العدد 205 - السبت 29 مارس 2003م الموافق 25 محرم 1424هـ

ألمانيا: جيل حرب الخليج الثانية يعارض حرب الخليج الثالثة

قبل فترة وجيزة صدرت دراسة وكانت نتائجها مرعبة بالنسبة الى المسئولين في الحكومة الألمانية لأنها وضعت الطلبة الألمان في مركز متأخر بين نظرائهم الأوروبيين، وكشفت عن ضعف خطير في نظام التعليم الألماني. لكن منذ أيام يكيل كثيرون عبارات المديح لطلبة المدارس الألمانية لأنهم حولوا شوارع ألمانيا إلى كتل بشرية تصرخ وتطالب بوقف فوري للحرب غير المشروعة ضد العراق. وقال رئيس رابطة المعلمين والمعلمات في ولاية بافاريا جنوب البلاد ألبين دانهويزر إنه يشعر بالفخر لأن عشرات الآلاف من الطلبة يتظاهرون ضد الحرب، ويرى ذلك أفضل علامة تدل على اهتمامهم بالسياسة.

كما صدرت عبارات المديح من قبل نقابات العمال ومؤسسات اجتماعية ودينية للطلبة الذين يبتدعون شعارات الحرب وكلها تكشف الأهداف الحقيقية للحرب مثل (الخبز بدلا من القنابل) و(لا لحرب من أجل النفط) و(الديمقراطية لا تتحقق ببطش القنابل). ولاحظ مؤتمر وزراء الثقافة الألمان أن حركة سلام جديدة بدأت تظهر من المدارس الألمانية، لكنهم لم يتخذوا قرار معاقبة الطلبة نتيجة رفضهم التعليم هذه الأيام والخروج إلى الشوارع بلافتات مناهضة للحرب. وقال وزير التربية في حكومة ماكلنبورغ فوربومرن (ألمانيا الشرقية السابقة) هانز روبرت ميتلمان: لا يعقل أبدا أن نشجع الطلبة على الاهتمام بالسياسة ثم نعاقبهم.

ويخرج طلبة ألمانيا إلى الشوارع كل يوم ينددون بالحرب وبالرئيس الأميركي بوش الذي اصبح موضع سخرية، وخصوصا في صفوف الجيل الذي قرأ في كتب التاريخ الحديث عن المساعدة التي قدمها الأميركيون لإعادة تعمير بلدهم بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه من جهة أخرى يشعر بالخوف والقلق من سياسات مناقضة تدفعه إلى انتقاد القوة العظمى ورفض محاولات فرض الهيمنة السياسية والثقافية الخاصة بها على شعوب العالم.

وتتدفق على السفارتين الأميركية والبريطانية في برلين كل يوم رسائل عبر البريد الإلكتروني تندد بالحرب. وفي برلين وحدها خرج أكثر من 60 ألف طالب من مدارس العاصمة الألمانية إلى الشوارع بعد ساعات قليلة على بدء الحرب وقصدوا بوابة براندنبورغ رافعين لافتات بالألمانية والإنجليزية تندد بالحرب وتدعو إلى وقفها. واعترف مسئول أمني كبير في شرطة برلين أنه فوجئ بما أسماه انتفاضة الطلبة لأنه لم تدخل في حسابات سلطات الأمن المختصة مثل هذه المظاهرات التلقائية التي تشارك فيها فئة من صغار السن.

ويلاحظ المراقبون عدم وجود جهة معينة حتى حركة السلام، تعمل على توجيه جموع الطلبة الذين يتظاهرون في مختلف ولايات البلاد، لكن المؤكد أن طلبة ألمانيا يعبرون عن وعي سياسي وحماس للسلام مقابل رفض قاطع للحرب وحل النزاعات عن طريق القوة العسكرية. وكانت صدمة الشباب الألماني قوية حين فشلت السياسة في تفادي وقوع حرب الخليج العام 1991 عقب أن شهدت مدينة بون مظاهرة كبيرة للشباب شارك فيها أكثر من 200 ألف متظاهر من أنحاء ألمانيا. لكن هذه لم تكن أكبر مظاهرة من نوعها، فقبل اندلاع الحرب تظاهر خمسمئة ألف شخص في برلين احتجاجا على تهديد الولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية ضد العراق. ويقول المراقبون أن الشباب الألماني لا يحتاج إلى ايديولوجية للتعبير عن معارضته للحرب وهو يحكم عليها من خلال قراءة التاريخ الحديث لألمانيا والشعور الإنساني تجاه الدول الضعيفة التي ترزح تحت ضغوط الدول القوية المهيمنة. وقال ساشا غوريتسكو وهو رجل أعمال يشارك بنشاط واضح في مظاهرات السلام في برلين: لا يريد شباب ألمانيا الاستسلام لايديولوجية معينة وإنما أعتقد أن ما يدفعهم إلى الشوارع هو مشاعر تلقائية وعدم رضاهم عن سياسة بوش، ويرون أن سلاحهم الوحيد هو الاحتجاج السلمي. وحتى اليوم لم تسجل أجهزة الأمن الألمانية ما يشير إلى لجوء المتظاهرين إلى العنف، على رغم أن عدد المتظاهرين زاد عن المليون. وأضاف ساشا أنه لاحظ من خلال الحديث مع الشباب أن هناك ظاهرة جديدة ترافق الحملات الشعبية المعارضة للحرب وهي مقاطعة البضائع والمنتجات الأميركية. ففي ضاحية كرويزبيرغ في برلين حيث تعيش أكثرية أجنبية بدأت مجموعة من المقاهي تقدم شراب (مكة كولا) عوضا عن المنتوج الأميركي، وتتحدث الصحف يوميا عن ازدياد عدد المطاعم والمحلات التي تقاطع المنتجات الأميركية. ومن أبرز علامات المقاطعة الشعبية النقص الواضح في عدد زبائن مطاعم الهامبورغر التي تعتمد بصورة كبيرة على الشباب.

وقال كيفن فيسمان -18 عاما - إنه شارك حتى اليوم في ثلاث مظاهرات وهو عازم على الاستمرار في التعبير عن رأيه المعارض للحرب وقال إن الدراسة بالنسبة إليه أصبحت ثانوية الآن لأنه لا يستطيع التركيز على القراءة ويتابع أخبار الحرب بصورة مكثفة عبر التلفزيون وانه ليس بوسعه التزام الصمت على جرائم بوش وبلير. وقال فيسمان إن صوت الشارع الألماني شجع المستشار شرودر على التمسك بموقفه المعارض للحرب.

أما زميلته ماريا التي كانت ترتدي قميصا عليه صورة الزعيم الاسطوري الكوبي تشي غيفارا الذي قالت إنه استشهد دفاعا عن الحرية قالت إنها شاركت في السابق في مظاهرات ضد اليمين المتطرف وتعتقد أن بوش على وشك التسبب في حرب عالمية ثالثة. وطلب طلبة أحد الصفوف في واحدة من مدارس برلين إلغاء رحلة مقررة إلى لندن واستبدال الوجهة الى مدينة باريس اذ يريد الطلبة تنظيم مظاهرة تأييد لموقف الحكومتين الفرنسية والألمانية. كما صدرت عن مكاتب تبادل الطلبة مع الولايات المتحدة سحب مجموعة من الطلبة الألمان طلبات السفر للتحصيل العلمي في الولايات المتحدة.

وقال الخبير الاقتصادي ومنسق نشاطات منظمة (أتاك) المناهضة للعولمة سفين غيغولد، إن الناس يعبرون عن آرائهم في الشوارع ليس لأنهم يعارضون أية حرب بل لأنهم يعارضون الحرب غير المشروعة ضد العراق. وأوضح سفين أنه من خلال مناقشاته مع الشباب لا يريد هؤلاء سوى الحديث عن الحرب حتى أولئك الذين لم يكن لديهم اهتمام بالسياسة قبل اندلاع المعارك. وانتهى إلى القول: تسهم الحرب والرفض القاطع لها في ألمانيا في تسييس جيل بأكمله، فهناك مجموعة كبيرة من المتظاهرين شاركوا في مظاهرات مناهضة لحرب الخليج الثانية ومسيرات الحزن عقب هجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001، واليوم يتظاهرون ضد سياسة الولايات المتحدة التي خسرت تعاطف الألمان الذي بلغ أقصى حد له بعد الهجوم على نيويورك وواشنطن واليوم يتعاطفون مع شعب العراق

العدد 205 - السبت 29 مارس 2003م الموافق 25 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً