العدد 2505 - الأربعاء 15 يوليو 2009م الموافق 22 رجب 1430هـ

زكريا رضي يرصد «المتكأ» عابرا من الافتراض إلى الواقع

بمركز عبدالرحمن كانو الثقافي

أقام مركز عبدالرحمن كانو الثقافي أمسية استضاف فيها مؤسسي ومشرفي وأعضاء موقع المتكأ الثقافي الإلكتروني، وقدم خلال اللقاء الناقد زكريا رضي ورقة قرأ من خلالها تجربة المتكأ الثقافي وعبوره من المستوى الافتراضي الإلكتروني إلى إشهاره على أرض الوقع.

وخلال الأمسية قدمت مشرفة الموقع جليلة السيد كلمة عبرت فيها عن رحابة المتكأ ليصبح مكانا ضافيا للتواصل الثقافي «متكأ لن يكون شجرة وحيدة تنتظر موسمها لتعطي ثمارها للأحبة، نظرتنا أبعد من ذلك... ونجدها فرصة سانحة نجدد الدعوة لأن نكون غابة بدلا من أشجار متفرقة، في الغابة الثقافية _ إن صح القول _ لا ينتظر أحد موسما لشجرة بعينها؛ لأنه سيجد الثمر على مدار العام، ومتكأ يسعى لأن يكون وجهتكم وملاذ كل المراكز والمؤسسات الثقافية... متكأ هذا الوطن الخليق به أن يسكن يتسع ويسعد بكم باختلافكم وهو واجهتكم التي يطل عليها الآخرون فساعدونا بمنح صورة تليق بجمال إبداعاتكم «وبعدها قدمت يثرب العالي شهادة أخرى اتسمت بلغة إبداعية أخاذة.

وقدم عبدالعزيز الموسوي مشرف المتكأ الثقافي نماذج لمواهب شبابية من مرتادي الموقع ومشاركاتهم الأدبية أمام جمهور الملتقى، فقرأ محمد شبر قصيدته «كف البؤس» ثم أعقبه محمد عبدالعزيز بحوارية بين حبيبين ثم قصيدة «أعرف الحب» لثواب الشهابي، وكان هناك مجموعة من المداخلات المشيدة بالموقع والمعجبة بحضوره وألقه وتفتحه وأعقبها حوارت مختلفة حول تمويل المتكأ ومدى رحابتة واتساعه للأخر ومدى قربه أو بعده من الأيدليوجيا وأهم ملامح هويته الثقافية.

وقرأ زكريا رضي في ورقته مسألة رقمية الثقافة بوصفها ضرورة معرفية مشيرا إلى أن التحول باتجاه الثقافة الآلية، عبر شاشة النت وأجهزة الحاسوب باتت ضرورة ملحة، لا بما يلغي الدور الورقي والمطبوع أو يهمشه بل بما يكمل ذلك الدور ويفعله. ولذلك يمكن العبور إلى (المتكأ) وولادته من هذا الباب، وهو تحديدا الطفرة الإلكترونية التي أحدثتها الثورة المعلوماتية، وامتداد (شبكة المعلومات العالمية) الإنترنت إلى كل بيت وكل حجرة، العالم أصبح اليوم تحت مرمى زرّ واحد. وأضحى كما يعبر عنه بالقرية الكونية. سريعا ما تمكن (متكأ) أن يتحوّر ويتمدد، معتمدا على تلك الإمكانيات والعتاد العائل الذي يمكن أن تصنعه شاشة الحاسوب في خلق مجتمع تفاعلي عبر لغة ثالثة ليست اللغة المرقومة كتابيا ولا هي بالشفاهة المباشرة لفظيا. هنا تمكن (متكأ) من الارتكاز على البيئة الإلكترونية، مفعلا أدواتها وجاذبا لشريحة من الكتاب والنقاد والهواة، كما أنه استطاع أن يدير تلك البيئة بما يجعل منه مجتمعا افتراضيا مصغرا يوازي المجتمع الأكبر.

وبين رضي أن نقطة التحدي التي واجهت (متكأ) واستطاع أن يعبرها بنجاح حتى هذه اللحظة هو قدرته التامة على الإبقاء على حيادية الخطاب الثقافي العام والأدبي بشكل خاص بعيدا عن التجاذب الفئوي أو الشخصي أو المذهبي أو الديني أو غيره من التعالقات الاجتماعية المعتمدة على مكانة الفئة في مقابل المجموع، والمصالح الفردية في مقابل الحس الإنساني المشترك. توجد في الخطاب الثقافي (متكأ) أنسنة عامة، بقي (المتكأ) حتى هذا الوقت مخلصا لها ولحدودها في التشارك وفي دفع القول بالقول، والحجة بالحجة، والرأي بالرأي، ولكن بما يحفظ لكل حقه وخصوصيته. وليست الأنسنة بدعة من البدع، يجترحها المتكأ وينفرد بها، بل هي حقيقة وجوهر الفعل الإبداعي والقول الأدبي، كلما توغلتَ في اللغة والكتابة مشيتَ (خارج التقويم) بتعبير الشاعر قاسم حداد، توغلُ في المطلق، وتكسر أبعاد الزمن. وكلما كتبت باسم فئتك أو مذهبك أو إيديولوجيتك تحجّمت، وتفصّلت، بمقاسك أنت لا بمقاس الكتابة، وإلا من يدلنا على مذهب أبي تمام أو البحتري أو المتنبي أو أبي العلاء، ومن منهم تكلم أو أشعر يوما باسم مذهبه أو فئته ولو فعل أحد منهم ذلك لمات تاريخُه واندثر. فإن بقي (المتكأ) وفيا لأنسنة خطابه بعيدا عن أية شخصنة فسيبقى ناجحا وأكثر قبولا وانتشارا.

وعن قراءته لعبور المتكأ من المستوى الافتراضي إلى الواقعي أشار رضي إلى أنه درجت التسمية أو الوصف بالعالم الافتراضي بإزاء العالم الواقعي، وهو العالم الذي ينشأ من بناء العلاقات الاجتماعية والإنسانية عبر مجتمع النت، وهو عالم على ما فيه من قدرة كبيرة على امتصاص احتقانات الواقع فإنه بالقدر نفسه قادر على تعبئة هذا الواقع وشحنه وتحريضه أحيانا، وما أكثر تلك المواقع الافتراضية التي تقوم بهذه المهمة. إلا أن (المتكأ) لم يحبس نفسه في الافتراض فحسب بل تعدّى ذلك للدخول في شراكة ثقافية ومجتمعية عبر بوابته الافتراضية. وبأجندة يمكن أن توصف بأنها بالغة الذكاء والحرفية تمكّن (المتكأ) من بناء قاعدة من الأتباع والمريدين، متدرجا من خطوة التأسيس والإشهار ثم جذب الأعضاء، ثم التوسع لكسب أعضاء جدد عبر الإعلان المستمر في البريد الإلكتروني، تلا ذلك الدخول إلى مجتمع الواقع، بالتغطيات المستمرة للفعاليات الأدبية والثقافية لشتى المؤسسات الثقافية في البحرين، ثم إقامة المسابقات الكتابية ومنها مسابقة القصة القصيرة وصولا إلى الإصدارات الأدبية.

وتنبأ رضي عبر رصده (المتكأ) بأنه يسير نحو ولادة مؤسسية قادمة - وهذا حدس لا أكثر إذ يتمكن (المتكّأ) حينها أن يشهر نفسه كمؤسسة أدبية ثقافية مستقلة، وليس ذلك قراءة للغة العيون... بل هي استقراء لما وراء السطور، وما خلف أكمة العنوان. ولا أجدني حرِجا أمام نقلة مؤسسية كهذه إن وقعت، فمجتمعٌ جغرافي صغير كمجتمع البحرين، يفرخ كل تلك الجمعيات السياسية والتيارات المتعددة، عليه أن يتوالد ويستنسخ ثقافيا وأدبيا، وليكن نكاحا أدبيا وتناسلا إبداعيا يوازي النكاح البيولوجي والتكاثر الحيوي.

وأضاف رضي أنه بدا جليا أن (المتكأ) اعتمد آليات العمل الإعلامي نفسه الذي تقوم به الصحف اليومية، من عمل التغطيات بلغة صحافية محترفة، إلى الحوارات المتعددة، إلى إثارة المحاور المختلفة والجدلية أحيانا، مع فتح الحوار لكل من يريد أن يسهم في إبداء رد أو رأي، واستطاع أن يعتمد في تغطياته على سرعة نقل الحدث بصوره، ما فاجأ أحيانا بعض الصحف بهذا السبق، في عمل إعلامي أهم فيه السرعة في نقل الحدث. بل استطاع (المتكأ) في بعض قضاياه المثاره، أن يجعلها مادة إثارة صحافية لبعض الملاحق الثقافية التابعة للصحف المحلية، كل ذلك يشير إلى قدرة (المتكأ) الإعلامية على تحريك وإدارة الملفات الثقافية بحرفية إعلامية تتوخى تحريك الواقع الثقافي للمؤسسات الثقافية الأهلية وللشأن الثقافي بشكل عام. قد يُوجِد (المتكأ) بنشاطه الإعلامي هذا مساحة من الاحتكاك والتماس مع الصحف والملاحق المتخصصة في الشأن الثقافي، وقد يكون لهذا التماسّ تبعاته التي تدفع بخطوط التماس الأخرى إلى مواجهة هذا المدّ، إلا أن ذلك لا يعدّ مؤشر قلق بقدر ما سيكون - إن وجد - مؤشر عافية على أن (المتكأ) قد عبر حاجزه الافتراضي إلى التأثير المباشر في الواقع اليومي نفسه، وتحولت الحروف والكلمات إلى لغة تستوعب تفاصيل الحدث الثقافي والإبداعي لا أن تقرأه فحسب.

وفي نهاية ورقته قدم رضي توصيات للمتكأ أكد فيها على إلا أن الملمح الأكبر شأنا هو في قدرة (المتكأ) وهو ما يعول عليه اليوم ومستقبلا على تأهيل صفوف احتياطية ثالثة ورابعة إلخ، تحاول أن تكون صفا أولا أو ثانيا في التصدي للشأن الثقافي والإبداعي البحريني، وهي إلى جانب ذلك مطلوبٌ منها عدم القفز على المراحل، والاستفادة والتتلمذ على جيل الرواد من الكتاب والنقاد الذي قطعوا شوط التجربة بعتادهم وعدتهم، وصار بإمكانهم نقل خبراتهم وتجاربهم إلى الأجيال الصاعدة أو اللاحقة. وتابع (من دخله العجبُ هلك)، ومطلوب من المتكأ أن لا يقع في (كمين) الأنا المتضخمة التي مثلما تتضخم في الفرد قد تتضخم في المؤسسة، وأن يشكل أناه وفق هويته ومساره الذي ارتضاه، أن يكون مرجع (الأنا) هي تلك الهوية التي عجنها المتكأ بيديه، حتى اللحظة فلا خوف على أن تنقلب تلك (الأنا) على (الهوية) فتزيحها لتحل مكانها، فتتشخصن وتتجبّر وتتفرعن، بل إن (المتكأ) يسعى دائبا لأن يصهر الأنا في المجموع ويذيبها في الكل، ولكن يبقى له أن يعزز هويته أمام الهويات المتباينة، وأن يتصارع معها صراع وجود لا صراع بقاء فهذا من حقوقه الثابته، وأن يدفع بصفوفه الخلفية القابعة في العالم الافتراضي إلى أن تتماس وتحتك ميدانيا وعمليا بالمؤسسات الأهلية الثقافية، تواجدا وتفاعلا فإن ذلك من شأنه أن يثري تجربة الأعضاء ويوسع من مداركهم الثقافية والفكرية ويجعلهم أكثر إلماما بمفردات الخطاب الثقافي العام.

العدد 2505 - الأربعاء 15 يوليو 2009م الموافق 22 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:52 ص

      شكر

      مشكوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو

اقرأ ايضاً