في ظل التأثير الطاغي للعولمة على الحركة التجارية والاقتصادية التي تتطلب السرعة والتي لا تستثنى دولة من دول العالم من الخضوع لهذا التأثير. وذلك في إطار التعاملات التجارية المحلية أو الوطنية وأيضا في نطاق الاستثمارات الأجنبية بموجب اتفاقات في دول العالم والتي يشجعها وجود مناخ ملائم يتمتع فيه المستثمر الأجنبي بحوافز تشجيعية ويطمئن من خلاله على أن استثماراته التجارية ستحظى بالحماية المأمولة في الدولة المضيفة ضد ما اصطلح على تسميتها بالأخطار السياسية أو غير التجارية فالدولة المضيفة تتمتع بسيادة على إقليمها تمكنها من ممارسة سلطات واسعة على أوجه نشاطات الاستثمارات الأجنبية داخل هذا الأقليم أو ذاك. مثل قيامها بتعديل أو إلغاء التشريعات التي تخضع لها الاستثمارات التجارية أو زيادة في معدل الضرائب المفروضة على الاستثمار.
ولحماية التعاملات التجارية المحلية أو الوطنية والاستثمارات التجارية التي يقوم بها رعايا أي من الدول في الدولة الأخرى وإزالة العقبات التي يضعها قانون كل دولة في وجه تدفق الاستثمارات والحركة التجارية على وجه العموم ولما تتطلبه الحركة التجارية من سرعة الحكم والبت في المنازعات الناشئة عنها حتى لا يترتب على تأخر الحكم والبت في منازعاتها الاضرار على المستثمرين وتعطيل مصالحهم من طول مدة هذه المنازعات بالطرق التقليدية بعد أن أصبحت المحاكم مثقل كاهلها بالقضايا. ولأهمية تحرير هذه الجهات من تبعات تأخر البت في المنازعات الناشئة عن الحركة التجارية كان لابد من إيجاد آليات لتسوية المنازعات التجارية بوسيلة محايدة وفعالة وهي تسويتها عن طريق التحكيم التجاري وتأسيسا على ذلك فإن غالبية اتفاقات الاستثمارات التجارية سواء المحلية أو الأجنبية تنص على حل المنازعات الناشئة عنها عن طريق التحكيم التجاري المؤسسي بإحالة النزاع إلى أحد مراكز أو هيئات التحكيم التجارية المعروفة.
ومن هنا برزت أهمية دور التحكيم وسيلة من وسائل الفصل في المنازعات التجارية لقيامه بدور مهم ورئيسي وفي تسوية المنازعات نظرا إلى ما يقدمه من مزايا وفوائد للمتخاصمين جعلت اللجوء إليه في إزدياد متواصل وخصوصا أن المتخاصمين يتفقان مسبقا على الرضا بحكم المحكمين وعدم الاعتراض على قرارهم لما يلي:-
- خبرة المحكم في فض المنازعات بين الخصوم فالمحكم غالبا ما يكون ملما أو متخصصا في موضوع النزاع ويتم اختياره بحكم خبرته وقدرته على حل النزاع. فالخصوم يولون تفهما في المحكم الذي اختاروه وذلك بحكم خبرته ونزاهته وقدرته على حل النزاع بينهم وإقتناع منهم مهما كان قرار المحكم، ما يدفعهم إلى تنفيذ قراره وذلك بدوره يؤدي إلى استمرار العلاقة بين المتخاصمين من تعامل وتعاون حتى بعد انتهاء النزاع بينهما ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن التحكمي له طابع خاص ومميز يميزه عن القضاء العادي.
- يتميز التحكيم بالمرونة وسرعة الفصل في المنازعات وسرعة إجراءات سير المنازعة لأن الإجراءات عادة يحددها أطراف النزاع للمحكم للسير بموجبها ما يؤدي إلى توفير كثير من الوقت.
- ومن مزايا التحكيم سرية الجلسات والنطق بالحكم وذلك بناء على طلب أحد الخصوم بأن تكون الجلسات سرية وموافقة هيئة التحكيم بذلك.
- وما يميز التحكيم أن يتفق الطرفان في العقد على مكان تقام فيه جلسات التحكيم وذلك في حال نشوء خلاف أو منازعة بينهم على تنفيذ بند من بنود العقد. ومما يعجل أيضا من سرعة الفصل في المنازعات عن طريق التحكيم أن حكم المحكم لابد أن يصدر خلال فترة وجيزة معينة يتم تحديدها من قبل الخصوم ولا يتم تمديدها إلا لأسباب جدية ومقنعة وإلا كان المحكم مقصرا وبالتالي يكون المحكم عرضة للمطالبة بالتعويض من قبل الخصوم عن الضرر الذي أصابهم، جراء التأخير.
كل هذه المزايا أدت إلى قناعة الأطراف بأهمية التحكيم التجاري، ما حدا بهم إلى اللجوء إليه لمواكبته للتطورات الاجتماعية والاقتصادية بما في ذلك التحكيم في القضايا المصرفية والمالية والتأمين البحري وبموجبه يـعد التحكيم التجاري في الوقت الحاضر من أساسيات التعامل التجاري الدولي بشرط وجود الحياد والإستقلالية كما أن حكم المحكم لا يخضع لرقابة التمييز أو التدقيق إذ يكتفي بمصادقة القاضي المختص أصلا بالفصل في النزاع على الحكم الذي لا يجوز له التدخل في موضوع الحكم ويقتصر دوره فقط على التأكد من عدم وجود ما يخالف النظام العام ويترتب على تلك المصادقة أن يصبح الحكم قابلا للتنفيذ ويجوز حجية الأمر المقضي به
العدد 194 - الثلثاء 18 مارس 2003م الموافق 14 محرم 1424هـ