العدد 203 - الخميس 27 مارس 2003م الموافق 23 محرم 1424هـ

مظا هرات لايبسيغ: من إسقاط جدار برلين إلى معارضة الحرب

حين دعا الراهب البروتستانتي كريستيان فوهرر(60 عاما) إلى أول مظاهرة للاحتجاج على حرب على العراق، وكان هذا قبل وقت قصير على حلول أعياد الميلاد وراس السنة، لم يزد عدد الذين استجابوا لهذه الدعوة على ثمانية عشر شخصا. وحين نظم المظاهرة الثانية بتاريخ 6 يناير/ كانون الثاني الماضي بلغ عددهم تسعين شخصا، ثم ارتفع عدد المشاركين إلى عدة آلاف وذلك خلال أسابيع قليلة.

أما في يوم الاثنين الماضي فقد سار خمسة وعشرون ألف متظاهر في شوارع مدينة لايبسيغ يتقدمهم الراهب الذي قاد مظاهرات الاحتجاج ضد نظام ألمانيا الشرقية والتي كانت تجتذب أنظار العالم كل يوم اثنين وساهمت في انهيار جدار برلين واستعادة ألمانيا وحدتها بعد انقسام أربعين عاما. في نوفمبر/تشرين الثاني العام 1989 جازف كريستيان فوهرر بحياته حين كشف علنا عن معارضته للنظام الشيوعي وجمع حوله فئة معتبرة من الألمان الشرقيين الذين كانوا يلجأون إلى كنيسته وسط مدينة لايبسيغ كل يوم اثنين لتنظيم مظاهرة احتجاج سلمية سرعان ما امتدت آثارها إلى المدن المجاورة. في ذلك الوقت كان المتظاهرون يهتفون(نحن الشعب) و(لا للعنف). أما اليوم فإن الألمان الشرقيون ينزلون إلى الشوارع يحملون يافطات كتب عليها (لا للحرب).

ألمانيا التي توحدت العام 1990، ولا تزال تعاني من انقسام في الحياة السياسية والاجتماعية على رغم مضي 12 سنة على الوحدة، تجد نفسها اليوم موحدة في معارضتها للحرب. فمظاهرات الاحتجاج وحملات الاعتصام تجري على مدار الأسبوع في شطري البلاد. لكن مظاهرة يوم الاثنين في لايبسيغ لها أهمية خاصة بالنظر إلى تاريخ ألمانيا الحديث. ومن يشاهد صور مظاهرات لايبسيغ اليوم يستعيد ذكريات مظاهرات الاحتجاج ضد نظام برلين الشرقية، لكن الفارق أن المتظاهرين ينددون بسياسة بوش ويرفعون صوره وقد زينوا وجهه بشارب هتلر.

في الماضي أيضا كانت مظاهرات يوم الاثنين السلمية تبدأ وتنتهي بكلمة يلقيها الراهب فوهرر في الجموع أمام كنيسة القديس نيكولاس. وحصل هذا الراهب والكنيسة على شهرة واسعة في ألمانيا والخارج لدورهما في نجاح الثورة السلمية للألمان الشرقيين في خريف 1989م. في ذلك الوقت بدأ الاحتجاج الشعبي باجتماع شارك فيه 1200 شخص ثم زاد عددهم في الاجتماع الثاني وبلغ 5 آلاف شخص، وفي الأسبوع الثالث بلغ عددهم أكثر من عشرين ألف شخص، وفي التاسع من أكتوبر/تشرين الأول حضر أكثر من 70 ألف متظاهر ما شجعهم على الخروج إلى الشوارع غير عابئين بتهديد النظام ولا البوليس السري (ستازي) اللذين لم يسبق لهما وأن واجها موجة احتجاج بهذه الصورة وظهرا عاجزين تماما.

بعد شهر واحد سقط الجدار، ومنذ ذلك الوقت أصبحت مدينة لايبسيغ البالغ بعدد سكانها البالغ 490 ألف نسمة تحمل لقب (مدينة الأبطال)، وهم الأشخاص الذين نظموا المظاهرات السلمية خريف 1989، الذين يشرفون اليوم على تنظيم مظاهرات مناهضة للحرب ضد العراق.

قبل بدء المظاهرة ككل يوم اثنين، يتحدث فوهرر بضع دقائق يعرض فيها قواعد المظاهرة ويطلب التقيد بها، لعلمه أن بين المتظاهرين الذين أتوا هذا المساء متظاهرين جددا. وتتوافد من الشطر الغربي أيضا جماعات من المدن والقرى المحيطة، ومن الألمان الغربيين للمشاركة بهذه التجربة. قبل وقت قصير حاول هذا الراهب الحفاظ على عمل كنيسته في قضايا السلام بعد انهيار جدار برلين إذ كانت ومازالت تقام فيها صلوات السلام، ثم راح يتعرض في خطبه لقضايا تمس الحياة اليومية لسكان مدينته مثل أزمة البطالة وحث على مكافحة النازيين الجدد ثم أصبح منهمكا في القضية الرئيسية التي تشغل بال العالم: حرب الخليج الثالثة.

وحذر فوهرر في خطبته الأخيرة من خطر أصحاب الرؤوس المتحجرة في واشنطن، ولأن الرئيس بوش يقول أنه يستعين بكتاب الإنجيل وانه كما نشرت الصحف يعمل في مهمة دينية لإنقاذ العالم من الأشرار على حد قوله، استخدم فوهرر لغة الإنجيل للرد على بوش قائلا: «من يستل السيف يعرض نفسه للقتل بالسيف أيضا. وأولئك الذين لا يستخدمون العنف سينعمون بالآخرة». ثم كرر عبارة يريد الجميع سماعها حتى مجموعة من الطلبة العرب الموجودين: إننا بالتأكيد نرفض تعبير إنها حرب مقدسة. في الوقت الذي كان يتحدث فيه فوهرر فتح المعرض الدولي للكتاب بمدينة لايبسيغ أبوابه وتحول إلى منتدى للأدباء الذين عبروا عن معارضتهم للحرب، بينهم مجموعة كبيرة من الكتاب الأميركيين. وقال فوهرر انه يشعر أن مدينة لايبسيغ أصبحت مدينة السلام وينبغي أن تحافظ في المستقبل على هذه الميزة. يسير فوهرر عادة في المقدمة وحوله مجموعة كبيرة من الشباب الذين يرددون عبارات الاحتجاج: لا نريد الحرب.

يقول فوهرر ان العامل المشترك بين مظاهرات 1989 ومظاهرات اليوم أنهما يجسدان رفض المواطن العادي أن تتحكم قوة عظمى بالعالم وتفعل ما تريده من دون الأخذ بالمعايير الدولية ولأنه يرى أن الولايات المتحدة تعمل بسياسة خطأ.

وأضاف فوهرر: «ليست هناك حرب عادلة، لقد خسرت دولة بوش وجهها الديمقراطي». وكشف عن شعوره بالخوف لأن قرار الحرب والسلام أصبح بيد رجل واحد يكيل الحجج الكاذبة على شعبه ليبرر حربه.

وقال لوفد من مدينة دريزدن التي تعرضت لدمار كبير بعد إعلان ألمانيا استسلامها في الحرب العالمية الثانية ورفعت رايات الاستسلام البيضاء، حين أغارت عليها بعد ثلاثة أيام طائرات حربية بريطانية في عملية «إشفاء غليل» على حد تعبير المؤرخين أبادت في ليلة واحدة أكثر من 45 ألف ألماني، كيف يمكن لنا السكوت على الحرب ونحن على يقين أنها ستتسبب في هلاك آلاف البشر وخصوصا الأطفال، ليست هناك حرب نظيفة

العدد 203 - الخميس 27 مارس 2003م الموافق 23 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً