العدد 194 - الثلثاء 18 مارس 2003م الموافق 14 محرم 1424هـ

التحكيم وسيلة لفض المنازعات... ودعوى البُطلان

المنامة - عبدالله الشملاوي 

18 مارس 2003

التحكيم باعتباره نظاما قانونيا لفض النزاعات يسهل تمييزه أكثر مما يمكن تعريفه، وقد ورد له تعريف في قاموس أكسفورد؛ بأنه تسوية النزاع موضوع الخلاف بواسطة شخص ثالث؛ يتفق الأطراف على إحالة مطالبهما إليه للحصول على قرار عادل. ويوجد مصطلح في النظام الأنجلوسكسوني يقول Arbitrait Donصt Litigate، وهو قول يستند إلى الواقع في أن التحكيم أفضل من النزاع القضائي، ولقد جاء هذا المعنى رد فعل مضاد لحرفية قانون التقاضي؛ ويعبر عن رغبة أطراف المنازعة في التخلص منه كما تحل منازعاتهم طبقا لمبادئ أكثر رحابة من تلك التي تبعها قضاء الدولة بوسائله التقليدية في حل مشكلات تكلف الخصوم الشيء الكثير؛ ما حدا بهم إلى البحث عن وسيلة أخرى لحل تلك المشكلات، فوجدوا ضالتهم المنشودة في التحكيم الذي أصبح من سمات هذا العصر والأسلوب الحضاري لحل المنازعات. فحقيقة المقصود من التحكيم إذا هو الاستغناء عن الالتجاء إلى القضاء. وكثيرا ما تكون الثقة في حسن تقدير المحكم وحسن عدالته هي مبعث الاتفاق على التحكيم، ومن هذا الاتفاق ينبثق الحكم في الخصومة التحيكمية.

الشروط الموضوعية في حكم المحكمين

* أن يكون كاملا، بمعنى وجوب فصله في كل ما أحيل إلى المحكم من منازعة، وتلك مسألة تعتمد ولاشك على المسائل المحالة إليه، وله أن يصدر حكما يعالج جانبا من النزاع إذا أجاز له اتفاق التحكيم ذلك.

* أن يكون الحكم مؤكدا، أي يستفاد منه المعنى الذي قصده المحكم من الحكم بشأن المسائل المتنازع عليها فإذا ثار شك بشأن فصل الحكم بالمسألة المحالة إلى التحكيم فإنه يبطل؛ لأن الحكم غير المؤكد غير نافذ، فإذا قضى الحكم بإلزام أحد الخصمين بالتعويض من دون تحديد مقدارها عد الحكم فاسدا وتعين إعادته للمحكم لتأكيده، ما لم يتضح من الحكم عجز المحكم عن القيام بمهمته لعدم فهمها، وهنا يكون السبيل الإحالة إلى محكم آخر، مع أخذ المواعيد في الإعتبار.

ونخلص مما سبق إلى أن هناك شروطا يلزم توافرها في حكم المحكمين حتى ينفذ من قبل أطرافه، منها ما تعلق بالشكل ومنها ما تعلق بالموضوع ومنها ما تعلق بعدم مخالفته اتفاق التحكيم لنصوص القانون، وإلا تعرض ذلك الحكم لإبطاله من المحاكم الرسمية.

الطعن في أحكام المحكمين

إن جوهر التحكيم قيام المحكمين بعملهم على أساس اتفاق تحكيم أبرم بين طرفيه لإنهاء النزاع، ومن ثم فإن الطرف الخاسر ينفذ الحكم طواعية قبل أو بعد إيداع الحكم لدى قلم كتاب المحكمة المختصة لأن حقيقة التحكيم والمقصود منه هو الاستغناء عن الالتجاء إلى القضاء ومن اتفاق الخصوم ينبثق الحكم، ولذلك فالأصل أن يكون حكم المحكمين نهائيا حاسما للنزاع، فيكون من المغالاة في التمسك بالشكليات، بل من المغالاة في تحقيق ضمانات الخصوم، أن يكون حكم المحكمين قابلا للطعن. ومن الغريب أن يجيز المشرع التحكيم، ثم يجيز استئناف حكم المحكمين أمام المحاكم، لتأخذ بعدئذ الإجراءات سبيلها إلى درجات المحاكم المختلفة بينما تكون قد بدأت بالتحكيم بقصد تفادي السير في هذه الإجراءات واختصارها. ولقد اختلفت التشريعات المقارنة فيما يتعلق بإلغاء أحكام المحكمين، فأجاز القانون البحريني الطعن على حكم المحكمين بالاستئناف وذلك بالمادة (242) مرافعات، وطلب بطلان الحكم بموجب المادة (243) مرافعات وكذلك إعادة النظر إذا قام مقتضاه.

الطعن بالاستئناف

جوز قانون المرافعات البحريني أصل الطعن بالاستئناف على أحكام المحكمين ما لم يتنازل الخصوم صراحة عن حقهم في الاستئناف أو كان المحكمون مفوضين بالصلح، أو كانوا محكمين في استئناف. ولاشك في أن الحكم الصادر في الاستئناف المرفوع على المحكمين يكون داخلا في ولاية محكمة التمييز لأن الطعن يوجه هنا في الحقيقة إلى حكم محكمة الاستئناف، على أن التساؤل يبقى عن مدى جواز الطعن بالتمييز على حكم المحكمين في الاستئناف وأمام صراحة المادة الثامنة من قانون محكمة التمييز والتي تقصر جواز الطعن أمام محكمة التمييز على الأحكام التي تصدرها محكمة الاستئناف العليا أو محكمة الاستئناف الكبرى، فإن حكم المحكمين في الاستئناف ليس داخلا تحت هذين العنوانين فلا مجال لإدخاله في ولاية محكمة التمييز. وقد حدد المشرع ثلاثين يوما للطعن باستئناف الحكم طبقا للقواعد المقررة لاستئناف أحكام المحاكم، علما بأن ميعاد استئناف الأخيرة خمسة وأربعين يوما.

دعوى البطلان

أجاز المشرع البحريني بالمادة (234) مرافعات، لكل ذي شأن أن يطلب بطلان أحكام المحكمين الصادرة انتهائيا، وأقام ذلك على شرطين هما:

* أن يكون حكم المحكمين انتهائيا - ويتصور ذلك في ثلاث حالات هي كون المحكمين مفوضين بالصلح، أو صدور الحكم في استئناف، أو نزول الخصوم عن الحق في الاستئناف الذي يمكن به تصحيح عيوب الحكم، ولذلك إذا كان الحكم قابلا للاستئناف ورفع عنه ذلك الطعن ورفض أو فوت الخصم الميعاد فلا سبيل إلى رفع دعوى البطلان.

* أن يكون سبب البطلان مما قرره المشرع حصرا بالمادة (243) وهي:

أ) إذا صدر الحكم التحكيمي بناء على اتفاق باطل على التحكيم أو خرج عن حدود اتفاق صحيح أو سقط الاتفاق بفوات الميعاد، وفي كل هذه الحالات يستند البطلان إلى أن المحكمين فقدوا ولايتهم في إصدار الحكم أو أنهم خرجوا عن ولايتهم المستمدة من الاتفاق.

ب) إذا تحقق سبب من الأسباب التي يجوز من أجلها التماس إعادة النظر فإن القانون البحريني يقرر بموجب المادة (243) مرافعات لذوي الشأن جواز التماس إعادة النظر كسبب من الأسباب التي تجيز دعوى البطلان في حكم المحكمين.

ج) إذا وقع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر في الحكم، ونستهدي هنا بحكم لمحكمة التمييز الكويتية تقرر فيه أن صحة أحكام المحكمين لا تقاس بالأقيسة ذاتها التي تقاس بها أحكام القضاء، إذ يكفي لحمل حكم المحكمين على محمل الصحة أن يرد بأسبابه ملخص الوقائع التي استخلصها من المساجلة الدائرة بين الطرفين في النزاع محل التحكيم، وأن يصيب في توقيع ما يحملها من القواعد القانونية، ومن ثم فلا يعيبه إيراده للأسباب بصفة مجملة مادام لم يقع في موضوعها ما يخالف القانون، وهذه مسائل لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، ومنها قضاء المحكم بما لم يطلب منه أو بأكثر مما طلب أو تناقض منطوقه أو صدر على من لم يمثل أصلا في خصومة التحكيم.

وترفع دعوى البطلان لدى المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، ويقتصر رفع هذه الدعوى على الأحكام الوطنية فقد لا شأن لها بالأحكام التحكيمية الأجنبية

العدد 194 - الثلثاء 18 مارس 2003م الموافق 14 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً