العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ

حول تكفير النقيدان: بالونة الغلو تنتفخ لتنفجر

هل يجب أن نأخذ قضية تكفير الباحث منصور النقيدان على أنها قضية خاصة تدور حول شخصه، أم أنها تمس كيان المجتمع المسلم ككل، حينما يستخدم سلاح التكفير في تصفية خلافات شخصية، أو حينما يحترس الغلو بالبغي أمام النقد أو المراجعة؟. إن القضية أكبر من شخوص النقيدان أو الفهد، فالقضية قضية حماية التخلف بقمع النقد عن طريق إلغاء الناقد.

إن أحد منابع المشكلة، هي المماهاة بين ثوابت الدين وبين ثوابت طائفة تكونت تاريخيا، وأبعد من ذلك مماهاة الثوابت مع الشخوص البشرية، فيكون نقد كلامهم إلحاد بالدين نفسه. قد يكون البعض مخلصا في هذه المماهاة لكن مشكلته الصعوبة في التجريد للكلي عن الشخص أو الطائفة أو المذهب، وهل لبلد أن تغادر التخلف حينما تحمى الأفعال والأقوال بمثل هذا التداخل مع الدين.

إنني لم أستغرب صدور فتوى النقيدان ممن كفروه، لأنهم امتهنوا ذلك، وأصبح التكفير لهم وظيفة، لكن المستغرب انجراف قطاع من الجمهور وراء ذلك من دون التبين في موضوع خطير كإخراج إنسان من الملة، فهل هناك شغف في تدمير الآخرين؟.

إن الورع له أثر كبير في تفاصيل الحياة الصغيرة، لكن أن توجه هذه القيمة علاقات المجتمع في مستوياته العليا فذلك أمر مفقود، وإلا فأين الورع والخوف من الله في التدافع على تكفير إنسان ما والحكم بردته ردة صريحة - كما ابتهل الغلاة - «فقد باء به أحدهما». إننا في حاجة إلى ترسيخ قيمة الورع ليس في دقائق الحياة وحسب، ولكن من أجل قيام مجتمع تحترم فيه آراء المسلمين، فلا يجد فيه الناقد نفسه فجأة على بوابة الخروج من الإسلام.

قيمة الورع المفقودة هذه، ترتبط بحال من «الحياد السلبي»، فقد طمأن كثير ذاته وسكت أمام هذا البغي وغيره، ولكن ألا يخشى هؤلاء تعاظم طوفان الغلو فيقف مهددا لهم؟. ماذا ينتظر هؤلاء من أعمال أكبر يأملون أن يبقوا على شرعيتهم من أجلها؟، ألا يعتبر هؤلاء أن مشروع الغلو من أخطر مهددات المجتمع؟. لعلنا كلنا نتأول مصالح نسكت من أجلها وتمضي الحياة من دون رواد يعيدون إلى نشاط المجتمع حيويته بعيدا عن الغلو، أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

إن الغلو يتعاظم أكثر وأكثر، ولكن مصير البغي إذا قتل المجتمع أن ينفجر فيزول. لقد كان التشدد في التاريخ يخنق المجتمعات فثارت ضده رافضة وصايته عليها، وهذا ما سيكون، طال الزمن أم قصر

العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً