأطباء بإطلاق اسم مدمنين على مرضى فقر الدم المنجلي بدأ معه التقصير، فالطبيب ليس له الحق بإطلاق هذه الأحكام على المرضى وخصوصا مع عدم فهم الأطباء معاناة مرضى السكلر، إضافة إلى أن العديد من الأطباء يتبعون سياسية مجهولة، فعندما ينام المريض في المستشفى فكل طبيب يعطي عدد إبر مختلفة عن الطبيب السابق ليأتي طبيب آخر ليقوم بإعطاء عدد مختلف من الإبر، ولا يقتصر الأمر على الأطباء حتى بعض الممرضات يجهلن كيف يتعاملن معنا، ففي بعض الأحيان يصف الطبيب عددا من الإبر في الوقت الذي ترفض الممرضة إعطاءنا باقي الإبر، إلى جانب أنه في إحدى المرات قام أحد الأطباء بتكذيبي عندما قلت له إن أعاني حساسية من أحد الأدوية، وفي الوقت الذي طلبت فيه أن يقوم بقيام عمل اختبار للحساسية أكد لي أنه لا داعي، علما بأنه بالفعل لدي حساسية».
وأضاف «إن المشكلة الأساسية هي عدم وجود طبيب متخصص يعرف تاريخ مرضاه، فكل طبيب يشخص على طريقته الخاصة».
ونوه مرهون إلى أن تغير الأطباء وتغير الممرضين أثناء الدوام وكثرة التحولات التي يعاني منها المريض هي من أهم ملامح التقصير التي يعاني منها مريض فقر الدم المنجلي.
وعقب خليل «إن الأطباء في مجمع السلمانية الطبي لا يتعاملون معنا بالطريقة المناسبة ليس جميعهم ولكن أغلبهم فليس هناك طبيب متخصص وكل طبيب يوصف الدواء حسب رغبته، فطبيب يصف دواء معينا ليأتي طبيب آخر ويلغي ما قاله الطبيب الأول حتى أصبحنا لعبة في يد الأطباء، إضافة إلى أنه لا يوجد طبيب يشخص الألم ما يزيد من حدة المشكلة، فأغلب الأطباء لا يستطيعون تشخيص الألم بسبب أنهم غير متخصصين في مجال فقر الدم المنجلي أو حتى في أمراض الدم الوراثية».
ويضيف «في إحدى المرات كنت أتناول طعامي وإذا بالطبيب أتى ليفحص ملفي بدون أن يتكلم معي وبعدها خرج وأتت الممرضة لتؤكد لي أنه تم ترخيصي على رغم أن الطبيب لم يفحصني ولم يسألني ما إذا كنت أعاني من ألم أو لا ما دفعني إلى التأكيد أن ملفي الطبي تم فحصه ولم يتم فحصي أنا».
ويواصل حديثه «إن المعاملة في مجمع السلمانية قاسية جدا، فجميع مرضى السكلر يعاملون على أنهم مدمنون على رغم أنهم ليسوا بمدمنين، فأحيانا يمر عام كامل لا يدخل فيها المريض إلى المستشفى».
وأكد خليل أن العديد من المرضى يعانون من الإهمال بسبب كثرة التحويلات من قسم إلى قسم، فتارة يحول مريض السكلر إلى جناح الأورام، وتارة إلى جناح الكسور، وتارة إلى جناح الجراحة، ما سبب مضاعفات إلى بعض المرضى، مشيرا إلى أن كثرة التحويلات تؤثر على المريض، ففي الوقت الذي كان على مريض فقر الدم المنجلي التواجد في قسم الأورام كان على هذا أن يتحمل مريض السرطان الذي يصرخ من الألم الأمر الذي كان يؤثر على نفسية المرضى.
وأكدت سبت «عندما أدخل إلى المستشفى أعامل بطريقة مختلفة عن المعاملة التي من المفترض أن أتلقاها، ففي إحدى المرات توجهت إلى المستشفى في فترة المساء وحصلت على السرير في الساعة الواحدة وفي الساعة 10 صباحا جاء قرار بترخيصي على رغم أن الطبيب لم يكشف عليّ، رفضت الخروج وإذ به يخبرني بأنه إذا بقيت في المستشفى ستكون نسبة الإبرة قليلة وبأنه عليّ الانتظار حتى يأتي طبيب الباطنية الذي لا يأتي بسهولة وهذا الحدث تكرر معي أكثر من مرة، فإذا أردوا صرفي من المستشفى أراهم يقولون إذا ذهبتي إلى المستشفى سنعطيك إبرة قوية وإذ جلستي لن نعطيك شيئا، وفي إحدى المرات اتهموني بأني أريد المبيت في المستشفى وأنه ليس هناك داعٍ في الوقت الذي كنت من المفترض أن أقدم امتحانات نهاية الفصل في الجامعة ولم تكن لي رغبة في التغييب».
وعلى سياق متصل أوضحت سبت أنه في حال توجه المريض إلى دورة المياه لمدة دقيقة وأتى الطبيب ولم يره فإنه يتم ترخيصه، وإذا تحدث المريض في الهاتف ورآه الطبيب فإنه يتم ترخيصه، وإذا كان يأكل فطوره ورآه الطبيب أيضا يتم ترخيصه، مشيرة إلى أنه على مريض السكلر تأجيل كل شيء حتى لا يراه الطبيب ويقوم بترخيصه.
وعما إذا كانت المعاملة التي يتلقاها مريض السكلر في مجمع السلمانية تختلف عن المعاملة التي يتلقاها في العيادات الخاصة فأكد كل من مرهون وخليل ذلك إذ قال مرهون: «إن المريض الذي يتوجه إلى العيادة الخاصة في السلمانية يعُامل بطريقة مختلفة فهو يحصل على عدد أكبر من الإبر، إضافة إلى أنه يكون صديقا للاستشاري، فضلا عن أن إقامته يكون مرحبا بها، في الوقت الذي يطرد فيه مريض السكلر غير القادر إلى دفع تكاليف لعيادة خاصة إذ إن هذا المريض ما أن يتوجه إلى المستشفى في الصباح حتى يتم طرده أثناء الليل، ففي كل لحظة يأتي الطبيب ليؤكد لي أنه تم ترخيصي وكأني أصبحت ثقلا على المستشفى».
وأوضح خليل أن «هناك بعض المرضى الذين كانوا يزورن بطاقاتهم وكانوا يحصلون على أكثر من إبرة في اليوم الواحد وبعد أن تم كشفهم كان من المفترض أن يتم اتخاذ إجراءات قانونية معهم إلا أن النتيجة كانت عكس ذلك، فهم يتعاملون مع العيادة الخاصة ويحصلون على أفضل الخدمات وعلى أفضل الأدوية في الوقت الذي ينتظر فيه مريض فقر الدم المنجلي الذي يتعالج في السلمانية لأكثر من ساعة حتى يحصل على سرير وينتظر أكثر من يوم حتى يحصل على دوائه».
فحص ما قبل الزوج
بإمكانه أن ينقذ العديد
وأكد خليل أن فحص ما قبل الزواج بإمكانه أن ينقذ الأجيال المقبلة، إلا أنه أحيانا يحكم القلب أكثر من العقل قائلا: «إن العديد من المرضى المصابين بفقر الدم المنجلي يتزوجون مرضى مصابين أيضا بدون أن يتفهموا الخطر المحدق على أبنائهم (...) العديد من الحالات رأيناها من ضمنها كانت طبيبة وطبيب تزوجا وهما مصابان إلا أننا لم نستطع منعهما على رغم معرفتهما بالخطر الذي سيلحق بهما، إضافة إلى أن هناك أسرا تفككت بسبب أن الزوج مريض يرقد في المستشفى طوال الوقت والزوجة مريضة والطفل عند جدته فكانت النهاية هي الطلاق».
بطاقة لكل مصاب وحامل للمرض
وأعلن خليل أن الجمعية حاليا ستطرح على وزارة الصحة أن تكون هناك بطاقة خاصة لمرضى فقر الدم المنجلي وهذه البطاقة تحمل اسم المريض، رقمه السكاني، إضافة إلى فصيلة دمه والأدوية التي تسبب له حساسية واسم الطبيب المعالج، مشيرا إلى أنه سيتم عقد مؤتمر بين الجمعية ووزارة الصحة لمعرفة سبب الإهمال والقصور الذي نتج عن موت عدد من مصابي بمرض السكلر.
العدد 2143 - الجمعة 18 يوليو 2008م الموافق 14 رجب 1429هـ