العدد 117 - الثلثاء 31 ديسمبر 2002م الموافق 26 شوال 1423هـ

هجمات العام 2002 الإرهابية توحّد الصفوف داخل رابطة الآسيان

شهدت إندونيسيا والفلبين وتايلند الكثير من الحوادث والهجمات الإرهابية خلال العام 2002، وكان أسوأ تلك الحوادث التي وقعت في هذه الدول الثلاث، حادث تفجيرات إقليم بالي الإندونيسي الذي وقع في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وأسفر عن مصرع 190 شخصا معظمهم من السياح الأجانب وإصابة 325 آخرين.

كما شهد العام 2002 إلقاء القبض على عدد من الأشخاص في سنغافورة وماليزيا بسبب مزاعم خاصة بانتمائهم إلى شبكة إرهابية إقليمية.

وقد كان للهجمات الإرهابية التي وقعت في اندونيسيا والفلبين وتايلند وقع الصدمة في منطقة جنوب شرق آسيا، وهي المنطقة التي كانت تنعم بأجواء من الاستقرار والهدوء، غير أن تلك الهجمات أدت في الوقت ذاته إلى تماسك الدول الأعضاء في رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) وتوحيد صفوفها في مواجهة خطر الإرهاب.

ولم يكن أحد في منطقة جنوب شرق آسيا ـ التي تضم نحو عشرين في المئة من إجمالي مسلمي العالم البالغ عددهم حوالي مليار مسلم ـ يتصور أن تلك المنطقة المعروف عنها بالاعتدال والتسامح الديني يمكن أن تسقط ضحية للإرهاب، بل وتتحول أيضا إلى مركز لتدبير العمليات الإرهابية.

ويعتبر حادث تفجيرات بالي ـ بما أسفر عنه من سقوط مئات من القتلى والجرحى ـ أسوأ عمل إرهابي منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وأسوأ حادث من نوعه في تاريخ اندونيسيا على الإطلاق.

كما يمثل ذلك الحادث دليلا على إخفاق الحملة العسكرية الأميركية على أفغانستان في إضعاف القدرات والطاقات المناوئة لها، كما أثبتت تلك الحملة الأميركية أن الحرب ضد الإرهاب مازالت في بداياتها الأولى.

ولم تكن اندونيسيا هي الدولة الوحيدة في منطقة جنوب شرق آسيا التي تأثرت بالإرهاب فقد اتجهت أنظار تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن إلى الفلبين بما شهدته لعقود طويلة من حركات تحرر من جانب جبهة تحرير مورو وغيرها.

وأصبحت الفلبين ميدانا لتدريب أعضاء المنظمة في منطقة جنوب شرق آسيا، وكان قادة تنظيم القاعدة يزورون الفلبين من وقت لآخر وتعاونوا مع الجماعات المتطرفة هناك لتكثيف هجماتهم.

وفتحت الولايات المتحدة جبهة ثانية في جنوب شرق آسيا بعد أن سحقت نظام حكم طالبان في أفغانستان وأرسلت أكثر من 1200 من قواتها إلى الفلبين لتدريب القوات الفلبينية منذ يناير/كانون الثاني من العام 2002.

وكشفت سنغافورة خلال العام الجاري أيضا عن مؤامرة لمنظمة الجماعة الاسلامية المتطرفة في منطقة جنوب شرق آسيا ـ وهي منظمة إقليمية محظورة دوليا لها صلة بتنظيم القاعدة ـ واستهدفت تلك المؤامرة تفجير أهداف أميركية وغربية وتم إلقاء القبض على 13 شخصا من أعضائها.

وفى ماليزيا، أقامت منظمة الجماعة الإسلامية عددا من الخلايا هناك، وألقت السلطات الماليزية القبض على 73 عضوا من بينهم بعض الأشخاص المدربين على تنفيذ التفجيرات الانتحارية والذين ينتمون إلى جماعة ماليزية تابعة لمنظمة الجماعة الإسلامية تعرف باسم «كومبولان ميليتان ماليزيا».

أما في تايلند، فإنه لا توجد هناك أية أدلة على وجود منظمة الجماعة الإسلامية أو تنظيم القاعدة، غير أن حوادث العنف التى وقعت أخيرا في جنوبي تايلند أدت الى ظهور شكوك في الأوساط الغربية في وجود أعضاء من المنظمات الإرهابية في تايلند.

وكان تأثير حادث تفجيرات بالي بالنسبة إلى اقتصاد اندونيسيا «المتداعي» مدمرا، إذ يعتبر اقتصاد جاكرتا أكبر ضحايا الأزمة المالية في منطقة جنوب شرق آسيا في العام 1997، وألحق حادث بالي الضرر بصورة الاستثمار، ليس فقط في أندونيسيا، ولكن أيضا في منطقة جنوب شرق آسيا بأسرها.

وعلى الرغم من حادث تفجيرات بالي وما أعقبها من إلقاء القبض على عدد من المشتبه بهم، فإنه مما لا شك فيه ان منطقة جنوب شرق آسيا ليست تربة لإنبات الإرهاب وتوالده، كما أن المنطقة ليست على شفا الوقوع في حال من الفوضى الكاملة كما يتصور البعض، إلا أن حوادث العنف والإرهاب تخيف المستثمرين ولكنها لا تمثل تهديدا لاستقرار المنطقة بصورة عامة.

ولم تكن الحوادث التي هزت أرجاء منطقة جنوب شرق آسيا خلال العام 2002 شرا محضا، بل أدت إلى بعض الجوانب الإيجابية والتى تمثلت في توحيد صفوف دول رابطة جنوب شرق آسيا في الحرب ضد الإرهاب في المنطقة، كما أدت الى إحياء الثقة فيما بينها وأصبحت دول الرابطة أكثر تماسكا وترابطا في جهود مكافحة الإرهاب.

ففي أعقاب حادث تفجيرات بالي كثفت دول رابطة جنوب شرق آسيا من تعاونها في مجال مكافحة الإرهاب من تبادل للمعلومات والاتفاق على إجراء الاتصالات للكشف عن الشبكات والخلايا الإرهابية.

وقد صعدت دول الآسيان من حربها ضد الإرهاب أخيرا بالإعلان عن إجراءات جديدة لمكافحته، وإتاحة فرص تعاون جديدة مع الصين القوة الإقليمية الكبرى التى انضمت إلى السباق في مكافحة لتكسب تأثيرا ونفوذا قويا في منطقة جنوب شرق آسيا.

كما أعربت استراليا والهند عن رغبتيهما في التعاون مع الآسيان، الأمر الذى أعطى منطقة جنوب شرق آسيا أهمية استراتيجية.

وستقيم الرابطة مركزا إقليميا لمكافحة الإرهاب في كوالالمبور بماليزيا في العام المقبل.

وبعيدا عن التعاون في الحرب ضد الإرهاب، فإن دول رابطة جنوب شرق آسيا شعرت بقلق بالغ إزاء التحذيرات التى دأبت حكومات بعض الدول الغربية على إصدارها إلى رعاياها بين الحين والآخر بعدم التوجه الى دول منطقة جنوب شرق آسيا وإغلاق سفاراتها في عواصم بعض دول الآسيان من دون وجود تهديدات حقيقية لتلك السفارات او الرعايا الغربيين.

وقد أثارت تصريحات رئيس الوزراء الأسترالي جون هوارد أخيرا عن إمكان تنفيذ أستراليا لهجمات وقائية ضد قواعد الإرهابيين في دول منطقة جنوب شرق آسيا، ردود فعل غاضبة من جانب دول الرابطة بدءا من اندونيسيا وحتى تايلند

العدد 117 - الثلثاء 31 ديسمبر 2002م الموافق 26 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً