العدد 2225 - الأربعاء 08 أكتوبر 2008م الموافق 07 شوال 1429هـ

نساء جابر... وخيوله

في مرسم (جمعية البحرين للفن المعاصر) أصوات ضجيج وأصوات طَرْق مرتفعة قد ألفها الأعضاء، وعندما تتبع تلك الأصوات فإنها توصلك إلى غرفة معزولة قريبة من المرسم، هذه الغرفة كانت التقاء كثير من الفنانين والنحاتين في فترة التسعينات، ولكن الآن يشغلها شخص واحد بقي من الجماعة، الآخرون اتجهوا إلى مجالات أخرى، ولا يخفى عليك المشهد لترى الفنان وكأس الشاي الكبير معه منهمكا بالطرق على النحاس والعَرَق يتصبب منه ممتزجا بالدخان، فكأنه في منجمه يطحن ذكريات التسعينات ويعجنها ليعيد صوغها ويرتب أوراقها.

«جابر حسن» عرف عنه أنه الفنان الوحيد الذي يطرق على النحاس في البحرين، له تعلق شديد بهذا الفن لا يكاد يفارقه حتى يقلِّب في الخامة في عدة اتجاهات باحثا عن زاوية العمل التكوينية من حيث الشكل والمنظور معالجا جميع الجوانب الفنية.

في أعماله حضور بارز للمرأة القروية وممارساتها اليومية وإبراز الجوانب الفاتنة في هذا العنصر ومعالجة الخيل في أعماله بحيث يرى حضور هذين العنصرين له دلالة الأنوثة وحب الحياة والتفاؤل بعالم مثالي، وأن استغراق الفنان في صومعة التواصل مع محيط الذات وعوالمه الفكرية النائية كفيل بطرح الكثير من أداة الاستفهام المستعصية، لتجده إنسانا يتحدى خامته النحاسية في تطويعها مع نسائه وخيله، وتظهر المرأة في معظم أعماله في حال الوقوف وأيضا غير كاملة الجسم وعلى أكثر تقدير يكون ثلاثة أرباع الجسم العلوي موجود الحضور، بينما يتغيب الربع السفلي للرجل والقدمين، وهذه الحال في تعبير الفنان هي لاكتفاء التعبير الجمالي بالاستغناء عن الأخير.

وعلى عكس العمل الذي نفذه في (السمبوزيوم) في متحف البحرين الوطني الذي يحمل صفات الحداثة وهو عمل كبير الحجم، خلق به عنصر المفاجأة بحيث جعل فيه اتزان في أطراف كتلته وجعل زواياه تخيل للناظر بأنها تستند إلى شيء ما غير مرئي، يستفز حال الفضول التي لا يمكن الخلاص منها.

وفي أعماله الأخيرة يتجه إلى مبالغة واضحة وجريئة في تجسيم أعماله (ثري دي) وهي عبارة عن امرأتين في العمل الأول وحصانين في العمل الثاني ويتكونان من قطع صغيرة متلاحمة وملتفة على بعضها ومفرغة بالشكل المخروطي المرن، ويضيف لها التعتيق ليظهرها بصورة مغايرة عن الأعمال السابقة، وعلى رغم حجمهم المتوسط إلا أنه استغرق في الاقتناع النهائي منهما بعد فترة طويلة من العمل الشاق والمتواصل في فك وتركيب الأجزاء، ولأن ارتباطه بالعمل (ارتباط روحي) فهو يعايش العمل في حالات منقطعة عن العالم الخارجي، ولا يمكن الفكاك من غيبوبته إلا بعد حين ليستفيق ويخرج من منجمه منهمكا بعد الانتهاء من مرحلة من المراحل بحالته الطبيعية ومزاحه المدوي في المرسم متشحا بالعرق ورائحة الدخان، وكأن شيئا لم يحدث، ولم يترك له الغرام بالتعمق في خامة النحاس أن يمارس التصوير الزيتي على رغم تعلقه الشديد بذلك، باستثناء بعض المهرجانات العامة التي تعقد بين فترات متباعدة في السنوات الأخيرة. فهو يسير في نفق عميق ومظلم يستدرك فيه فترة التسعينات ويصفق للتواريخ الخوالي وتلك السنين المرحومة باحثا عن ماضيه في مستقبله شغفا في حب الإبقاء على ذاته الفنية في الساحة الفنية، أو بين ذاته إخلاصا وإيمانا بالذات الجمالية.

*فنان تشكيلي بحريني

العدد 2225 - الأربعاء 08 أكتوبر 2008م الموافق 07 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً