العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ

هيفاء المنصور: السينما الإسلامية مطلوبة... ومعالجاتنا السينمائية سطحية

عرض آخر أفلامها في نادي البحرين للسينما

هيفاء المنصور... مخرجة سينمائية، وكاتبة، وممثلة، تأتي من بلد لا تبدو النظرة فيه إلى الفن و «المتعاملين معه» واضحة ومحددة، مهما بلغ رقي ذلك الفن وسمت أهدافه. هي تحمل الكثير من الطموح في مقابل القليل من الإمكانات المادية التي لم تمنعها يوما من ترجمة كل ما تحمله من هموم وقضايا مجتمعها إلى صور سينمائية، هي وإن تواضع طرحها وأسلوب تقديمها إلا أنها وجهت أنظار المهتمين إلى هذه الشابة العربية الخليجية السعودية. بلغ عدد تجاربها السينمائية لحد الآن 4 أفلام هي «من؟» و «الرحيل المر» و «أنا والآخر» وأخيرا «نساء بلا ظل». فيلمها الثالث خصوصا وهو الذي يعالج قضايا التعدد الفكري في السعودية، اعتبر واحدا من أبرز التجارب السينمائية في الخليج وربما يكون هو ما شجعها على الاستمرار وإكمال مسيرة بدأتها من دون تخطيط مسبق. حاز جائزتين دوليتين، الأولى جائزة أفضل سيناريو في مسابقة أفلام من الإمارات في مارس/ آذار من العام 2004، والثانية فوزه بتنويه خاص في مهرجان روتردام للفيلم العربي بهولندا في يونيو/ حزيران من العام 2004، وتم عرض الفيلم في الولايات المتحدة، ومهرجان دبي الثقافي لسينما المرأة، ومهرجان فلاينغ بروم العالمي لسينما المرأة في العاصمة التركية (أنقرة)، وكذلك بينالي السينما العربية في باريس، ورشح للعرض في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام القصيرة والتسجيلية، ومهرجان بيروت السينمائي، ومهرجان مونتريال للعالم العربي في كندا. «الوسط» التقت المنصور أثناء عرض خاص أقامه نادي البحرين للسينما لفيلمها الرابع «نساء بلا ظل» وهو من الأفلام الوثائقية، ناقشت المنصور من خلاله قضية المرأة في المجتمع السعودي، وعلاقتها بالرجل، طارحة بعضا من الإشكالات الثقافية والفكرية كعمل المرأة وقضايا الاختلاق والزواج وحرية الاختيار، مستعرضة موقف الدين من هذه الإشكالات، وكان معها هذا اللقاء...

كيف جاء قرار دخولكِ مجال الإخراج السينمائي؟

- أحب مشاهدة الأفلام بشكل كبير، وأحب السينما، أما قرار دخولي فلم يكن له تخطيط مسبق لكني شعرت في فترة معينة بأني أريد أن أعمل شيئا أحبه كثيرا. كنت في المسرح المدرسي وكنت مهتمة حينها بالإخراج وكتابة السيناريو. كل ما في الأمر، إني قررت أن أعمل شيئا أحبه، فقدمت فيلمي الأول «من؟» الذي لم أكن أتوقع له أي نجاح، لكن تفاجأت بنجاحه بعد عرضه في الإمارات. الشعور بالنجاح والصدى الجيد والتجاوب من الناس هو ما شجعني على تقديم فيلم آخر، والاستمرار في هذا الطريق وإكمال المشوار.

حدثينا قليلا عن معاناة الفنان السعودي، هل يعيش أزمة تفرضها القوانين والأعراف الدينية وربما حتى السياسية؟ وكيف هو الحراك الثقافي في السعودية؟

- لا أتوقع أن تكون الأزمة التي يعيشها الفنان لها علاقة بالسياسة، فما يحدث هو أن هناك رقابة تفرض خطوطا حمراءَ يقف عندها الفنانون، وإن كانت السعودية تمر الآن بمرحلة انفتاح، ولكن هناك الكثير من الفنانين والفنانات السعوديين الذين يشاركون في أعمال خليجية درامية كثيرة وإن لم يَكُنَّ معروفات على أنهن سعوديات، بل إن الطلب يزداد عليهن حين تعلن جنسيتهن.

المشكلة التي يعانيها الفنان السعوديخ خصوصا، والخليجي عموما تتمثل في النظرة الدونية التي يحملها البعض إلى الفنان، وهي نظرة لم يتمكن بعض الفنانين والفنانات الخليجيين من التعامل معها بشكل صحي. وضع الفنان الخليجي أصبح الآن محل تساؤل كثير من الناس نتيجة فساد بعض الفنانين، ونحن نتمنى أن تتغير هذه النظرة ويظهر الفنان بمظهر مختلف. الآن الكثير من الفنانين تخطوا هذه النظرة، فالوضع كان صعبا جدا ولكن نتمنى أن تضخ دماء جديدة تنظر إلى الفن على أنه مهنة سامية وشيء جميل، والفنان ليس بالضرورة هو ذلك الذي يضحي بأخلاقياته. يجب أن يكون هناك إحساس أن الفنان جزء من المجتمع وأن يتم التعامل معه بأريحية وهناك ممثلون محترمون مثل: هشام عبدالرحمن.

ولا تعتبر المنصور عدم وجود صالات عرض سينمائي في السعودية مؤشرا على عدم وجود حركة سينمائية أو وعي سينمائي في هذا البلد إذ «لا يعود ذلك إلى أن الفيلم محرم، فأشرطة وأقراص الأفلام تباع لدينا في المجمعات». أما السبب الحقيقي لانعدام وجود صالات العرض هذه فهو كما تشير «يعود إلى رفض البعض فكرة اجتماع عدد كبير من الأشخاص في مكان مغلق وهو ما يعتبرونه أمرا يحمل نوعا من الشبهة، وهذا يجري على أي مكان مغلق وليس دور العرض فقط. أعتقد عموما أن بعض السعوديين لديهم نوع من الشيزوفرينا فهم لا يرفضون دخول السينما في البحرين، ولكنهم يرفضون فكرة وجودها في السعودية».

كما ترفض اعتبار وجود صالات العرض تلك مؤشرا على وجود حراك سينمائي في السعودية، فإنها تنفي كونه المؤثر الأساسي على غياب الحراك السينمائي، فمشكلة السينما في السعودية خصوصا والخليج عموما هي أنه «ليست لدينا عقلية تتعامل مع السينما، فلا يوجد معاهد متخصصة حتى أقسام في جامعاتنا تدرس النقد الفني أو ما شابه، لا يوجد لدينا كتّاب سيناريو كما أننا لم نطور الكوادر البشرية في هذا المجال.

بل إننا لم نملك العمق الكافي الذي يمكننا من تناول الكثير من القضايا المهمة التي يمكن لها أن تقدم أعمالا سينمائية راقية. حتى لو أردنا طرحها فعلنا ذلك بطريقة ساذجة فنحن لسنا مدربين للتعامل مع القضايا بطريقة سينمائية».

وتنفي المنصور أن يكون لرجال الدين السعوديين أي موانع بشأن قيام صناعة سينمائية سعودية، مؤكدة أن المنع يقتصر على العرض في السعودية فقط «ونحن لا نضع في نظرنا أن يكونوا سيئين وخصوصا أن المدرسة الدينية في السعودية بدأت تتغير، وبدأت نقد بعض أدبياتها القديمة، والآن هناك آراء غير متطرفة كثيرة علينا أن نحترمها ونتواصل معها بشكل جيد».

مضيفة أنه «يجب ألا نفكر في أن الفيلم ممنوع أو غير ممنوع، وألا ندخل معركة منع بعض الأفلام. لا نريد أن نطرح أحكاما مسبقة ولا نريد أن ندخل في مواجهة مع التيار الإسلامي. نحن نكن لهه كل الاحترام لكن يجب أن يعرفوا أننا مختلفون عن الجيل السابق، ثم إننا لا نريد أن نقدم أعمالا خلاعية، إنما نريد أن نطرح قضايا مجتمعنا، وأنا واثقة بأنهم يقدِّرون أهمية وضرورة طرح ومناقشة هذه القضايا».

وتتساءل: «ما الذي يمنع أتباع التيار الإسلامي في السعودية أنفسهم من أن يقدموا أعمالا سينمائية إسلامية ليس لتبادل الاتهامات مع التيارات الأخرى، ولكن لتقديم طرح راقي؟».

كيف هو وضع المرأة الفنانة؟ وكيف تتعامل هيفاء مع هذا الوضع؟ وأي معاناة تسبب لكِ حقيقة كونكِ امرأة سعودية تحمل هما سينمائيا ورؤية سينمائية في بلد يرفض حتى أن تقوم فيه دور عرض سينمائي؟

- الموقف الذي يتخذه المجتمع من المرأة الفنانة في رأيي يعتمد على نوعية الفنانة، وأي شخص قادر على فرض احترامه على المجتمع، ثم إن الناس لا يمكنها احترام الفنان الذي يدخل السجن مثلا.

شخصيا، لم أشعر بأن المجتمع قلل احترامه لي بعد تقديمي تجاربي السينمائية، وعلى رغم أني غير محجبة، لكن الكل يعرفني ويعرف أخلاقياتي. قد ينتقد البعض آرائي التي أطرحها، ولكن لم يشعرني أحد يوما بالسوء لكوني فنانة.

وتضيف المنصور «الفنانة العربية عموما تعاني وجود هذه النظرة السيئة، والممثلات الجديدات الآن يحاولن الخروج من هذه النظرة وبوتقة أن الممثلة منحرفة وما إلى ذلك. الآن كذلك يوجد توجه شبابي يفرض وجود المرأة زميلة، فهو غير موجود في السعودية لا لشيء إلا أنه ليست لدينا ممثلات كثر، كما أن غالبية من برزن على الساحتين الفنية أو الإعلامية كانت لهن مواجهات صارخة مع المجتمع، وإن كانت كثير من السعوديات أثبتن وجودهن على الساحة الإعلامية.

ما الأسلوب الذي تتبعه هيفاء في معالجتها قضايا مجتمعها؟ وما الخط السينمائي الذي تفضله؟

- لم أحدد بعد أسلوبا خاصا بي أو خطا سينمائيا أتبعه فأنا لاأزال في البداية. أشعر بأني لم أتشكل سينمائيا بعد، أو أني في بداية تشكلي، لاأزال أبحث عن أدواتي، إذ لا أملك مهاراتٍ سينمائية ولست ضليعة من الكثير من الأمور.

كل ما أرتكز عليه كخط الآن هو إيماني بالقضايا التي أقدمها وصدقي في التعامل معها وكذلك حرصي في اختيار القضايا القريبة إليّ؛ لتكون لي وجهة نظر في هذه القضايا أشرك الآخرين فيها. أنا أعتقد أن إيماني هذا هو الكفيل بإيصال رسالتي إلى المتلقي.

أما عن نوعية الأفلام التي تميل لها فتقول: «أحب التوثيق في أفلامي، لكن خطتي القادمة هي تقديم فيلم روائي طويل ستنتجه شركة روتانا، ولم أختر له اسما بعد، كما لم أحدد موضوعه، ولكني أتوقع أن أركز فيه على بعض قضايا المرأة.

فيلمكِ الثالث «أنا والآخر»، دعوتِ فيه إلى نبذ العصبية والوحدة الوطنية، وعرض متزامنا مع مبادرة «الحوار الوطني» التي أطلقها الملك عبدالله الذي كان حينها وليا للعهد، هل كانت خطوة تقديم مخرجة سينمائية لفيلم يدعم هذه المبادرة مقصودة وربما تأتي ضمن برنامج عمل يفعِّل تلك المبادرة ويسير باتجاه تعزيز دور المرأة وهو ما دعت إليه المبادرة كذلك، أم أنها كانت مبادرة ذاتية من هيفاء نفسها اغتناما منها الفرصة التي ربما لم تتكرر؟

- شعرت أن الوقت مناسب لطرح تلك القضية والابتعاد عن كل شخص متقوقع ونابذ الآخر. كانت مبادرةَ ذاتية شجعتني على اتخاذها الأوضاع السياسية والاجتماعية المناسبة حينها لطرح تلك الفكرة. طبعا أنا أدعم السياسة السعودية وخصوصا تلك التي تهتم بتمكين المرأة، وإعطاء دور أفضل للتعايش السلمي بين المواطنين، فنحن نريد أن نعيش في بلد يكن فيه المواطنون احتراما لبعضهم بعضا ويكون للمرأة فيه دور أكبر.

عموما، فيلمي ذاك عرض في مهرجانات كثيرة، وحقق نجاحا على مستوى النقاد الذين أشادوا به كما حصل على جائزة أفضل سيناريو من مهرجان أبوظبي لأفلام الشباب. أما في داخل السعودية فهو وعلى رغم وجود حال من التوجس والخوف والارتياب في أي شخص يتحدث بصوت مختلف، فإن فيلمي حاز إعجاب كثير من السعوديين ممن تسنى لهم مشاهدته، وعلى رغم اعتراض البعض على طرحه، فإنهم آمنوا برسالته.

ركزتِ على قضية تنقيب المرأة في فيلمكِ «نساء بلا ظل»، ألا تعتقدين أن هناك قضايا أخرى عليكِ أن تناقشيها تتعلق بالواقع النسائي السعودي؟ هل يزعجكِ اللون الأسود الذي تتشح به المجتمعات النسائية السعودية، أم أنها خطة ستلحقها خطوات؟

- لا اللون الأسود لا يزعجني، وبالتأكيد هناك قضايا كثيرة تعانيها المرأة السعودية، ولا يمكن تغليب أهمية إحداها على الأخرى، لكن النقاب في رأيي قضية مهمة فهو يمنع المرأة من فرص عمل كثيرة ويؤثر عليها في أمور كثيرة، فهو مثلا لا يشعرها بالثقة وهذا أمر مهم حتى في سيكولوجيا المرأة إذ يجب ألا تشعر بأنها عورة وأنها يجب أن تُغطى تماما.

هناك قضايا كثيرة أتمنى أن يطرحها آخرون لإثراء المجتمع. الساحة مطروحة للجميع وجميل أن يطرح الجميع أفكارهم بطريقة سلمية وفنية وفي الأخير هذا ما يبقي المجتمعات.

لماذا تتجه هيفاء هذه المرة إلى السينما التسجيلية؟

- حين بدأت مشواري، أردت أن أقدم ما يعجبني أكثر، فعملت فيلما قصيرا. أنا عموما أريد أن أعثر على نفسي كفنانة؛ ولذلك يجب أن أجرب كل شيء. لذلك أنا أجرب شيئا آخرَ هذه المرة من خلال فيلمي التوثيقي، وهي محاولة تعلمت منها الكثير، كما أنها لفتت انتباهي إلى أني أحب هذه النوعية من الأفلام، سابقا كنت أقول إني لا أريد أن أصبح صانعة أفلام وثائقية لكني الآن أصبحت قريبة جدا من هذا النوع. كان همي أن أقدم الروائي الطويل بعد القصير، لكن الآن أفكر في تقديم المزيد من الأفلام الوثائقية؛ لأنها أقوى في تقديم رسالتها كما أن كلفتها أقل.

العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً