والكلمة الأولى في البيت الأخير من قصيدة الحورانية تكتب «أياحين» أو «حين» حتى في المخطوطات الأصلية ولكن معنى البيت لا يستقيم إلا إذا قرأناها «يا حيف»، وهي كلمة معروفة ترد كثيرا في الشعر النبطي للتعبير عن الأسى والأسف والتبكيت، تقول الشاعرة لقومها: «يا حيف» أي تبا لكم كيف تطلقون شعوركم التي ترمز للرجولة والنخوة والشجاعة وأنتم عاجزون عن الذب عن محارمكم.
أما قصيدة الشاعر الهلباوي فقد قلنا: إنها لا توجد إلا في مخطوطة Huseyin Celebi793 المودعة في مكتبة Orhan Cami في Burssa في تركيا، وفي النسخ التي نقلت عنها لاحقا مثل المخطوطة التي رمزنا لها بالحرف A أعلاه وقلنا: إنها إحدى المخطوطات التي اعتمدها Quatremere في تحقيقه للمقدمة، وهو الوحيد من بين النسخ المطبوعة الذي تظهر عنده قصيدة الهلباوي. ويقدم ابن خلدون قصيدة الهلباوي قائلا: ولبعض الجذاميين من أعراب مصر من قبيلة هلبا منهم:
يقول الرديني والرديني صادق
هيي بيوتٍ محكماتٍ طرايف
ألى أيها الغادي إلى عيدهيه
جماليةٍ ملوا النساع اللطايف
عليها غلامٍ لا يرى النوم مغنم
عظيم الغنا ندبٍ بالاخبار عارف
إذا حيت لي من حي هلبا جماعه
برازيةٍ أشراف للحرب زايف
ولي من بني دراد كل مجرب
كفاهم إلهي معظمات التلايف
أتاني مع الخطار علم مطوح
تفريق سباتٍ وارٍ مخالف
وانا كيف اقر الضيم وانتم جماعه
على كل صهالٍ طويل المعارف
أويا لو ان رأي يضمكم
ولو أن فيه المال والروح تالف
ولي من ولد علياعبيد ابن مالك
بها شرفٍ عالي على الناس شارف
وخلان صدقٍ من ضنا آل مسلم
أميرٍ بهم حمله جميع الطوايف
في البيت الأول أضفت حرف الواو إلى «والرديني» وفي البيت السابع أضفت «أنا» إلى «وانا كيف». وقمت بهذه الإضافات لجزمي بأنها سقطت سهوا في المواقع المذكورة؛ لأن وجودها ضروري لإقامة الوزن ولمعنى، ولأنها عادة ترد في الشعر النبطي على شكل صيغ لفظية ملتصقة دائما مع بعضها وجاهزة للاستعمال الشعري كما أوردتها هنا. والكلمة الأخيرة في صدر البيت الثاني ترد في المخطوطة «ايدهية» لكنني قلبتها إلى «عيدهية» وهي من الصفات المعروفة للإبل النجيبة وترد كثيرا في الشعر النبطي.
والكلمة قبل الأخيرة في عجز البيت وردت «اللساع» في المخطوطة لكنني قلبتها إلى «النساع» ومفردها «نسع» وهي حبال الرحل التي تشد إلى بطن الناقة. وفي المخطوطة ترد الكلمة قبل الأخيرة في صدر البيت الثالث «اليوم» لكن كلمة «النوم» هي الأصح، أي أن المندوب الذي بعثه الشاعر بقصيدته يواصل السير بالسرى ولا ينام. كما استبدلت كلمة «سات» التي ترد في المخطوطة بكلمة «سبات» أي شتائم. واستبدلت كلمتي «ردا» في البيت التاسع وكلمة «ذرا» في البيت العاشر بالكلمتين «ولد» و«ضنا». أما صدر البيت الثامن فقد استعصى عليّ تقويمه.
ويقدم ابن خلدون قصيدة خالد بن حمزة بقوله «ومن أشعار المتأخرين منهم قول خالد بن حمزة بن عمر، شيخ الكعوب، من أولاد أبي الليل، يعاتب أقبالهم أولاد مهلهل ويجيب شاعرهم شبل بن مسكيانة بن مهلهل، عن أبيات فخر عليهم فيها بقومه»:
يقول وذا قول المصاب الذي نشا
قوارع قيفان يعاني صعابها
يريح بها حال المصاب إلى انتقى
فنون من انشاد القوافي عذابها
محبرةٍ مختارةٍ من نشادنا
تجدني ليا نام الوشا ملتهى بها
مغربلةٍ عن ناقد في غضونها
محكمة القيفان دابي ودابها
تهيض تذكاري بها ياذوي الندى
قوارع من شبل وهذا جوابها
يا شبل جتنا من حذاكم طرايف
قرايح يريح الموجعين الغنا بها
فخرت ولم تقصر ولا أنت عادم
سوى قلت في جمهوها ما أعابها
لقولك في ذم المسمى ابن حمزه
حامي حماها عاد باني خرابها
ترتكب جميع النسخ المطبوعة في نقلها لهذه الأبيات أخطاء فاحشة لا يتسع المجال لذكرها كلها ومناقشتها، فقد قمت بتصحيحها وأكتفي هنا بالإشارة إلى بعض منها. فلقد صححت مثلا كلمة «قيعان» في الشطر الثاني من البيت الأول ومن البيت الثاني بكلمة لها معنى ودلالة وهي «قيفان» بمعنى قوافي، أية أبيات شعرية، وهي كلمة معروفة لدى شعراء النبط؛ كما صححت كلمة «فراح» في بداية الشطر الثاني من البيت السادس لتصبح «قرايح» أي أشعار من القريحة. وفي النسخ المطبوعة يكتب صدر البيت الثاني «يريح بها حادي المصاب إذا سعى» ويكتب عجز البيت الثالث «تحدي بها تام الوشا ملتهابها» ويكتب صدر البيت السادس «اشيل جنينا من حباك طرايف» ويكتب صدر البيت الثامن «لقولك في أم المتين بن حمز».
العدد 1613 - الأحد 04 فبراير 2007م الموافق 16 محرم 1428هـ