العدد 2241 - الجمعة 24 أكتوبر 2008م الموافق 23 شوال 1429هـ

الأغنياء يدمرون البيئة العالمية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يربط الكثير منا بين «الفقر» و«تخريب البيئة»، حيث نتصور أن البلدان الفقيرة والنامية، وفي خضم بحثها عن مصادر للغذاء، أو لتنويع مصادر الدخل القومي لزيادته، تضرب عرض الحائط بالمقاييس الدولية التي تتطلب المحافظة على البيئة وصيانة مرافقها. لكن يبدو أن في ذلك تجن على الواقع، هذا ما كشفت عنه مجموعات تعنى بشئون البيئة، التي أشارت بأصابع الاتهام نحو الدول الغنية مؤكدة وبالأرقام أن مسئولية الدول الغنية عن التلوث تتجاوز تلك التي تقوم بها الدول الفقيرة بما في ذلك تلك الانبعاثات السامة المرافقة لعمليات التنقيب بالمناجم لأنها تشتري الكثير من المواد الخام والبضائع التي تفرز المخلفات لأنها الدول الأكثر استهلاكا كما أن بعض التلوث يمكن أن ينتقل عبر المحيطات عبر الغلاف الجوي ويصل في النهاية إلى المستهلكين في شتى أنحاء العالم.

وفي تصريح لوكالة أنباء «رويترز» قال مؤسس معهد (بلاكسميث) ريتشارد فولر، ومقره نيويورك، لقد «صدرنا صناعتنا إلى الخارج وحتى الآن ليست هناك ضوابط للتلوث في هذه الأماكن أو أن ضوابط التلوث غير كافية».

وقد استخلص فولر تلك النتائج من «قاعدة بيانات لما يصل إلى 600 من أسوأ الأماكن الملوثة في العالم «في الجزء الذي نحن فيه من العالم هذه المشكلات تم إصلاح غالبيتها».

ويحذر التقرير الصادر عن المعهد من أن «الأطفال في الدول النامية ما زالوا يتضررون بسبب التلوث من الكثير من الصناعات التي تنتج أو تعالج أشياء تستخدمها في الغالبية دول غنية بما فيها صهر ومعالجة المعادن وإعادة تدوير البطاريات والتنقيب سواء عن المواد التقليدية أم النفيسة».

ولا تقف مسئولية الدول الغنية عن تخريب البيئة عند تلك الحدود، فهي تنقل عوامل التدمير البيئي حتى من خلال أزماتها المالية التي قد يتصور الكثير منا عدم وجود أية علاقة بينها وبين ما يجري على جبهات الدفاع عن البيئة.

هذا ما أثبته الخبير السويسري ماتيس فاكيرناغل مستحدث المفهوم البيئي «طبعة القَدَم» أو «أثر القدم» (Footprint)، وهي عبارة عن مؤشِّر يُعطي بيانات عن كيفية تعامُل البشرية مع الموارد الطبيعية. الذي أبدى موقفا متشائما من الوصول إلى حل قريب لأزمة المالية العالمية، ودعا في مقابلة له مع موقع سويس إنفو إلى «إعادة النظر في مفهوم النمو المستمر الذي يدعو إليه البعض»، مستطردا بأن أي هبوط حاد في «استخدام الموارد الطبيعية في مجالات اقتصادية، خاصة بسبب الأزمة المالية، لن يكون حلاّ بحدّ ذاته. وآمل أن نُدرك أن الاتجاهات الحالية في استخدامنا للموارد الطبيعية، ستؤدّي إلى تخريب اقتصاداتنا أكثر وأكثر، إذا لم نُغيِّر أساليبنا»... وللحد من تفاقم التخريب البيئي يدعو فاكيرناغل إلى إصلاحات ضريبية بيئية، وهو «ما يعني ببساطة، المزيد من الضرائب على الطاقة وخفض الضرائب المتعلِّقة بالعمل».

ولإخفاء جرائمها ضد البيئة، غالبا ما تحاول الاحتكارات العالمية، التبرع إلى الأعمال الخيرية أو التبرع بفتات ما تجنيه من أرباح فلكية من عملياتها في الدول النامية، بما فيها بعض المنظمات المدافعة عن البيئة.

وقد كشفت منظمات بيئية عالمية هذا الأسلوب الرخيص وشرعت في مطالبة تلك المنظمات المدافعة عن البيئة، مثل الاتحاد الدولي لحماية البيئة، التوقف عن قبول أموال عملاقة النفط العالمية مثل شركة شل نظرا إلى «ماضي عمليات الشركة وحاضره ومستقبله» ذي الأضرار الاجتماعية والبيئية. وكان الاتحاد الدولي قد أبرم قبل فترة، عقدا مع «شل» للمساعدة في أنشطتها لحماية البيئة، مقابل 1,2 مليون دولار».

الأمر المثير للخوف هو خشية المدافعين عن البيئة من أمثال الباحثة الألمانية بمركز بحوث الغابات الدولي كريستين إهرنغهاوس من الا تكون «الجماعات البيئية الناشطة قادرة على التأثير حقا على سلوك شركات كشركة «شل». محذرة من أن الكثير من المحاولات قد تذهب أدراج الرياح.

هذه الممارسات المدمرة للبيئة التي تمارسها الشركات العملاقة التي تملكها احتكارات الدول الغنية بدأت تؤدي إلى أمراض اجتماعية خطيرة مثل تهجير السكان من أوطانهم. هذا ما أكدته دراسة لجامعة الأمم المتحدة التي قدرت أن هناك ما يربو على «200 مليون شخص سيضطرون إلى النزوح عن أراضيهم خلال عقدين بسبب المشاكل البيئية». والأسوأ من ذلك هو استغلال عصابات الاتجار بالبشر هذه المأساة لتكثيف عملياتها.

وأشار فريق الخبراء الدوليين الذي أعد الدراسة ونشرها موقع خدمات آي بي إس إلى أن «شبكات عصابات الاتجار بالبشر الموجودة حاليا سوف تستغل اللاجئين البيئيين، كما يحتمل أن تتشكل شبكات جديدة. ففي بنغلاديش، يقع الأطفال والنساء، اللاتي مات أزواجهن في إعصار «سيدر» أو هاجروا بحثا عن العمل، فريسة سهلة لتجار البشر وينتهي بهن الأمر بالعمل في الدعارة أو الأشغال القهرية في الهند.

وتتوقع تلك الدراسة أن يصل «عدد اللاجئين البيئيين المتوقعين في العام 2050 بنحو 200 مليون نسمة، غالبيتهم من أفقر الفقراء والنساء والأطفال والمسنين». ويعادل هذا الرقم ثلثي تعداد الولايات المتحدة أو مجموع سكان بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2241 - الجمعة 24 أكتوبر 2008م الموافق 23 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً