العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ

الآثار الناجمة عن معركة بغداد

الآثار الناجمة عن المعركة موجودة في كل مكان. فقد شوهدت شاحنات وناقلات جند مدرعة محترقة ومدافع ميدان عراقية مقلوبة وحفر ناجمة عن القنابل الملقاة وأشجار نخيل سوداء.

كما شوهدت في منتصف الطريق السريع إلى اليمين من التقاطع دبابة أميركية من طراز ابراهامز M1A1 فوهتها مصوبة باتجاه الطريق السريع، وكان الجنود العراقيون الذين ارتسمت على وجوههم ابتسامة عريضة يقفون على برجها وكأنه منصة.

وقد أصر وزير الاعلام العراقي فيما بعد على انه تم تدمير خمس دبابات أخرى، لذلك فان هذا يعتبر انتصارا رائعا بالنسبة إلى العراقيين الذين كانوا يمشون في شوارع بغداد ويطلقون النار في الهواء من أسلحة أوتوماتيكية.

انها معركة ثمنها باهظ تمثل في اراقة الدماء وازهاق الكثير من الأرواح. وعندما وصلت إلى المكان يوم الاحد الماضي كان قد تم ازالة الآثار الفظيعة الواضحة للمعركة - الجثث والدم والقيء.

ولكن الجيش العراقي والبنتاغون بذلا جهدا كبيرا لتغطية مكان المعركة بالاكاذيب. فقد أعلن البنتاغون بافتخار قتل ألف عراقي في هذه المعركة بينما أعلن العراقيون بشكل أكثر تواضعا مقتل خمسين أميركيا. لقد اعترف الجانبان بتكبد اصابات ويبقى على القارىء ان يقدر حجمها.

وقد تناثر حطام ثلاث ناقلات جند عراقية ومدفع مضاد للدبابات عيار 106 ملليمترات وأكثر من 25 عربة عسكرية و كاتيوشا على الرمال المحيطة بالطريق السريع على بعد سبعة أميال فقط من وسط بغداد.

وحتى بعد ان تسلقت هذه الكتلة من المعدن الذي مازال حارا عاد الطيارون الأميركيون ثانية اذ دوت طائراتهم النفاثة غير المرئية في السماء فوق ارض المعركة. وقد كانت هناك دبابة أميركية وبها ثقب واضح في درعها نجم بالتأكيد عن اطلاق النار عليها من مدفع عيار 106 ملليمترات - لربما تكون قطعة المدفعية العراقية التي شاهدتها مقلوبة في الوحل على بعد مئتي متر. لقد تسلقت برج الدبابة الغائر ومشيت حولها وأنا أنظر إلى فتحتها.

انني لم أشاهد اي قتلى أميركيين بداخلها، وقد زعم ضابط عراقي ان جنوده اخرجوا جثث ثلاثة من طاقم الدبابة في وقت مبكر من الصباح ولكني لم أر أي دليل على وجود آثار آدمية.

وبدأنا ننظر باتجاه السماء عندما قامت الطائرات النفاثة الهجومية بزيادة سرعتها، وشاهدت رمزي - وهو صديق قديم ومصور لبناني كنت أعرفه منذ الحرب الأهلية في لبنان - يجري طلبا للنجاة وعرفت انه عندما يجري رمزي فلا بد أن أفعل الشيء نفسه.

فقفزت من فوق حطام الدبابة الأميركية وأسرعت طلبا للنجاة في الطريق السريع مع أكثر من اثني عشر جنديا عراقيا وصحافيا، وقد مرت الطائرة من فوقنا محدثة دويا كالرعد.

وأود ان أتحدث عن تخمين بالنسبة إلى ما حدث لهذه الدبابة الأميركية المدمرة. ان هذه الدبابة قد تكون اصيبت وتم انقاذ طاقمها من قبل مركبة اخرى اثناء مهمة جس نبض لدخول ضواحي بغداد. وإذ ان الأميركيين لا يريدون ترك دبابتهم المعطوبة والتي يمكن أن يصلحها العراقيون فقد أمر سلاح الجو بتدميرها. ان هذا يفسر سبب وجود الحفرة والكتل الكبيرة من المادة الاسفلتية المقصوفة حول الدبابة، ولربما تم انقاذ طاقم الدبابة ولربما تم أسرهم مع ان العراقيين كانوا سيخبروننا عن ذلك.

ولكن هناك درسان تكتيكيان لابد من تعلمهما من كل هذه المواجهات.

أما الدرس الأول فهو ان المهمة الأميركية - مهما تكن نيتها الأصلية - فهي فاشلة. ان طابور دباباتهم لم يقتحم المدينة كما ذكر مركز القيادة الانجلو أميركية اصلا. لقد تمكنت المقاومة العراقية من صد الهجوم وكان رد الفعل الأميركي - هجوما جويا على عربات عسكرية عراقية فردية - تم تنفيذه على ما يعتقد بواسطة طائرات الأباتشي لأن كل حطام محترق كان قد ضرب بصاروخ صغير من مسافة قريبة.

أما الدرس الثاني فهو للعراقيين الذين كان عليهم الا يدفعوا بقواتهم المدرعة وعرباتهم العسكرية إلى مسافة قريبة من الجبهة.

وحتى اذا ما تم تدمير ست دبابات أميركية كما يزعم وزير الاعلام فان ذلك تم بخسارة خمسة أضعاف من عرباتهم ومدافعهم بالنسبة إلى القوات الأميركية.

لذلك فانه من الناحية العسكرية - وعلى رغم الحديث الطنان للأميركيين عن نجاح التوغل الأميركي الذي تم احباطه - فلا يزال العراقيون صامدين في معركة بغداد مع أنهم تكبدوا خسائر تقدر بمئات الاصابات.

لقد شاهدت خمس عشرة جثة لجنود عراقيين تم نقلها من أرض المعركة في شاحنة تجاوزت سيارتي دمرت من أمامي يوم السبت الماضي، وكانت ارجل الجنود القتلى تتدلى من الباب الخلفي للشاحنة.

ان هذه الايام باعثة على اليأس وهو أمر لا يمكن لوزير الاعلام العراقي الثرثار ان يخفيه عن العالم في الواقع.

لقد عقد مؤتمره الصحافي الساعة الثانية والنصف ظهرا وسط دوي انفجار القذائف وقذائف مدافع الهاون.

لقد سأل وزير الاعلام العراقي احد المراسلين اللحوحين كيف عرف ان هذا الصوت هو صوت القذائف. لربما يكون صوت الهجمات الجوية المستمرة التي يقوم بها هؤلاء الاوغاد والمرتزقة، وعلى أية حال لقد كان هناك موضوع مثير في الخطبة المنمقة اليومية لوزير الاعلام: الاشارة بشكل متواصل الى التكتيك الأميركي في اختبار الدفاعات العراقية وتقهقر القوات الأميركية عندما يبدأ العراقيون هجوما مضادا. لقد حدث هذا في المطار.

عندما دخلوا تم ردهم وقصفهم بمدفعيتنا حتى تراجعوا الى منطقة أبوغريب. وعندما توقفنا عادوا ثانية. اذ احتلال القوات الأميركية للمطار كان لمجرد التصوير والدعاية، بحسب ما قال الصحاف. وهناك تقارير بان الأميركيين يجربون التكتيكات نفسها ثانية في ضاحية المنصور التي تقطنها الطبقة الوسطى من العراقيين. لقد ازداد النشاط الجوي بالتأكيد فوق بغداد بدرجة كبيرة اذ اخترقت الطائرات النفاثة أجواء المدينة واسقطت قنابلها على مناطق الى الغرب من نهر دجلة على مسافة بضع مئات من الامتار من المكان الذي دارت فيه معارك شرسة يومي السبت والأحد من هذا الاسبوع.

لقد كان الدخان والتراب الناجمان عن الانفجارات شديدين ما جعل الرؤية تنخفض الى بضع مئات من الامتار فقط. وقد ساعدت حرائق النفط المشتعلة في خنادق حول بغداد على خفض الرؤية ايضا.

ولكن كان بالامكان مشاهدة السيارات المدنية وهي تجوب شوارع المدينة اذ كانت هذه السيارات محملة بالشراشف والبطانيات والبياضات (المناديل وأغطية الاسرّة) وأواني الطبخ والصناديق. أما الاثرياء الذين يقطنون في فلل في المحافظات الاخرى الاكثر هدوءا في العراق فقد بدأوا بمغادرة بيوتهم توقعا لما هو اسوأ.

أما المؤشر الآخر على الأيام الأكثر خطورة فهو احتجاب الصحف اليومية العراقية. فلا يستطيع احد تفسير سبب عدم ظهور صحيفة القادسية وصحيفة العراق أو حتى صحيفة «عراق ديلي» المقيتة في محلات بيع الصحف. كما لا يعرف لماذا لم يتم طبع صحيفة بابل اليومية المملوكة لنجل الرئيس العراقي قصي.

ان هذا هو بالتأكيد مؤشر على الوضع السائد حاليا

العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً