العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ

قراءة في حركة اللباس العاشورائية وتجاذباتها المعاصرة (2 - 3)

عاشوراء اللون والتكوين

تعتبر العلاقة بين الإنسان واللباس من أشد الصلات الفيزيائية تشعبا و «مرونة»، إذ يكتسب القماش الذي لا تتعدى مساحته بضعة أمتار «قدرة» كبيرة على إرسال الرسائل و «افتعال» رسائل جديدة، بقدر ما لديه من القدرة على «بث» جو مسالم ومتسامح. وتعتبر ساحة عاشوراء الزمانية محط «تحرك» واسع للون الأسود، فما هي تلك العلاقة «السيوسيولوجية» والاجتماعية في العقل الجمعي للمجتمعات المتفاعلة مع «عاشوراء الحسين (ع)»؟ وما هي التغيرات المبدئية التي قد «تشكل» بطريقة أو بأخرى «سواد عاشوراء»؟

عاشوراء والسواد

من المواسم التي مازالت علاقتها قوية باللباس وتحتفظ «بنكهتها» المميزة، هو موسم عاشوراء عند المسلمين الشيعة، إذ إن العلاقة بين عاشوراء والسواد بات في أصل التكوين الثقافي والفكري بدءا من وجوده كرمز للحزن في الأبيات الشعرية ومرورا بإظهاره من خلال اللباس والأعلام ووضع السواد في الأزقة والشوارع.

واللباس كالكائن الحي ينمو ويتطور وتنتكس صحته ويقوى ويشيخ ويموت، وتمتد «حياة» اللباس بتحقيق ثلاثية تبدو لأول وهلة طبيعية، إلا أنها معادلة بالإمكان تطويرها وضخ المزيد من مفردات الاستمرار فيها.

والثلاثية المرتبطة بحياة اللباس، هي:

أولا: استمرار وجود الأصل الدافع للباس ذكرا وممارسة، وفي الحال العاشورائية يتمثل ذلك الأمر بسيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، والذي يكفي للمتتبع المنصف الوقوف بأعجوبة استمرار ذكره بهذه «الحُرقة» إلى يومنا هذا، وهي المنبع الأول للكثير من القيم والمبادئ التي تصوغ المجتمع، وبعبارة أخرى فإن حديث «إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبدا»، ليست إنشاء أو توصيفا وقتيا، بل هي امتداد حقيقي نعيشه كل عام في إطاره الزمني الخاص (محرم وصفر).

وكما للحج لباسه الأبيض الذي لن يتغير مع الزمن في علاقة أصيلة بين موسم الحج و «الإحرام الأبيض»، كذلك هو اللباس الأسود «الحزين» الذي أُتخذ شعارا للشيعة في حزنهم على حفيد الرسول الأكرم (ص).

ثانيا: ممارسة التعامل مع ذلك الأصل، وهذا يتمثل في المراسم الحسينية، وهي صيغة أخرى حركية للآية الكريمة «ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» (الحج: 32).

ووجود التقوى في القلوب يستلزمه «حفظ» السلوك من خلال الشعيرة نفسها، وبالتالي الاستمرار في إحيائها من خلال «التعظيم».

وقد تهتز الصلة الوثيقة بين استمرار وجود الأصل وممارسة التعامل، وذلك من خلال وجود «التشوهات» في ممارسة إحياء الشعائر، وبمرور الزمن تُلقي بظلالها على صورة الأصل الدافع للشعيرة.

ويعتبر هذا الأمر من العوارض الطبيعية التي تطرأ على اللباس، مَثَلَه مثل الإنسان الذي يتبنى «آليات» جديدة لإظهار فكره ومعتقده، إلا أن الخطورة في الأمر أن تشوه تلك الآليات المُختارة ملامح الفكر.

مكياج غير صحي للأسود

وفي هذا السياق، نرى أن «السواد» في صيغته عموما مازال محتفظا بهيبته الخاصة لشهري محرم الحرام وصفر، إلا أن مساحة تغيره أصبحت واضحة على صدور الكثيرين، وذلك من خلال الكثير من النماذج التي اتخذت السواد «حصان طروادة» لتمرير الكثير من الرسائل المختلفة المحتوى والمضمون، وبالتالي ابتعاد السواد لباسا عن المحتوى الحسيني، وعندئذ ستنخر تلك الصور والرسائل روح «السواد» الحسيني، ويتحول اللباس الأسود من رمزية دينية إلى رمزية احتفالية تفتقد المعنى الديني الملتزم بها.

وعندما يتحول الرمز الديني إلى احتفالية صورية فقط، ستُخدش القيم المرفوعة في ذلك الرمز الديني. ولا أدل على ذلك من بعض الثياب التي يرتديها البعض وتحمل رسائل وصورا لا علاقة لها بالجو العام لشهر محرم، إذ يحتوي بعضها على كتابات أجنبية وبعضها الآخر على رسومات لثقافات غربية.

ويأتي السؤال في أهمية اختيار السبيل الأنسب للحفاظ على الروح الدينية للمناسبة، وفي الوقت ذاته تُقدم بطريقة عصرية حديثة مرغوبة وجذابة، إذ لا انفصال بين الحداثة والأصالة في اللباس، لا فكرا ولا سلوكا ولا تطبيقا.

* كاتب بحريني

العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً