العدد 1587 - الثلثاء 09 يناير 2007م الموافق 19 ذي الحجة 1427هـ

صناعة الثقافة (2/2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وفي إطار الحديث عن صناعة الثقافة سنجد أنها تلك الصناعة التي تقوم على مقومات رئيسية: المحتوى، معالجة المعلومات، شبكات الاتصال، وأهمها المحتوى الذي يعني الطاقات الابداعية الخلاقة القادرة على إبداع المحتوى الحديث. هذا الأمر يتطلب دراسة بيئة العقل العربي وتكوينه ومطالبة تجديده وتحليل نتائج هذا العقل، حتى تتضح لنا معالم الخريطة المعرفية العربية، ومهمة تجديد العقل العربي مهمة شاقة للغاية سواء على المستوى الأكاديمي أو التنويري أو الإعلامي، فليس سوى استغلال تكنولوجيا المعلومات كأداة لتعميق الفكر الثقافي واستغلال الفكر الثقافي كأداة لتوطين تكنولوجيا المعلومات.

وعلى المستوى العربي كان من الرواد العرب الذين تلمسوا هذا التحول في الثقافة من حيث كونها إنتاج إنسانيا محليا نابعا عن البيئة، ومعبّرا عنها ومواصلا لتقاليدها في هذا الميدان أو ذاك، إلى صناعة متكاملة هو د. نبيل علي في كتابه الثقافة العربية وعصر المعلومات، الصادر من ضمن سلسلة المعرفة التي يصدرها مجلس الثقافة والفنون بدولة الكويت إذ يتناول هذا الكتاب واحدة من أدق إشكالات العصر وأكثرها مدعاة للجدل والحوار ألا وهي «ثقافة عصر المعلومات» وذلك على أساس من المعرفة النظرية والخبرة العملية في مجال صناعة الثقافة.

يطرح الكتاب الثقافة من منظور هندسي كمنظومة شاملة مكونة من منظومات فرعية عدة هي: «الفكر الثقافي، اللغة، التربية، الاعلام، الإبداع الفني، القيم والمعتقدات».

وما ميز هذا الكتاب عن سواه من الأدبيات العربية التي حاولت أن تشق طريقا جديدا في تسليط الأضواء على الفرق بين الثقافة وصناعة الثقافة، هو محاولة الكاتب رسم معالم إطار العلاقة المتداخلة بين صناعة الثقافة وصناعة المعلومات. ويلمس القارئ دعوة الكاتب الواضحة لمن هم في مؤسسات صناعة الثقافة العربية لتجنب الخوف من منتجات صناعة الثقافة غير العربية والتفاعل معها بدلا من التخوف منها والانكفاء إلى الداخل تحاشيا لأي تأثير مباغت لها علينا.

ويشخص الكاتب المتغيرات الحاصلة في الوقت الراهن على الصعيد العالمي إثر انتهاء الحرب الباردة، وتعاظم قوة وسرعة ومكانة الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والاتصالية، وما قد ينجم عنها من آثار ومؤثرات عدة على بنية وعمق سلوك الإنسان في أي مكان كان في ظل الانكماش المكاني، إن هذه المتغيرات تدعونا إلى النظر والتمعن في مسألة مهمة وحيوية هي مسألة الثقافة، الثقافة باعتبارها النتاج البشري المتنامي والديناميكي والمتغير باستمرار، الثقافة باعتبارها صيرورة متحركة وليس باعتبارها جوهرا ثابتا.

وكتاب «الثقافة العربية وعصر المعلومات» هو استكمال لدراسة سبق أن قام بها الكاتب عن «العرب وعصر المعلومات» والصادرة العام 1994 عن السلسلة ذاتها، وأكد الباحث فيها أن التنمية المعلوماتية هي قضية ثقافية في المقام الأول؛ إذ صارت الثقافة في عصر المعلومات صناعة قائمة بذاتها، الأمر الذي أصبحت معه إشكالاتها لا تدين إلى أحاديث الصالونات، وسجال المنتديات، ورؤى المقاعد الوثيرة، وتكرار الجدل العقيم حول العموميات والأمور التي صارت في حكم البدهيات من قبيل: أصالة أو معاصرة، ثقافة النخبة وثقافة العامة، تعريب التعليم أو لا، وما شابه.

وخلال مسيرته لسبر أغوار التحولات التي طرأت على مفهوم الثقافة يرى المؤلف أن الثقافة قد باتت محور عملية التنمية الاجتماعية الشاملة، في حين أصبحت تكنولوجيا المعلومات هي محور التنمية العلمية التكنولوجية.

وعلى المستوى الخليجي الرسمي أشار الأمين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبدالرحمن بن حمد العطية في افتتاح حلقة النقاش عن مسيرة التعاون الإعلامي بين دول مجلس التعاون في مايو/ أيار الماضي إلى هذه المسألة بعد كلمة مفصلة بشأن الإعلام ودوره في عملية التنمية إذ قال: «واتسعت دائرة اهتمام وسائل الإعلام العربية لتشمل مختلف المجالات والقضايا، فضلا عن اتساع نطاق الثقافة الإعلامية وتأثيرها، المتجاوزة لحواجز الزمان وقيود المكان».

لقد تجاوزت مهمة تجديد العقل العربي مرحلة كونها مطلبا ثقافيا، لتتحول إلى مقوم تنموي لتأهيل المجتمعات العربية لدخول عصر المعلومات، ولا مجال هنا للمجاملة فمجمل العدة المعرفية لجمهرة العقول لدينا باتت من دون الحد الأدنى اللازم لمجتمع المعرفة والتعلم وحوار الثقافات.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1587 - الثلثاء 09 يناير 2007م الموافق 19 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً