العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ

أطفال يدخلون بريدي بفلسفتهم

الأطفال يرون، الأطفال يفعلون ما يفعله الكبار، الأطفال يصنعون غدهم بمحاذاة غدنا، نحن نأخذ أطفالنا إلى مستقبل يمتد من حاضرنا، وينعكس على مستقبلهم، فالطفلة التي تمشي خلف والدها بقميصها الوردي، وهي تضع قطعة الشوكولا على أذنها تقليدا لما يفعله أبوها بهاتفه، تخزن لحظة التعرف إلى شعور الكبار، لكن بطريقة التقليد، وحين تكبر ستفعل ما رأته، لكنها أيضا ستتجاوزه بوضع إضافة خاصة بها، تجعلها راضية، وسيمدها بإحساس التفوق والإضافة.

بكلمة بسيطة جدا، هي كيف تترك انطباعا ايجابيا، كان مقطع من فيلم أرشادي استقر في بريدي، وبهذه البساطة فتحته، لأجد عالما آخرا، عالما بسيطا في التعامل مع الصورة، معقدا في فهم الصورة والسلوك، السلوك الإنساني الذي ظل مادة دسمة للبحث، في حين بقي محافظا على رشاقته في الغموض الذي يلفه. لذلك قلت سابقا إني أعتقد أن الأطفال في الحقيقة أكثر وعيا وإدراكا لعالمهم الخارجي وحياتهم الداخلية بشكل أكثر وضوحا من البالغين. أَعتقد ذلك لوجود أكثر من دليل وظيفي متطور. فالأطفال أفضل بكثير من البالغين في تعلّم الأشياء الجديدة وأكثر مرونة في تغيير ما يُفكّرون به، خصوصا عن العالم، لأنهم لا يملكون أحكاما مسبقة. ومن الناحية الأخرى، هم أسوأ بكثير في استعمال معرفتهم، فلا يمكنهم أن يتصرّفوا وفق طرق آلية سريعة. فقد يمكنهم تعلم ثلاث لغات في وقت واحد، لكنّهم لا يستطيعون ربط خيط حذائهم.

هذه المقارنة تصبح أكثر وضوحا من منظور التطور، فإن الإنسان يعتمد على التعلّم أكثر من أي جنس آخر على الأرض، كما أن له طفولة أطول من أي كائن آخر، والطفولة الإنسانية تفتح المجال من دون أي جبر للأخذ والتعلم ووضع أوليات في العقل الباطن، حتى أنه أثبت علميا أن الأطفال لديهم صلات عصبية أكثر من البالغين، وذلك ما يتيح لهم إمكانية تخزين معلومات ذات أنواع مختلفة -قد تكون متناقضة أحيانا- سوية، من دون أن يجري لها فرز أو تجنيس، وباحتكاك الإنسان أو ما يطلق عليه التجربة يتم تقوية بعض هذه الصلات في حين أن الأخرى تضمر بسبب عدم الاستخدام، ثم تختفي كليا، وكما تشير إلى ذلك مقولة: «إننا نكسب كفاءة سريعة لكن بالمقابل نخسر المرونة»، وهي مقولة يتداولها علماء النفس.

فعندما نحسن فعل شيء ما، ونعتقد أنه الكمال والصواب الذي ندركه، نحن بذلك نكسب نموذجا للفعل، وفي الوقت نفسه نضعف مرونتنا في تقبل نماذج أخرى قد لا تكون مألوفة، وكما يحدث لنا حين نمر على مكان ما عدة مرات، فنحن بالمعنى الحرفي للكلمة لا نرى البيوت والشوارع المألوفة التي نمر عليها، وعلى العكس من ذلك يكون الانتباه لدينا في حالة استنفار إذا كان هذا الطريق في بلدة نسافر لها، وكما هو الحال في رأيتنا من نعرف، لكن الغريبين الذين نقع في حبهم نجدهم مختلفين، وندرك فيهم أشياء قد لا ندركها في الذين هم من حولنا. لذلك نجد أن الناس تنفق الأموال والجهد في سبيل أيام من السفر إلى بلدة يتمنون زيارتها، وستبقى هذه الذاكرة طيلة حياتنا، فقط لأن ذلك كان مختلفا ولم يكن روتينيا.

ذلك بالفعل ما يحدث للأطفال، فكل يوم بالنسبة لهم يوم جديد في مكان جديد، مع أشخاص جدد، لذلك أصبح مشروعا قولي إن الفرق بيننا وبين الأطفال والفلاسفة، أنهم ينظرون للأشياء وكأنها لأول مرة، فترى الطفل يفكك لعبته، ليتعرف على أجزائها من باب الفضول الطفولي وحب الاكتشاف، وترى الفيلسوف يتأمل في أي حادث لغوي أو وجودي، بينما نحن نمر مر السحاب على بيوتنا ولا نراها، ربما لأنها أكثر ارتفاعا منّا.

العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً