العدد 204 - الجمعة 28 مارس 2003م الموافق 24 محرم 1424هـ

بسام العسلي لـ «الوسط»: العالم كله معرض لتداعيات خطيرة

قال الكاتب والباحث الاستراتيجي والضابط المتقاعد «بسام العسلي» في تصريحات لـ «الوسط» عن تداعيات ونتائج الحرب الإنجلو - أميركية العدوانية ضد الشعب العربي العراقي:

بجميع مقاييس الأعراف والقوانين الدولية، تشكل الحرب الانجلو - أميركية العدوانية على العراق خروجا فاضحا على الإرادة الدولية متخذة طابع العدوان السافر على دولة عضو في الأمم المتحدة ومحاولة تقويضها واحتلالها بالقوة المسلحة بما يعنيه ذلك من تدخل في شئون الدول يمس سيادتها واستقلالها وحرمة ترابها، ومن خرق للميثاق الدولي الذي ينص على احترام حقوق سيادة الدول وعدم اللجوء إلى القوة فض النزاعات الدولية.

وهذه الحقيقة التي يحاول أطراف الحرب الالتفاف عليها بجملة ادعاءات غايتها اضفاء طابع (انساني) كاذب على حربهم العدوانية كـ (تحرير العراق) و(نزع أسلحة الدمار الشامل) و(ضمان السلم الدولي والاستقرار الإقليمي)، تجد التعبير عنها في افتقار الحرب لأي غطاء قانوني من الأمم المتحدة وفي طبيعة المشهد الدولي السائد حيالها.

وأضاف العسلي قائلا: في جانب الغطاء القانوني الدولي يتكئ معسكر الحرب العدوانية في تسويغ حربه على الزعم بأن جملة القرارات الدولية المتعلقة بالأزمة العراقية تبيح له الخروج للحرب في حال لم يتم التوصل إلى حل سلمي للأزمة عبر الأمم المتحدة، لكن الحقيقة التي غيّبها هذا المعسكر وتجاهلها عن قصد وسوء نية هي أن هذه القرارات، وعلى رأسها القرار 1441، تبقي مسألة الحل والربط في يد الأمم المتحدة بوصفها المرجعية الوحيدة المخولة بتحديد ما يلزم فعله.

وخلال المداولات التي دارت داخل مجلس الأمن حول المسألة العراقية، وعلى رغم الضغوط الكبيرة التي مارستها الولايات المتحدة وبريطانيا لتوفير غطاء قانوني يجيز لهما اللجوء الى الحرب، كانت النتيجة إجماع غالبية الدول الأعضاء على رفض خيار الحرب، واسقاط مشروع القرار الأميركي - البريطاني الذي جرى طرحه وتعديله من أجل إجازة العمل بهذا الخيار، ما يعني كذب الادعاء الأميركي - البريطاني القائل إن القرارات الدولية تجيز الحرب، وما يكشف في الوقت نفسه بأن الحرب تفتقر لأي مبرر قانوني، وبالتالي تنطبق عليها صفة العدوان السافر.

ولعل الموقفين الفرنسي والروسي يفيدان كثيرا في تفنيد مزاعم معسكر الحرب، إذ قال الرئيس الفرنسي «جاك شيراك» في أول رد فعل له على الحرب: «إن الولايات المتحدة وبريطانيا خرجتا عن الشرعية الدولية باعلانهما الحرب على العراق»، فيما قال وزير الخارجية الروسي «ايغور ايفانوف» في الإطار نفسه: «سنعارض أية محاولة لإضفاء الشرعية على الحرب الأميركية - البريطانية وعلى التشكيل السياسي لعراق ما بعد الحرب»، وهاتان الشهادتان تؤكدان حقيقة خروج واشنطن ولندن على الإرادة الدولية.

وتابع العسلي قائلا: أما في جانب المشهد الدولي، فإن صور الرفض العالمي، بمستوييه الرسمي والشعبي تبدو ظاهرة، إذ تعم مظاهر الاحتجاج العارم مدن العالم، بما فيها دول أطراف الحرب، على حماقة الحرب، وإذ تحمل حكومات غالبية دول العالم على هذا السلوك الأرعن، نقول ان هذه الصور تكفي لاثبات أن الاجماع الدولي متحقق برفض الحرب، ما يؤكد عدم شرعيتها وبطلان مزاعم أطرافها بأنها مغطاة قانونيا.

وطبقا لهذه الحقائق، فإن العراق وشعبه ضحية لحرب عدوانية سافرة، والعالم كله معرض لتداعيات خطيرة، لن يكون أقلها تهميش دور الأمم المتحدة وضرب صدقيتها، ما يجعل الواجب الأخلاقي والقانوني لدول العالم قاطبة تفعيل الموقف المناهض للحرب، بمستوييه الرسمي والشعبي، واحكام العزلة على أطراف الحرب، وفضح أهدافهم العدوانية، ودعم صمود الشعب العراقي في وجه آلة العدوان وجرائم منفذيه، والعمل على وقف الحرب بالسرعة الممكنة تفاديا لتداعياتها الخطيرة على مستقبل الأمن الإقليمي والسلم الدولي، وتحميل مسئولية النتائج التي ترتبت على الحرب حتى الآن ويمكن أن تترتب في المستقبل أيضا، على أطرافها الذين أصروا على شنها خروجا على الإرادة الدولية.

وأضاف العسلي تصريحاته لـ «الوسط»:

بلغة ومنطق مافيات وعصابات القتل والإرهاب والجريمة المنظمة في الكيان العنصري الصهيوني، وبعقليتها وعقيدتها وشعاراتها ونظرياتها العسكرية المعمول بها منذ اغتصاب فلسطين في العام 1948 يجري اليوم تدمير العراق، واحراق عاصمته ومدنه وقراه، وعلى خطى هولاكو بدأت قوات التحالف الأميركي - البريطاني، وتواصل حربها الدموية الحاقدة وانتهاج سياسة الأرض المحروقة ضد هذا البلد الصامد، مستخدمة كل ما في ترسانتها من أسلحة التدمير الشامل، بسادية وهوس وتعطش للقتل يثير القشعريرة ويفجر مشاعر السخط والغضب والإدانة، ويؤكد أن العالم أمام حالة مرعبة من الجنون وعربدة القوة والاستباحة والفلتان لدولة عظمى مفتونة بالحرب وصاحبة باع طويل وسجل أسود زاخر بالجريمة والعدوان على الشعوب وكسب عداوتها.

فالحروب الوقائية والضربات الاستباقية لمجرد الشبهة والمقاصصة على أساس النوايا والظنون والقراءة الغيبية للأفكار، ونظريات الأمن والسلامة وأخذ الشعوب بجريرة أفراد وأشخاص واتهامات تفتقر الى الأدلة، ومعاقبتها وفق معادلة «بوش» الجديدة، «من ليس معنا فهو ضدنا»، جميعها مصطلحات ومفاهيم إسرائيلية صرفة، كانت وما زالت المرتكز لحروب «إسرائيل» العدوانية في المنطقة وفظاعاتها وممارساتها الإجرامية بحق الأرض والإنسان العربي، المدعومة أميركيا بصورة مطلقة ومخالفة لأي منطق.

وهذا ما يوضح ويفضح طبيعة العدوان الأنجلو - أميركي والأصابع الصهيونية التي تقف خلفه وتذكي أوامره، ويعري حقيقة المرامي والأهداف الكامنة وراءه، والتي تصب حسب اعتراف الإدارة الأميركية نفسها، وبموجب كولن باول، في مصلحة «إسرائيل»، والتي تكرس هيمنة الحليفين الاستراتيجيين على المنطقة وتفتيتها جغرافيا، إلى دويلات وكانتونات هزيلة، ونهب ثرواتها النفطية ومصادرة إرادتها وحريتها وقرارها وقرارها السياسي، واستخدامها للسيطرة على العالم والتحكم بمصائر شعوبه.

والمسلَّم به أن الوحشية التي تقصف بها بغداد وسائر المدن العراقية، والتعرض للشعب العراقي والمناطق الأهلية، ومهاجمة الأهداف المدنية بصواريخ «توما هوك» و«كروز» والقنابل الذكية والعنقودية المحرمة دوليا، وأسلحة قتل وتدمير ذات تقنيات متطورة تحملها قاذفات (ب - 52) الاستراتيجية، ويجرى استخدامها لأول مرة، لاحداث أكبر قدر من الضحايا والخسائر، والترهيب والترويع والتأثير على معنويات الشعب العراقي الصامد الذي يتصدى بضراوة وشجاعة لآلة العدوان، تجعل هذه الحرب العدوانية عملية قرصنة، تدحض أكاذيب وشعارات واشنطن ولندن، وتجعل منهم مجرد قتلة وتجار ومجرمي حروب.

واختتم الكاتب والباحث «بسام العسلي» تصريحاته لـ «الوسط» بالقول:

وتبعا لذلك، فإن الولايات المتحدة اليوم بتوجهاتها العدوانية ونزعتها الامبراطورية وعقلية القائمين على الإدارة ومواقع القرار فيها، هي النقيض الصارخ للحرية والديمقراطية والحضارة والتنمية وحقوق الإنسان ولشرعة الأمم المتحدة، وذروة التحدي والانتهاك للقانون الدولي ومعاهدات جنيف، فتلك شعارات قديمة (عفا عليها الزمن) ولم تعد تصرف في سوق العولمة والكونية الجديدة، أو تصمد في وجه الهجمة النازية الجديدة لمحور الشر الأميركي - البريطاني - الإسرائيلي، وهو ما يوجب على الأسرة الدولية مجتمعة، والعرب في المقدمة التصدي لمثل هذا المثلث العدواني واجباره على وقف حربه الكارثية المفتوحة، ومنعه من تحقيق أهدافه وجني أية مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية

العدد 204 - الجمعة 28 مارس 2003م الموافق 24 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً