العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ

قالوا في التكفير وضوابطه

شيخ الإسلام ابن تيمية

ثبت في الصحاح عن النبي (ص) في الرجل الذي قال: «إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم؛ فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك. فغفر له»(1). فهذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك أو شك، وأنه لا يبعثه، وكل من هذين الاعتقادين كفر يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته.

فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح لم يكن أسوأ حالا من هذا الرجل، فيغفر الله خطأه، أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك؛ فعظيم. فقد ثبت في «الصحيح» عن ثابت بن الضحاك عن النبي ( ص) قال: «لعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنا بالكفر؛ فهو كقتله».

وثبت في الصحيح أن من قال لأخيه: يا كافر؛ فقد باء به أحدهما، وإذا كان تكفير المعين على سبيل الشتم كقتله؛ فكيف يكون تكفيره على سبيل الاعتقاد؟! فإن ذلك أعظم من قتله؛ إذ كل كافر يباح قتله، وليس كل من أبيح قتله يكون كافرا، فقد يقتل الداعي إلى بدعة لإضلاله الناس وإفساده مع إمكان أن الله يغفر له في الآخرة لما معه من الإيمان).


الشيخ جاد الحق على جاد الحق رحمه الله

وأيا كانت هذه الذنوب التي يقترفها المسلم خطأ وخطيئة، كبائر أو صغائر، فإنه لا يخرج بها عن الإسلام ولا من عداد المؤمنين، ذلك مصداقه قول الله - سبحانه - : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)«النساء:48». ولا يجوز تكفير المسلم بذنب ارتكبه، أو تكفير المؤمن الذي استقر الإيمان في قلبه، قال الله ـ سبحانه: (ولا تقولوا لأمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة). (من الآية 94 من سورة النساء). وفي حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي رواه أبو داود أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «ثلاث من أصل الإيمان، وعد منها: الكف عمن قال: لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل...». وما رواه الإمام أحمد أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «لا يرمي رجل رجلا بالفسق، أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحب ذلك». فهذه النصوص توضح أنه لا يحل تكفير مسلم بذنب اقترفه، سواء كان الذنب ترك واجب مفروض، أو فعل محرم منهيا عنه، وأن من يكفّر مسلما، أو يصفه بالفسوق، يرتد عليه هذا الوصف، إن لم يكن صاحبه على ما وصف. والتدين حق للمسلمين جميعا ولكن عند النزاع يرد الأمر إلى الله ورسوله ويتولى الفصل وبيان الأحكام أهل الاختصاص وهم العلماء بالكتاب والسنة.


الشيخ يوسف القرضاوي

بعد هذا البيان في ضوء ما ذكرنا من قواعد جامعة، ونصوص قاطعة، وأدلة ناصعة، يتبين لكل ذي عينين مدى الخطأ الجسيم، والخطر العظيم، الذي سقط فيه «إخواننا» الذين أسرفوا في «التكفير» حتى غدوا يكفرون الأفراد والمجتمعات بالجملة، معرضين عن كل ما يخالف وجهتهم من نصوص الشرع وأدلته، متذرعين بالتعسف في التأويل، والاستدلال بما ليس بدليل، مخطئين كل من لا يوافقهم من علماء الأمة وأئمتها في القديم والحديث، زاعمين لأنفسهم أنهم قد بلغوا درجة «الإمامة» والاجتهاد المطلق، وأن لهم أن يخالفوا الأمة كلها وما أجمعت عليه سلفا وخلفا. وهذا - والعياذ بالله - من العجب المهلك، والغرور الموبق، والغلو الضار، وليس لهذا مصدر إلا الجهل بالله تعالى، والجهل بالناس، والجهل بالنفس، ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه، وفي الحديث الصحيح: (إياكم والغلو،فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) وفي حديث آخر: (هلك المتنطعون) -قالها ثلاثا - ومع هذا كله لا أريد أن أقع فيما وقع فيه هؤلاء الإخوة المسرفون، فأكفرهم كما كفروا الناس، وإن جاءت الأحاديث بتكفير من كفر مسلما، لأن هذه الأحاديث فيمن كفر مسلما بغير تأويل، وهؤلاء لهم تأويلهم وإن كان مرفوضا.


السيد محمد حسين فضل الله

لماذا تعودنا أن نرفض ونرجم كل مجتهد يجتهد في شيء جديد بالكلمات اللامسئولة! لقد عشنا منذ عشرين سنة وحتى الآن، وفي هذه المرحلة الزمنية، والواقع الإسلامي يمارس عملية التكفير والتضليل... لأن هناك رأيا قد يخالف مشهورا هنا ومشهورا هناك. إن فقهاءنا يتحدثون أنه حتى أن إنكار الضروري من الدين لا يوجب التكفير إلا إذا التفت الإنسان إلى الملازمة بين إنكار الضروري وتكذيب الرسول (ص)... إن إنكار الضروري ليس من المكفرات وإنما يكفر الإنسان إذا أنكر الضروري والتزم بلوازمه التي تؤدي إلى خلل في أصل العقيدة وهي تكذيب الرسول (ص) أو أن يكون في ذلك تكذيب الرسالة...

ونحن نكفر الإنسان بقضائنا وأحكامنا من دون أن ندرس شخصية هذا الإنسان... هل يتلفت إلى هذه الملازمة أم لا؟ وقد أربكنا واقعنا الديني والاجتماعي والسياسي من خلال كل هذا التكفير والتضليل والتفسيق والتخويف إذا انطلقنا إلى البعد السياسي لأننا لا نطيق أن نناقش المفكر أو قد لا نستطيع أن نناقش الفكر والمفكر.. وقد واجهنا تحديات كثيرة، ونحن في هذه المرحلة نواجه بعض هذه الأساليب في مواقع إسلامية متقدمة

العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً