العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ

الحداثيون: «نحن ضحايا أفكارنا»

خلال أمسية منتدى المستقبل... علي حرب

منتدى المستقبل يتشرف بتقديم المفكر والفيلسوف العربي علي حرب، «عذرا أنا كاتب، وعامل في ميدان الفلسفة، وأعمالي تشهد لي، وتشهد عليَّ أيضا»، بهذه الكلمات عقب حرب على مقدمه، معتبرا في الوقت نفسه أن المنتدى بصفته يشكل خليطا من تخصصات مختلفة، يدعم توجهه في المطالبة بتجاوز الطابع الأحادي للندوات، إذ يمكنها تجاوز الثقافي والاقتصادي، لتكون ندوات شاملة.

ثم أشار إلى موضوع محاضرته وهو المسألة الطائفية، بما يتعدى الطائفية، ويذهب في إنتاجها على مستوى أوسع وأخطر، من هذه المقدمة أطلق اسم «نحن ضحايا أفكارنا» عنونا لها، إذ هي محاولة الإجابة على الكثير من الأسئلة التي تؤرق المثقف، مثل كيف نفسر كل هذا الدمار والحروب في العالم، مع كل هذه المشروعات الحضارية بشأن حوار الحضارات، منذ الطهطاوي إلى جمال الدين الأفغاني، إلى محمد عبده، وبكل وضوح اعتبر حرب أن الوضع العربي الذي وصفه بالبائس يسير إلى الهواية، من لبنان إلى العراق إلى فلسطين وأفغانستان.

وتساءل عن كيفية فهمنا للكتل الحداثية، بكل تنوعاتها وتفسيراتها، كيف تبقى أمام هذا المشروع معادلة الصفر، معتبرا أن ذلك فضيحة على هذه الكتل، وفي الوقت نفسه معتبرا أن هذه النوعية من الأسئلة هي ما يدفعه للكتابة، إذا لا يمكن فصل الوضع العالمي عن الوضع العربي كما أشار حرب، وقد سجلت الحوادث تسارعا مطردا، مع دخول تطور الاتصالات، إذ تتداخل وتتعولم الهويات، كما هي الحروب أيضا.

من هنا يرى حرب انطلاق البحث عن «المواطن العالمي» كما يسميه، وهو الذي لم يعد حلما بحسب تعبير حرب، بل أصبح أكثر واقعية، وخصوصا مع التحولات التي طرأت على الايديولوجيات، والتي بموجبها تغيرت معها خريطة الصراعات، فمن هذه التغيرات، يتجسد لنا صعود الأصولية على المسرح الكوني، وبذلك انتقلنا من حرب الايديولوجيات إلى حرب الآلهة، أو بين مجانين الله ومجانين المسيح، أو بين دار الإسلام والحروب الصليبية، أو سلفي مقابل حداثي، وذلك ما يعيدنا إلى ما قبل مفهوم الدولة، بحسب ما أورده حرب.

بهذا الشكل، وعلى رغم كل الأطروحات يستحيل النصر في هذا العصر، إذ يخدم الضد ضده، فهذه الحروب لا يخرج فيها أحد منتصر على آخر، بل تكون الأطراف متوجة إلى حال اللانصر، فبين الحركات الإسلامية والنظام الأميركي، هناك ممكن افتراضي معين، أو كلٌ يسمح بتحديد خيارات الآخر، وهو العودة إلى منطق الطوائف، وبذلك فإن الأمر يفضي إلى الكارثة، فهنا الأزمة أزمة كونية شاملة.

غير أنا في عصر تصدع الهويات، فمن أعراض هذا التصدع انهيار مرجعيات القيم، وفقدان السياسة، كما نادى بذلك مؤسس «جمهورية الأفكار»، وفقدان الحصانة بالمعنى الثقافي، وفقدان الأمل، وهو ما ينشأ عنه حال طوارئ دائمة، ومجموع ذلك ما أطلق عليه فقدان الإنسان لسيادته على نفسه، إذ لم يكن الحداثيون كما كانوا يدعون، سواء في نقدهم ووصفهم للآخرين بالتخلف أو الرجعية، فهم بتمسكهم بحداثة عمرها أربعة قرون يمكن وصفهم بالرجعية، وبذلك انتقلوا من عبادة الأنبياء إلى عبادة العقل والشخوص، إلا أنهم لم يستطيعوا منافسة الأصولية الدينية أيضا.

لعل حرب الذي قدم خليطا من دراساته وأبحاثه المطبوعة في هذه المحاضرة، هو امتداد طبيعي لفكر حرب، ففي كتابه «العالم ومأزقه»، يقول حرب: «إن نشارك في صناعة العالم بوصفه مدانا الحيوي وفضائنا الكوكبي في عصر تتعولم فيه الهويات والأفكار بقدر ما تتجسد وحدة المصير البشري»، معتبرا في الوقت نفسه أن ما يحصننا ليس حضارة الخوف أو الهويات، بل قدرتنا على التغيير والتغير. حرب الذي كان ظاهرا عليه آثار الحرب على لبنان، كأنها إحدى ردود فعله على الواقع الذي يعيش، خلقت هذه الحوادث مناخا فكريا ينطلق به عبر نظرياته، جعلت من تركيزه على الخروج من عباءة الأب إلى عباءة الفقية كنوع من أنواع الطائفية، مسألة حاضرة في خطابه، وهي انعكاس للحدث اللبناني، وموقفه من الصراعات الدائرة فيها.

العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً