العدد 197 - الجمعة 21 مارس 2003م الموافق 17 محرم 1424هـ

منى الغريب: تزايد الحالات النفسية في الكويت

قالت الأستاذة في جامعة الكويت واختصاصية علم الايحاء والايماء والحركة منى الغريب: انه منذ أن تكاثرت الأقوال عن الحرب على النظام العراقي الحاكم، نلاحظ تردد حالات خاصة على معهد الإيحاء والإيماء والتي لا تدل بالضرورة وبشكل مباشر على المخاوف من الحرب. ولكن وبعد القيام بتفحص هذه الحالات تفاجأت أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالحوادث السياسية الجارية. وأضافت الغريب: ان ما لفت انتباهي ان جميع الحالات التي تتردد على عيادتي الخاصة تحمل بأجمعها نقطة اشتراك واحدة: مشاعر الفراق والضغوط والمخاوف من المجهول بسبب الحوادث الجارية وخصوصا بعد الإنذار الذي صدر من الرئيس الاميركي جورج بوش والتي حركت ذاكرة الخلايا الجسدية العميقة والتي تحمل ذكريات مؤلمة بالماضي ففجرت أو أعادت تفجير الحال المرضية التي كان يعاني منها بالسابق الشخص أو التي لم يكن يعاني منها بالضرورة.

وأضافت في تحليلها الخاص عن الأوضاع النفسية والاجتماعية نظرا إلى ضرورة إبطال برمجة ربط أصل الضغط النفسي والضغط النفسي نفسه الذي يشكو منه المراجع، مشيرة إلى أنه من أجل تجنب تفعيل الأول بالثاني فإننا نستعين بظاهرة نكوص الزمن التي تعمل للجسد ابتداء من العمر الحقيقي للشخص ولغاية لحظة نشأة أصل الضغط النفسي نفسه، وأثناء هذه العملية يعطي الجسد إشارة والتي تدل على العمر الحقيقي الذي بدأ فيه أصل الضغط النفسي. ولاحظت أن معظم أصول نشأة الضغط النفسي تأتي بسبب مشاعر الفراق التي عانى منها هؤلاء الأشخاص من أشخاص آخرين عزيزين عليهم مثل الوالدين «سواء بسبب الوفاة أو الطلاق أو تركهم يتربون عند الجدة أو المشكلات المؤدية إلى فراق ولو مؤقت أو حتى لأسباب ممكن أن تكون تافهة».

الفراق والموت

ونظرا إلى أن الحرب أو مجرد التحدث عنها يعتبر بحد ذاته فراقا (بسبب الموت الذي تتسبب فيه أو ابتعاد الأفراد بعضهم عن بعض أو بسبب عدم القدرة على التواصل مع الآخرين بسبب جهل مصيرهم أو بسبب خطورة التجول)، فإن عقل الإنسان يترجم هذه الحال كحال من حالات الفراق ويتم وصفها ضمن ملف الفراق في الذاكرة التي تطوي حوادث الماضي، فيلاحظ الشخص أنه يعاني فجأة من مشكلة مثل المخاوف أو آلام اليدين والقدمين أو القلق والتوتر أو فقدان القدرة على السيطرة على الشهية المفتوحة.

شهر ونصف

وأضافت الغريب: ومن خلال المراجعين الذين يترددون على المعهد، وبعد مراجعة ملفات هؤلاء الذين أتوا منذ شهر ونصف الشهر ولغاية الآن، لاحظنا أن السبب الرئيسي عند عدد لا بأس منه من المراجعين يرجع إلى شعور الفراق الذي حصل في حياتهم وخصوصا أثناء غزو العراق للكويت في العام 1990 إذ اضطروا بين يوم وليلة أن يجدوا أنفسهم في وضعية الفراق بين الأسر نفسها أو بين الأصدقاء أو بين الأزواج أو الفراق الذي حصل بسبب وفاة أو استشهاد أو أسْر أفراد.

والحالات التي يعاني منها غالبية هؤلاء الأفراد هي العدوانية والنشاط الزائد والانعزالية وآلام مفاجئة في اليدين والقدمين وانتفاخهما وصعوبة استعمالهما، أو تخدير كامل في الساق بأكملها، أو المخاوف المختلفة وبالأخص من الموت، أو ضيق التنفس والقلق والتوتر، أو الكآبة أو عدم القدرة على التحكم بالأكل.

ومن خلال ممارساتنا في هذا المجال نلاحظ أن الكثير من حالات الانهيار العصبي والكآبة والحالات النفسية المزرية والحالات المرضية المزمنة ابتدأت منذ ابتدائه بالشعور بالمشاعر السلبية التي لم تكن موجهة ضده بالتحديد.

وتم اكتشاف أن 8 أشخاص من 10 ابتدأت معاناتهم الجسدية أو النفسية وهم أجنة في بطون أمهاتهم. إذ السبب شعور أو عدة مشاعر قيمت وفهمت بشكل خاطئ من قبل الطفل. فيعتقد الجنين أنه غير مرغوب فيه كطفل من قبل الأم ويكبر ويتصرف بناء على أنه لا يستحق الحب ولا أن يكون محبوبا.

وقالت منى الغريب: ولعل هذا يفسر سبب المئات من حالات الأطفال الذين يعانون من العدوانية والنشاط الزائد والانعزالية والجبن وعدم القدرة على مواجهة الآخرين ذوي العمر 12 إلى 14 عاما.

وهناك حالات أخرى تتردد حاليا مثل هؤلاء يشتكون من آلام وانتفاخ شديد في اليدين أو القدمين وصعوبة مسك الأشياء باليدين أو صعوبة التقدم بالقدمين إلى الأمام، وفي نظر علم الكينيزيولوجي والذي هو يستند بشكل قوي إلى جميع العلوم التي سبقته مثل الإيحاء والبرمجة اللغوية العصبية والعلوم النفسية والإبر الصينية والطاقة، فإن هذه الآلام هي لغة الجسد للتعبير عن مشاعر آلام الفراق. فالحرب ككلمة أو جميع المؤشرات الأخرى العاكسة للحرب والتي تدخل ضمن نطاق الأنظمة الحسية الخمسة (المرئي والسمعي والحسي والشمي والتذوقي) لعبت دورا في تحريك الذاكرة العميقة والمخزنة في عقل الإنسان مما حرك مشاعر قديمة ومن دون ان يتذكر المراجع هذه الحوادث بالضرورة (عبر ذاكرته الخلوية الممتازة والمستقلة كل الاستقلال عن الذاكرة الواعية والعقلية)، فتظهر الأعراض على الجسد مثل هذه الآلام في اليدين والقدمين أو الساقين ليذكروا الشخص بالفراق الذي حصل له منذ أكثر من عشرة أعوام.

وهناك ممن يأتون يشكون من الكآبة والخوف من الافتراق عن الأصدقاء! وهناك من يشكو من المخاوف المفاجئة والتي ظهرت فجأة لديه وخصوصا الخوف من الموت، وبعد تفحص المراجع، نلاحظ أن الشخص في الحقيقة يعاني من مخاوف الفراق وليس أي شيء آخر ومن دون علمه بشكل واع بذلك، وبعد التحقق من قصة حياته نلاحظ أنه عانى في الماضي من طلاق الأبوين وليس غريبا أن تظهر لديه حالة المخاوف فجأة لأن الحرب = فراق.

وهناك عدد كبير من الحالات التي ترددت علينا تعاني من مخاوف كبيرة، وبعد القيام بظاهرة النكوص بالزمن للجسد، اكتشفنا ان السبب الأساسي يعود لغزو الجيوش العراقية للكويت العام 1990 إذ أنه ما أن تحصل للإنسان صدمة نفسية أو جسدية، نلاحظ أن الهالة المحيطة بجسده يتغير موقعها من حوالي جسمه فتصبح إما رأسا على عقب، وإما مقطعة في عدة أماكن، وإما مائلة على شكل منحرف عن الخط العامودي، فيصبح الشخص غير مستقر نفسيا ولا يدري ماذا يجري له وتصيبه مخاوف كبيرة وهلع كبير، تماما مثل الكثير من الحالات التي ترددت عليّ طالبة التخلص من المخاوف إذ اكتشفنا أن الأورام لديهم مائلة ومنحرفة عن جسمهم تماما، مثل حالة احد المراجعين الذي حكى أنه على هذه الحال منذ الخميس الأسود العام 1990 عندما تفاجأ صباحا بدبابات الجيوش العراقية فكان هول الصدمة عليه كبيرا لدرجة أن الهالة المحيطة بجسده انزاحت تقريبا بالكامل عن جسمه فأصبح منذ ذاك اليوم مصابا بالكثير من المخاوف وحالات الرهاب.

وهناك من يأتي يشكو من التفكير السلبي جدا، ونكتشف أثناء الجلسة ومن ذاكرة الخلايا العميقة للجسد أن في الحقيقة والوضع الحالي والحرب تذكر اللاوعي عند الشخص حال الفراق التي حصلت له أثناء الغزو العراقي للكويت في العام 1990 إذ أنه فقد أبويه اثر صاروخ رمي بالخطأ من قبل الحلفاء أثناء تحرير الكويت أصاب منزلهم وفارق أثره والداه الحياة!!!

القدرة على الأكل

ومن الطريف أيضا أنه كثر عدد السيدات اللاتي يأتين يشكون عدم قدرتهن على التحكم بالشهية المفتوحة على الطعام، وأنهن لم يعدن قادرات على التقيد باتباع نظام غذائي للتخسيس. وتم اكتشاف أنه تعاني هذه السيدات من الداخل من مشاعر الخوف من الفراق أيضا والفشل ونلاحظ أن هذه المشاعر متداولة أيضا حاليا بسبب الحرب والفشل في حل الأزمة سلميا. ويذكر ان مشاعر الفراق والفشل تؤدي أيضا إلى الشراهة في الأكل وعدم الإحساس بالشبع نظرا إلى افتقاد عنصر الأمان سواء كان عاطفيا أم ماديا (كالطعام مثلا!).

وهناك من يأتي يشكو من عدم قدرته على التركيز الدراسي ونلاحظ أن الشخص عانى في صغره من مشاعر الفراق بين الأبوين، فتتجدد هذه المشاعر مع الوضع الحالي بشكل غير واعي بسبب الفراق الذي يسببه الحرب.

وأشارت الغريب إلى أنه عندما يكون الضغط على الشخص قويا جدا، يعبر عن عدم سعادته وطفح كيله وذلك عبر المرض الجسدي سواء كان على شكل آلام جسدية أو نفسية أو عقلية ما يتسبب في انخفاض النظام المناعي. وأساس المرض العضوي يبدأ بضغط من الضغوط النفسية والتي تترك مشاعر قوية على الشخص ولكن مع الأيام والأشهر والسنين ينسى الشخص هذه المشاعر التي عبر بها تماما ولكنها تطبع في ذاكرة الجسد وتتحول إلى مرض عضوي بمجرد التقاط أية إشارة من الإشارات التي كانت موجودة وقت حدوث الضغط النفسي كالصوت أو الرائحة أو الملمس أو أي شيء آخر، تحرك هذه الإشارات المعلومة المنسية في العقل الباطن فيظهر المرض على الشخص والذي في نظر علم الكاينزيولوجي ما هو إلا عبارة عن اختلال في توازن أعمدة المثلث الصحي (النفسي والعقلي والجسدي)

العدد 197 - الجمعة 21 مارس 2003م الموافق 17 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً