العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ

عندما تقدم منصور النقيدان وجبن غيره

الرياض - عبدالرحمن محمد اللاحم 

27 فبراير 2003

عندما نتكلم عن التكفير فإننا نتحدث عن فضاء فكري مختنق وأوضاع ثقافية قلقة لم تستطع هظم الاطروحات المتجددة، لذلك فهي تحارب أية محاولة للمراجعة أو النقد، لأن ذلك كفيل بأن يشرع أبوابا مغلقة لا يمكن أن تقوى على تبعات النقاش بشأنها، وبالتالي فسلطة التكفير هي التي ستكون الرادع المناسب لكل من يحاول التغريد خارج سرب الايديولوجيا المغلقة. فعند وصول الشخص إلى مرحلة إصدار وثيقة تكفير في شخص معين فإن ذلك دليل على وصوله إلى نقطة انقطعت به سبل التواصل مع الغير، أو القدرة على التنظير أو التعايش، لذلك يجد في وثيقة التكفير ملاذا آمنا له ولقومه من غارات المبتدعة الذين يريدون النيل من ثوابت الإسلام، وبذلك يكون قطع القنطرة بين المفكر والمجتمع، وبالتالي لا يمكن تمرير أفكارهم إلى المجتمع الذي يعتقد أفراده أن الشيخ لا يمكن التفكير فيما تتفوه به شفتاه أو يخطه بنانه وإنما يجب التسليم والانقياد من دون محاولة التفكير فيما يقول ولو كان الامر متعلقا بإخراج شخص من الإسلام، فعوامنا يرون ذلك الشيخ الملتحي ينظر بنور الله فلا يتصور عقلا ولا شرعا أن يتسلل الخطأ إلى قوله أو خطه. وبما أن مشائخ التكفير يعلمون ذلك فهم يقطعون الطريق على المفكر الحر والكاتب المستقل من النفاذ إلى قطاعات المجتمع من خلال صك التكفير حتى لا تتسلل أضواء الحرية التي يعرفون من أنفسهم وأفكارهم انهم لا يقوون على مجابهة وهجها.

إن فتوى تكفير منصور النقيدان ما هي إلا حلقة من مسلسل التكفير الذي اعتقد انه ستطول حلقاته، في ظل تنامي التيارات المتطرفة في العالم الإسلامي، وخصوصا في هذه المنطقة منه، وذلك بسبب افرازات حوادث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، والحشد الأميركي للعدوان على العراق، والذي سيعطي لرموز تيار التكفير مناخا مثاليا لتصفية حساباتهم مع المارقين عن الشريعة. لذلك فإنه في حال نشوب حرب على العراق فإن ذلك سيوقع المشائخ الرسميين في مأزق إذ لا يمكنهم التوازن بين المواقف السياسية (لولاة الأمر) وبين المسلمات الشرعية والعقدية التي مازالوا يبشرون بها، ومن ثم لا يستطيعون كما حدث في حوادث أفغانستان طرد قواعدهم العقدية التي لقنوها الناس، ما سيوقعهم في تناقض مفضوح، الأمر الذي يسحب منهم الصدقية، وعندها لا يجد ذلك الباحث عن الحقيقة سوى صوت ذلك الشيخ التكفيري الذي طرد أصوله وامتلك الشجاعة في الجهر بآرائه (وإن كانت متطرفة) تجاه تلك القضية الساخنة، وهذا كفيل بأن يورم تلك الرموز ويدفع بها إلى الصدارة.

قد يكون تكفير منصور النقيدان مختلفا بعض الشيء عن بقية صكوك التكفير الأخرى، ذلك أن منصور خرج من الدائرة ذاتها وكان متميزا في شتى مراحله التاريخية وذلك بشهادة غلاتهم، فلا يمكن التشكيك في قدراته العلمية، فهو خبير بالمفاصل الدقيقة لفكرهم، ومنطلقاتهم العقائدية، الأمر الذي يعطيه اكثر من غيرة القدرة على تفكيك ذلك الفكر وبيان عوره للأمة، وهو ما يدركه رموزهم، لذلك كان منصور، وطوال فترة طرحه الفكري، عدوا رئيسيا لهم وهدفا استراتيجيا لحملاتهم.

(الشجاعة) هي باعتقادي التركيبة السحرية التي بها نستطيع مواجهة ذلك الخطر المقبل، وهي التي تميّز منصور النقيدان عن غيره بها، إذ وصل إلى قناعة بأن الانفتاح ليس ثمرة تقطف فحسب، وإنما فاتورة باهظة لابد أولا من دفعها، بينما جبن غيره عن مجرد التفكير في مصادمتهم إلا همسا من وراء جدر، خوفا من غضبة العوام وحفاظا على مكتسباته، أما منصور فخاض في لجج ذلك الوحل وجاس مناطق ملغمة، فمهما اختلفت معه فلا يسعك إلا أن تكبر فيه شجاعته.

خمس فتاوى تكفير في أقل من سنة تنبي بخلل فكري معقد لن يصلحه إلا حوار فكري متزن وأطروحات نقدية جريئة تضع الإصبع على الجرح، بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة أو الاعتبارات السياسية، ولن يتصدى لذلك إلا (كاسحة ألغام) بحجم منصور النقيدان

العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً