العدد 1632 - الجمعة 23 فبراير 2007م الموافق 05 صفر 1428هـ

هروب المراهقات مسئولية من؟

بعد أن تزايدت معدلاته عربيا

ذكرت صحيفة «الشبيبة العمانية» في استطلاع نشر هذا الأسبوع عن تزايد حالات هروب المراهقات والذي جاء فيه:

«والدي العزيز... هربت من المنزل لأنني لم أتحمل الحياة وسط هذه الضغوط والمشكلات اليومية التي لا تنتهي... والآن اتخذت قرارا طويلا ما فكرت فيه، لا أعرف إلى أين الذهاب»... كلمات مزلزلة مكتوبة في ورقة صغيرة تتركها الفتاة المراهقة داخل حجرة نومها أو في غرفة صالون منزل الأسرة، فتكون مقدمة لزلزال يهز حياة أسرة بأكملها، تتخوف من المصير المجهول الذي ينتظرها جراء هذا التصرف غير المسئول الذي صدر عن ابنتهم، نتيجة لهواجس شيطانية غلبت على فكرها وأضعفت عزيمتها أمام المشكلات الحياتية التي تتعرض لها كل الأسر.

أنانية ولامبالاة تغلب على المراهقات الهاربات الباحثات عن حرية واهية متذرعين في هروبهم بأسباب واهية، فهي تهرب وتترك الحزن لأسرتها، أب حزين دامع العينين مريض قعيد يئس متخوف من خبايا المستقبل، فغياب المراهقة يتبعه بحث مستمر ودائم وفي الغالب يلاقي بالفشل، وفي المنزل تقبع الأم التي أقعدها المرض وأسكت صوتها الخافت الهامس، أين ابنتي وقرة عيني وعوني على قسوة الحياة، فكل يوم من أيام الأسرة التي هربت فتاتها تبدأ بالأمل وتنتهي إلى السراب.

يستيقظ الأب من نومه قاصدا قسم الشرطة للسؤال عن ابنته «إيمان»، تلك الفتاة التي تعود واقعة هروبها إلى اليوم الذي استيقظت فيه التلميذة من نومها، بدت قلقة صامتة ملامحها تنطق بالخوف، ارتدت ملابسها وخرجت من حجرتها، انصرفت ببطء ناحية الباب، تحاول أن ترسم ابتسامة فوق وجهها إلا أن ملامحها الصادقة فضحتها.

سألها الأب عن وجهتها مبكرا، أجابته... اليوم نتيجة الامتحان، فقال لها الأب مداعبا: يوم نتيجة الامتحان يكرم المرء أو يهان، اختزلتها البنت في ذاكرتها واتجهت للمدرسة، مشاعر كثيرة اختلطت داخل قلب «إيمان»... فكرت في الانسحاب لتعود في يوم آخر لتعرف النتيجة من شدة الخوف، لكنها عدلت عن فكرتها وأسرعت وسط الزحام لتجد نفسها راسبة، لم تبق لها إلا الدموع، تذكرت كلمات والدها، الساعات تمرد ولأسرة تنتظر عودة ابنتهم لتزف إليهم خبر نجاحها وينتهي اليوم دون خبر... بدأ الشك يتسلل لقلب الأسرة، ساد الصمت الأسرة، والكل يخاف أن يصارح البعض بما هو داخله.

وفي العاشرة مساءا صرخت الأم في الجميع قائلة: أين ابنتي؟ و بدأت الأسرة تبحث عن إيمان من دون جدوى.

طيبة القلب

أما طالبة الثانوي نورا فتقيم مع أسرتها بمنطقة ريفية، فتاة طيبة القلب هادئة الطباع تحب أسرتها وتساعد والدتها في كل شيء، وذات يوم عادت من مدرستها وانزوت في حجرتها، وعندما سألتها والدتها عن السبب، قالت لها: أغضبت اليوم اثنتين من صديقاتي، لأنهما علي علاقة بشابين سيئي الأخلاق، وهنا تدخل الأب وطلب منها أن تقطع علاقتها بالصديقتين، وقام الأب بالاتصال بوالدهما وأبلغهما بما عرف من ابنته، ولذلك توعدتها صديقتاها لما أفشته من أسرار كان لا ينبغي أن تفشيها.

وفي الصباح خرجت نورا للمدرسة ولم تعد حتى الآن، دب الخوف في قلب الأم وبحثت عن ابنتها في كل مكان دون جدوى، وبعد مرور الساعات على أثر غياب ابنتها انهارت الأم على وحيدتها وسألت الجميع عنها، إلا أن أحدا لم يرها، ومرت الأيام ويدق جرس الباب ليخبرهم أحد شبان المنطقة بأن ابنتهم بالإسكندرية بصحبة أحد الشبان، توجهت الأسرة على الفور لتجد الفتاة بصحبة أحد الشباب فعلا، لتكتشف الأسرة زواج ابنتهم من الشاب بورقة زواج عرفي، ليس هذا فحسب بل وجدتها حاملا في عدة شهور من هذا الشاب.

حب جارف

أما «هدى» فقد ارتبطت - رغم صغر سنها - بقصة حب جارفة مع أحد الشبان، كان يداعبها في ذهابها وإيابها من المدرسة كل يوم، لأنها كانت تفوق بنات جيلها جمالا ودلالا، عزف الشاب على أوتار قلبها حتى نال ألحان رضاها، وذات يوم طلب منها أن تقابله داخل شقته المفروشة.

لم تتردد الفتاة كثيرا ووافقت على عرضه، فعلا ذهبت إليه وهناك نجح الشاب في أن ينال منها، ليفقدها بذلك أعز ما تملك إذ فقدت عذريتها. تخوفت الفتاة من العودة لمنزلها وخرجت من شقته من دون أن تبلغ أمرا بوجهتها، وفي النهاية يكتشف الأب أن ابنته انتحرت بسبب اغتيال براءتها.

ضغوط نفسية

وعن هذه الظاهرة يقول أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عصام المليجي: إن قضية هروب المراهقات من أهاليهن وذويهن قديمة، لكنها زادت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، وفي الغالب يحدث هذا الهروب نتيجة لضغوط نفسية تعاني منها الفتاة، وترجع في غالبها لقسوة الأسرة خصوصا خلال فترة تعلق الفتاة بشاب مستهتر يحرضها على الهروب من أهلها، فلا تجد الفتاة مفرا من قسوة الأسرة فعلا سوي الهروب إلى من يعوضها ما تفتقده من مشاعر الحنان.

ومن ناحية أخري يشير المليجي إلى أن أهم المشكلات التي تواجهها المراهقة هي عدم وجود الدفء في الجو الأسري المفكك، ما يشعرها بالوحدة، فتلجأ للبديل وهو الهرب، فتصبح فريسة سهلة لأي ذئب يفترسها.

ويحمل د. المليجي الأسرة جانبا كبيرا من المسئولية، موضحا أن عدم رعاية الأسرة للشاب أو الفتاة من الدوافع الأساسسية للانحراف، وأن خروج الفتاة بشكل متكرر هو ما يدفع الفتاة للتعرف علي الشبان، الذين كثيرآ ما يقنعونها بالهرب معهم، وكثيرا ما يدخل هؤلاء الفتيات عالم الجريمة بعد الهروب... فتلجأ الفتاة للسرقة والنشل والإتجار بجسدها بعد أن خسرت كل شيء وهرب منها العشيق.

قسوة الأسرة

في حين تري نادرة وهدان أستاذ علم الاجتماع بمعهد التخطيط وأبحاث الشرطة أن هروب المراهقات من أخطر الظواهر التي تهدد أمن المجتمع بأسره، وأن القسوة التي تتبعها بعض الأسر في التعامل مع الفتاة تؤثر سلبا على شخصيتها فتبحث عمن يعوضها الحنان الذي افتقدته داخل أسرتها، فيكون الناتج هروبها إلى الشارع فهو أرحم من قسوة الأهل ، إن زوجة الأب وقسوتها من أكثر العوامل التي تدفع الفتاة للهروب، وأن بعض الفتيات يكن ضحية غرر بها وأوقعها في شباكه.

العدد 1632 - الجمعة 23 فبراير 2007م الموافق 05 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً