العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ

إذا وقعت حرب العصابات سيواجه الغزاة الفشل الذريع

خبراء عسكريون ألمان:

مر على حرب الخليج الثالثة أكثر من 12 يوما ونتائج استراتيجية التحالف الأميركي - البريطاني محدودة للغاية بالنظر إلى التفوق العسكري الكبير مقارنة مع إمكانات العراق الذي تعرضت ترسانته العسكرية إلى ضعف شديد بعد الحرب السابقة، كما اضطر إلى تدمير كميات كبيرة من أسلحته تنفيذا لقرارات الأمم المتحدة.

وقبل اندلاع الحرب بأيام قليلة تخلص العراق من مجموعة معتبرة من صواريخ (الصمود 2) إذ كان يأمل التوصل إلى حل سلمي للأزمة. وحين يحاول الخبراء العسكريون تحليل نتائج عمليات التحالف العسكرية حتى اليوم يرون نتائج عقيمة، إضافة إلى عدم وضوح استراتيجية الحرب، بل وتظهر مفاجأة بعد أخرى. فهل أخطأ الأميركيون والبريطانيون حساباتهم؟

ما يعرفه الرأي العام في الولايات المتحدة وبريطانيا وأسبانيا والدنمارك واستراليا وبولندا ومجموعة الدول المتعاونة في الحرب التي ترفض أن يذكر اسمها، أن هذه الحرب ستدوم فترة من الزمن تزيد على ما أخذ في الحسبان، كما تحتاج إلى أموال وعتاد عسكري وجنود أكثر. ويرى البعض أنها ستتحول إلى حرب عصابات. وقد حاولت وزارة الدفاع الأميركية تهدئة الوضع بعد صدور انتقادات حول استراتيجية الحرب غير الواضحة حين قال مسئول أميركي كبير: «لا يجب أن ننسى أن العدو له كلمة يقولها في الحرب».

والواضح أن العراق له كلمة قوية في سير الحرب وبصورة لم يتوقعها أحد في دول التحالف، فمدير معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أنتوني كوردسمان قال: «قيل لنا إن جنود العراق عبارة عن دمى وانهم سيستسلمون بمجرد رؤية جنود المارينز». وأضاف: «لقد درس العراقيون الأساليب العسكرية الأميركية والروسية والصينية واليوغسلافية جيدا طيلة السنوات الاثنتي عشرة الماضية، وتدل مقاومتهم على أنهم استوعبوها جيدا».

وقال كوردسمان الذي شغل منصب مستشار استراتيجي في السابق بوزارة الدفاع الأميركية إن لجوء العراقيين إلى استخدام تكتيك حرب العصابات واستدراج القوات المهاجمة إلى العمق العراقي أثار ذعر الاستراتيجيين في واشنطن لأنهم كانوا يتوقعون نهاية سريعة للعمليات العسكرية وأن يجري استقبال الجنود الغزاة بالورود والزغاريد.

ويقول محرر القضايا العسكرية والاستراتيجية في صحيفة «زود دويتشه» دانييل بروسلر: يعاني الشعب العراقي من جراء الحرب، ويرى أن الأميركيين والبريطانيين يهددون مستقبل بلدهم ولا يرونهم كمحررين وفقا لاعتبارات مخططي الحرب، ولاشك أن وزارة الدفاع الأميركية أساءت التقدير بشأن هذه النقطة، ويكفيها الإطلاع على تقرير سفارة واشنطن في العاصمة الأردنية الذي يكشف ازدياد عدد المعارضين العراقيين الذين يعودون بمحض إرادتهم إلى العراق للدفاع عن سيادة بلدهم بغض النظر عن خلافاتهم مع الحكومة العراقية.

ويوضح بروسلر أن فرق المصورين التابعين للقوات الغازية لم تفلح حتى اليوم في نقل الصور التي نسجها الاستراتيجيون في أذهانهم لكسب تأييد الرأي العام داخل بلدهم، فالعراقيون يرفضون المؤن الغذائية التي جيء بها عبر الكويت ويقولون للجنود أمام عدسات المصورين: ارحلوا عن بلدنا إننا لا نريدكم بل نريد صدام.

ومما لا شك فيه أن التحالف لم يكن يتوقع رد فعل مثل هذا، وكان يأمل أن ينهار النظام العراقي وتفتح بغداد أبوابها لجنوده. ولكن بعد أكثر من عشرة أيام على اندلاع المعارك تسير الأمور في اتجاه غير واضح من وجهة نظر القوات المهاجمة، فيما يتنبأ مؤرخون عسكريون ألمان مسبقا بهزيمة قاسية للأميركيين والبريطانيين.

أستاذ الدراسات العسكرية في جامعة «فرايبورغ» مانفرد ميسرشميت (وكان حتى العام 1988 مديرا لدائرة البحوث العسكرية ويعتبر عميد المؤرخين العسكريين الألمان) يقول إنه بالحسبان تعرض قوات التحالف إلى هزيمة في هذه الحرب، إذا ظل الرئيس العراقي في منصبه. وقال إن الغزاة لن يفلحوا في دخول بغداد أو البصرة إلا في حالة واحدة: تدميرهما من الجو تدميرا كاملا أو فرض حصار تجويعي مدة من الزمن وسيكون هذا صعبا للغاية على ضوء الغضب الذي يجتاح الشارع العربي.

واضاف ميسرشميت قوله: دلت تجارب الحرب العالمية الثانية وحصار لينينغراد الذي دام تسعمئة يوم أن حرب الشوارع تلحق الأهوال والدمار وتسفر عن خسائر بشرية كبيرة. وكشف أن القوات الألمانية ترددت في تلك الفترة في غزو المدن الروسية الكبيرة بهدف احتلالها، وكان قرار مهاجمة المدن الروسية عائدا لهتلر الذي طلب تدميرها أو تجويعها حتى تستسلم، لكن هذه الاستراتيجية فشلت في لينينغراد وستالينغراد. وقال ميسرشميت: من غير المعقول احتلال مدينة يعيش فيها ملايين البشر، وما يدخل ضمن المعقول احتلال أجزاء منها.

حصار بغداد

تشير معلومات - على صفحة الإنترنت للجنة عمل بحوث الحروب التابعة لقسم العلوم السياسية في جامعة هامبورغ الألمانية - إلى نتائج البحوث التي أجرتها عن الحروب التي وقعت في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وقال بيرند روت المشرف على عمل لجنة بحوث الحرب: إذا تمكن الأميركيون والبريطانيون من السيطرة على بغداد سيكون ذلك مفاجأة لأنه لم يسبق أن نجح جيش في العالم باحتلال مدينة يعيش فيها ملايين البشر. ويشاطره بالرأي غيرد كرومايش أستاذ الدراسات العسكرية في جامعة دوسلدورف الذي أضاف: أعلنت باريس استسلامها في الحرب الألمانية الفرنسية في العام 1870 فقط لأن المدينة تعرضت إلى حصار وقطعت المؤن الغذائية عنها. وقال كرومايش: لن يجدي التفوق العسكري للقوات المهاجمة نفعا إذا قامت حرب عصابات، وضرب المدن يزيد الشعب تمسكا بقيادته. كما للمؤرخ العسكري برنهارد روينر من جامعة بوتسدام رأي واضح في هذا الموضوع إذ قال: ليس من الممكن السيطرة على بغداد إذا ظهرت مقاومة شعبية، وإذا أصر التحالف على ذلك سيحتاج إلى عدد كبير من القوات وإلى حصار يستمر شهورا، وربما عاما أو أكثر، والنتائج ليست مضمونة

العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً