العدد 2257 - الأحد 09 نوفمبر 2008م الموافق 10 ذي القعدة 1429هـ

ثمة حسناء تعبر الميدان

لقد تجاوزت الستين... هل تقلقك الشيخوخة؟

آه، أجل. عمري 64 عاما... أكرر هذا مرارا لأقنع نفسي به، مع ذلك أواظب على الإنصات بأذني الباطنية لأعلم إن تغيّر شيء، أو أصابه الصدأ أو العطب. باختصار، لأسمع ما يشعر به ويفكر فيه شخص بلغ الرابعة والستين.

عندما جئت إلى روما لأول مرة، سكنت في نزل، وكان جاري عاملا في الأربعين تقريبا لكنه يحاول جاهدا أن يبدو أصغر سنّا، فقد كان يذهب إلى الحلاق يوميّا، ويستخدم كمادات وطلاء لشد بشرة الوجه. وفي أيام الآحاد كان يقضي كل وقته في الفراش، وقبل أن ينام، يضع شريحتين من اللحم النيئ على خديه ويثبتهما برباط مطاطي. وفي الصباح، غالبّا ما كنت أراه يخرج من غرفته مرتديا الروب، يغلق الباب، يقف بلا حراك لعدة ثوان ممسكا بمقبض الباب، ثم فجأة يعيد فتح الباب ويقحم رأسه داخل الغرفة.

هذه الحركة كانت تثير فضولي، فسألته يوما عن السبب الذي يجعله يفعل ذلك. في البداية بدا أنه غير راغب في إخباري، لكن بعد حين نظر مباشرة في عينيّ وقال إنه بإقحام رأسه على نحو مباغت وسريع، بعد إغلاق الباب للحظة، إنما كان يحاول أن يكتشف من خلال الشم ما إذا كانت هناك رائحة شيخوخة عالقة في الغرفة. بعد ذلك دعاني لأن أتحقق بنفسي. فتح الباب على مهل وقال: «تنشق... هل تشم نتانة رجل عجوز؟».

في كل مرّة أغادر غرفة نومي أتذكر ذلك الشخص. حتى أنني جربت نظريته أكثر من مرّة، حيث كنت أفتح بابي فجأة، مباشرة بعد مغادرتي للغرفة، أطل بالدَّاخل، أتشمم وقلبي يخفق بشدّة.

سيمون دي بوفوار كانت محقة تماما حين قالت: «الشيخوخة تمسك بك على نحو مباغت». حتى وقت قريب، كنت الأكثر شبابا في أي تجمع، أي ملتقى، أي حفلة عشاء. كيف حدث أن أصبحت في غضون ساعات قليلة - لنقل في يوم أو أسبوع - الأكبر سنّا؟ مع ذلك لا أشعر أنني تغيرت حتى ولو قليلا... ربما أعاني بعض الشيء من الأرق، القليل من الهفوات في الذاكرة، إحساس بعدم الرغبة في شيء، حيث أضطر في الخامسة مساء إلى إلغاء مواعيد السهرات والحفلات التي خططت لها صباحا.

لو تعيّن علي، كمخرج، أن أقدم على نحو واقعي شخصية رجل في الرابعة والستين، فسوف أنصح الممثل بأن يسير مطأطئ الرأس، محني الكتفين قليلا، وأن يسعل بين الحين والحين، وأن ينظر بعينين نصف مغمضتين، وأن يضع يدا مرتجفة على أذنه... مثلما كنت أفعل مع صديقي كاتب السيناريو إنيو فلايانو قبل 30 سنة عندما كنا نستمتع معا في الحديقة العامة ونهرّج متظاهرين بأننا عجوزان، فنغازل الفتيات ونبدي إعجابا صبيانيا بهن. أما بنيللي، الذي سيصبح مخرجا في المستقبل، فيراقب ويضحك، لكن قليلا، لأنه كان يكبرنا سنا.

لكن لماذا نبدأ حوارنا بهذا السؤال؟

هذه السلسلة من الكتب تعنى خصوصا باللقاءات المطوّلة مع السياسيين والكتّاب والفلاسفة والمفكرين والعلماء... أنت أول فنان سينمائي يقع عليه الاختيار لهذه السلسلة... بِمَ تشعر وأنت في صحبة هؤلاء؟

أشعر بأنني خارج حقلي. أشعر بالارتياب وعدم الاقتناع. قد يبدو هذا ضربا من التظاهر بالتواضع الزائف، لكنه ليس كذلك.

لا يبدو لي أني تغيرت كثيرا عما كنت عليه في السابعة عشرة من العمر وقتما كنت أنغمس في الحياة بفضول ولهفة، إن لم يكن بطيش، مؤجلا إلى اليوم التالي استشراف الحياة بجدية ومسئولية أكبر.

حتى هذه اللحظة، يبدو لي حاضرا وحقيقيّا، على نحو مخجل، ذلك الإحساس الذي ينتابني وأنا أنتظر بتوق شديد صوت الجرس معلنا نهاية اليوم الدراسي. كانت هناك دروس مبهجة أحيانا، لكنني كنت أفكر: ترى ماذا يحدث، لحظة جلوسي في الفصل، هناك في الخارج، في الميدان أو على الجسر أو في سوق السمك أو على ضفَّة النَّهر؟ كنت دائما أشعر أن في غيابي تقع أحداث ولقاءات وقصص آسرة واستثنائية.

حتى في هذه اللحظة، وأنا أجلس معك يا سيد جرازيني، لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير بأن ثمة امرأة باهرة الحسن سوف تعبر ميدان سان سلفسترو في هذه الدقيقة... لم لا نذهب إلى هناك ونرى بدلا من الجلوس هنا وإدارة الحوار معي؟ ما جدوى كل هذه الشعائر المملة من الأسئلة والأجوبة؟

لأنهم لم يخترعوا بعدُ وسيلة أفضل للنظر داخل مستودع الفنان... والمرء لا يسأم أبدا من التنقيب في مستودعك...

ربما لاحظت أنني أثرثر بحرية لمدة نصف الساعة بعد كل سؤال، لذا فإن ما سوف أخبرك به الآن قد يشي بالتناقض.

في الحقيقة أنا لا أعرف أبدا ما هو الشيء المناسب الذي ينبغي قوله، ذلك لأنني لست واثقا من حقيقة وطبيعة هذا الذي أنت تحاوره. ما أعنيه هو أن المظهر الأكثر إرباكا وتعقيدا وازدواجية لأي مقابلة هو واقع أن الشخص الذي تحاوره لابد أن ينتحل كينونة شخص آخر، شخص يعرف كل شيء، يمتلك أفكارا كونية ورؤية ثاقبة للعالم... شخص يستطيع أن يتكلم بثقة عن الوجود والدين والسياسة والحب وحمالة البنطلون.

شخصيّا، ليست لدي أفكار كونية، وأعتقد أنني أكون في حال أفضل عندما لا أمتلكها. ولهذا أشعر بالقلق والاضطراب في المقابلة التي تقتضي مني التعبير عن كل تلك الأفكار.

مع تقدمي في السن، تقل حاجتي إلى فهم - بمعنى عقلنة - صلتي بالواقع... على الأقل هذا ما أشعر به. أنا لا أرجو أن أنظم العالم. والقليل مما أريد قوله، حين يتعيّن علي ذلك، أحاول أن أنقله في أفلامي التي أستمتع كثيرا بتحقيقها. هكذا سترى أنني لن أجيب على الكثير من الأسئلة، وإذا فعلت فسوف أختبئ وراء قصص قصيرة وعادية أخترعها في اللحظة.

وعندما تنهي هذا الكتاب، سوف أرغب في مراجعته، تصحيحه، أن أشطب أسئلة وأجوبة وأعيد كتابتها، وربما سأحاول أن أمنع نشر الكتاب.

إننا نواجه زمنا بائسا، مخيبا للآمال، غاضباَ، مشاكسا. وربما نتخاصم - أنا وأنت - ولن يكلم أحدنا الآخر... حسنا، لنواصل حديثنا.

على طاولتك أحصيت 129 قلم حبر جاف، 21 قلم رصاص، و18 قلما من نوع آخر... عدد هائل من الأقلام.

لدى شروعي في تحقيق أي فيلم، أقضي الجزء الأكبر من وقتي جالسا خلف المقعد، وكل ما أفعله أثناء التفكير في الفيلم هو أن أتسلى برسم الأثداء والمؤخرات. إنها طريقتي في اقتفاء أثر الفيلم، في البدء بفك المغالق واكتشاف الغامض بواسطة هذه الخربشات. هذا أشبه بالخيط الذي يساعدك على الخروج من المتاهة... كما في الميثولوجيا الإغريقية.

بالمناسبة، طبع مؤخرا كتاب يضم اسكتشات كنت رسمتها في فترات متباعدة. إنه ليس عبارة عن مختارات من التخطيطات الجميلة البارعة فحسب، بل يعطي انطباعا بأننا ننظر إلى «ألبوم عائلي» لأفلامك... إنه أشبه بدخول مستودع آكل النار، في قصة بينوكيو، وإطلاق سراح كل الدمى...

لا أعرف من أين جاءت كل تلك الرسوم العابثة. لا أقصد أنني لم أتعرف عليها، فأنا الذي رسمتها. لقد رسمتها على الورق الأبيض ذي الحجم الكبير أثناء التحضير لأفلامي. إنه ضرب من الهوس. دائما أخربش. حتى في صغري، كنت أقضي الساعات لاهيا بأقلام الرصاص والشمع والطباشير. أرسم على كل الأسطح البيضاء التي تكون في متناول يدي: الورق، الجدران، المناديل، شراشف الموائد في المطاعم... حتى رخصة السياقة تجدها مليئة بتخطيطات صغيرة. لكن في ما يتصل بالتخطيطات التي كنت أرسمها أثناء شروعي بالعمل في كل فيلم، فإنها طريقة لتدوين الملاحظات، لتثبيت الأفكار.

البعض يستحوذ على الأشياء إما باستخدام الكلمات أو عن طريق الأحاسيس، أما أنا فأخطط، أرسم سمات وجه، تفاصيل لباس، سلوكيات شخص، تعبيرات، تشريح. تلك هي طريقتي في الاقتراب من الفيلم الذي أحققه، في فهم معناه، والشروع في النظر إليه على نحو مباشر.

في ما بعد، انتقلت هذه الرسوم، هذه الملاحظات المختزلة، إلى أيدي رفاقي العاملين معي. لقد اعتاد مصمم المناظر ومصمم الملابس والماكيير على الاستفادة منها كنماذج تساعدهم في عملهم. بتلك الطريقة، هم أيضا بدأوا بتعويد أنفسهم على التآلف مع حالة القصة، مع طبيعتها ودلالاتها. هكذا يتخذ الفيلم إحساسا بالتوقع، وكل اسكتش يوفر شيئا مثيرا للتأمل.

ناشر ألماني، وهو صديق لي، أبدى إعجابه بالإسكتشات وأراد أن يجمعها في كتاب. وعندما قدم لي الكتاب، بعد إنجازه، شعرت بالمكيدة. فضلا عن السلطة الممنوحة لها بواسطة الطباعة والوقار المتأصل لأي كتاب، وبصرف النظر عن أناقة التصنيف والصف والورق الصقيل، فقد كنت مشدوها لدى رؤيتي لرسوماتي كلها. إن لم تكن جميلة، فهي على الأقل ملفتة.

لقد أراد الناشر أن يصدر كتابا آخر يحتوي على مجموعات أخرى، أن يصقل تلك المقتطفات المختارة المرتجلة، التصادفية، ويجعل منها مشروعا أكثر تنظيما، أكثر وثائقية، ومتلائمة أكثر مع دار النشر التي يمتلكها. وقد نجح في اقتفاء تخطيطاتي عبر الاتصال ببعض الأصدقاء والمعارف والعاملين معي، في كل مكان. مقدار وافر من الخربشات والإسكتشات والرسوم الكاريكاتورية والملاحظات والدعابات التي لم أعد أذكر إن كنت أنا من حققها أم غيري، ذلك لأنني لا أحتفظ بشيء منها.

المجهول ينتظرني عند المنعطف

دعنا نحاول رسم اسكتش سريع لسيرتك الذاتية... هل تعتقد أنك أحرزت النجاح والشهرة كفنان عن طريق انتقالك من مجال الكرتون إلى كتابة الأفلام؟ هل هناك خيط يربط قصتك معا؟ لنحاول كشف ذلك... لنبدأ من يوم ميلادك في العشرين من يناير 1920، في مدينة ريميني، تحت برج الجدي... هل تؤمن كثيرا بعلم التنجيم؟

أميل إلى الإيمان بكل ما يثير المخيلة ويقترح رؤية آسرة أكثر للعالم والحياة، أو بالأحرى، رؤية أكثر تجانسا مع أسلوبي الخاص في العيش.

التنجيم نظام محرّض جدّا، وطريقة ممتعة لتفسير معنى الأشياء، كيفيتها وأسبابها. وإذا كان هناك من يشعر بالحماية التي يوفرها هذا النظام الذي يملك أساسه المنطقي الخاص، فما الغاية من تضليله بالقول إن هذا شيء خيالي سخيف، وإنه لم يعد ممكنا اليوم الإيمان بمثل هذا الهراء؟

لا يبدو لي أن الأمور تتغير كثيرا في دواخلنا. نحن نستمر في حيازة أحلام مماثلة لتلك التي حلم بها البشر منذ ثلاثة أو أربعة آلاف عام. وفي مجابهة الحياة، لدينا جميعا المخاوف ذاتها دائما. أنا يروق لي أن أخاف. الخوف شعور حسّي يمنح متعة لطيفة. كنت دائما مفتونا بكل ما يخيفني. أظن أن الخوف إحساس صحي، ضروري للاستمتاع بالحياة. من السخف والخطورة أن يخلص المرء نفسه من الخوف. المجانين لا يشعرون بالخوف، كذلك المخلوقات السوبرمانية في الرسوم الهزلية، والأبطال الخارقون أيضا. في المدرسة كنت، على نحو غريزي، أكره أتخيل... بطل الأوديسة الأسطوري. كيف يمكن لشخص أن يكون غير بشري إلى هذا الحد، ولا يخاف أبدا من أي شيء؟

هذا لا يعني أنني أستشير الأبراج في الصحف الأسبوعية لكي أعرف من سوف ألتقيه في الظهيرة، أو أرمي القطع النقدية في الهواء لأحسم أية ربطة عنق سوف أرتدي صباحا. في الحقيقة أشعر بالأمان أكثر في حضور ما لا أعرفه، وأكون مطمئنا أكثر في الحالات الغامضة، الملتبسة، الخفية إلى حدٍٍ ما. وبحكم طبيعتي هذه، فإن ما هو غير عادي ومجهول ومدهش، أو لنقل بتواضع، ما هو غريب، غالبا ما ينتظرني عند منعطف ما في الطريق. لذلك أقر بالمظهرالتنجيمي، والقوى الخفية، وجلسات استحضار الأرواح.

عندما كنت أستعد لتصوير فيلمي «جولييت والأرواح»، شهدت جلسات الاستحضار مع أشخاص شديدي الحساسية تجاه الوسائط الخارقة وموهوبين بقوى استثنائية تؤهلهم لتخريب اليقين الذي لا يتزعزع عند بعض الأصدقاء الذين غالبا ما كانوا يتهكمون على نزوعي إلى الاستثارة من قبل كل ما يمكن أن يكشف الشكل الأنقى للواقع.

إلى جانب ذلك، أشهد أنني كنت طرفا في أحداث غير قابلة للتفسير. في طفولتي كنت أرى فجأة علاقات بين الألوان والأصوات. عندما أسمع ثورا يخور في مخزن جدتي، كنت أرى بساطا كبيرا، بنيّا ضاربا إلى الحمرة، يطفو فوقي في الهواء. كان يقترب، يتراجع، يصغر، ثم يصبح شريطا رقيقا يندس في أذني اليمنى. عندما يقرع الجرس ثلاث مرات، كنت أرى ثلاثة أقراص فضية تفصل نفسها عن الجرس وتدنو مني، فيما أهدابي ترتعش، لتختفي داخل رأسي. أستطيع أن أستمر في تذكر تلك الوقائع لنصف ساعة أخرى. عديدة هي التجارب «المتزامنة» التي تحدث لي.

إنه يونج، إن لم أكن مخطئا، الذي في حديثه عن «التزامن»، لا يشير فقط إلى الأفعال التي تحدث في وقت واحد، وإنما أيضا إلى الظواهر الأكثر غموضا، والتي يتعذر تعليلها.

أعتقد أن يونج، في تحديده للتزامن، كان يعني الروابط بين أحداث خارجية وحالات باطنية والتي، في ضوء المنطق، لا ينبغي أن تملك علاقة مباشرة في ما بينها. لكن بسبب اختلافها الظاهري تتخذ تلك العلاقة أهمية عميقة.

ربما أنا هنا لا أوضح نفسي جيدا، ما أعنيه هو أن يونج، في الكشف عن فكرته، حاول أن يبيّن لنا أن بإمكاننا بلوغ فهم أعمق للروابط بين العالم الخارق والمادي. لكن الغالبية منا تشعر بالتشوش والعجز إزاء كل ما لا يمكن التحكم فيه بواسطة الحواس والعقل، إلى حد أن تلك الاستبصارات التي تنبع من الأعماق، تلك الرسائل، التحذيرات، النصائح التي لا يقدمها لنا حتى أكثر أصدقائنا ذكاء وعناية، تصبح عرضة للتجاهل والإهمال على نحو تام. نحن لا ننتبه لها، لا نبالي بها، لا نرغب في الإصغاء إليها، ويتبلد ذهننا وحسّنا إلى حد أننا لا نعود نستقبلها.

على أساس التجربة التزامنية اخترت الممثل الإنجليزي فريدي جونز لدور رئيسي في فيلمي «والسفينة تبحر». كنت مشحونا بالارتياب تجاهه. تأملته من جميع الجوانب والزوايا، ولم أستطع أن أقنع نفسي بأن هذا الممثل ذا الشعر الأحمر والبشرة الحمراء قادر على أن يتحوّل إلى شخصية أورلاندو... الصحفي الإيطالي المهرج والمحبوب. تفحصت مئات الصور الفوتوغرافية له، وأجريت له اختبارين، لكن دون جدوى. وبينما كنت أرافقه في السيارة المتجهة إلى المطار، وكان نائما إلى جواري راسما بشفتيه ابتسامة صغيرة مبتهجة، نظرت إليه في ضغينة وفكرت: «لا، لا تستطيع أن تكون أورلاندو كما تخيلته»... عندها لم أر في حياتي وجها غريبا ومجهولا بالنسبة لي كما هذا الوجه. في تلك اللحظة، فوق نافذة باص عابر بمحاذاتنا، وراء الوجه الجانبي لفريدي جونز الذي كان يغط في النوم، رأيت ملصقا إعلانيا طوله عشرون مترا مطبوعا عليه بخط كبير كلمة «أورلاندو». عندئذ تلاشت كل شكوكي وقررت فورا ودونما تردد أن يلعب جونز الدور. هل شاهدت الفيلم؟ كان اختيارا مثاليا. قد يمتعض فريدي جونز قليلا عندما يعلم بأنني لم أختره لموهبته وإنما بسبب إعلان عن آيس كريم يدعى أورلاندو... لكن هكذا جرى الأمر.

الحال نفسه ينطبق على هذه المقابلة: لقد بلغني تحذير أتمنى ألا يكون متصلا بالتزامن. هل تحب أن تسمع؟ حسنا. ها هنا كنت أجلس، في مكتبي، أنتظر أن نبدأ حديثنا، وكنت أتساءل: ما الغاية من القيام بمقابلة أخرى في حين أن كتابا صغيرا صدر للتو ويحتوي على الكثير من هذا الهراء؟ لقد شعرت بالحيرة والتعاسة. أليس من الأفضل أن ننصرف عن هذا الأمر؟

وبينما كنت مستغرقا في التفكير، وقعت عيناي على جريدة متروكة على الكرسي، ولفت نظري عنوان مقالة بالخط العريض ومن كلمتين: «غلطة مميتة»... لم يكن هناك مجال لسوء الفهم. أو ربما كان هناك مجال لسوء الفهم، للالتباس، كما الحال مع كل إجابات الوحي أو الرائي (في الأساطير)... هل إجراء المقابلة يعد «غلطة مميتة»، أم عدم إجرائه؟

العدد 2257 - الأحد 09 نوفمبر 2008م الموافق 10 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً