في أطروحته عن «التاريخ العسكري للشرق الأوسط/ 1940 - 2000» يحاول الكاتب الوزير مجيد العلوي (وزير العمل البحريني) أن يقدم مادة تاريخية عن تطور الصراع في المنطقة والأدوات التقنية التي استخدمت في الحروب. الكتاب يتناول نحو 60 عاما من تاريخ الحروب والصراعات في المنطقة مركزا على دور «القوة الجوية» كسلاح فعال في العمل السياسي.
الكتاب صدر في لندن عن مركز ابن رشد للبحوث في العام 2003 ويتوقف سرده التاريخي وتحليله للمعلومات والوسائل التقنية المستخدمة في الحروب في العام 2000. وتنقسم الأطروحة إلى قسمين: الأول يتناول الإطار الاستراتيجي ويشمل خمسة فصول. والثاني يتناول التطورات في الملاحة العسكرية ويشمل أربعة فصول مستندا في بحوثه الى عشرات المصادر كلها في اللغة الانجليزية. أهمية كتاب العلوي انه لا يكتفي بالسرد العسكري وإنما يورد معلومات تكشف عن مجموعة عوامل تلعب دورها في التفوق الميداني. فالكتاب يتضمن قراءات مختلفة للطبيعة الجغرافية السياسية في «الشرق الأوسط» والمناخ والرطوبة وارتفاع الحرارة وتضاريس مسرح المعارك من هضاب ووديان ومرتفعات ورمال. وكذلك يتحدث عن نشوء علم الطيران وتطوره التقني والمضادات الجوية والأرضية في شتى حقولها. وحتى يعطي فكرة عن زوايا الموضوع يتطرق الكاتب إلى الحروب التي نشبت في المنطقة قبل قيام دولة «إسرائيل» وخصوصا في الحرب العالمية الثانية. بعدها ينتقل إلى تطور الحروب العربية - الإسرائيلية ويقسمها إلى مراحل منذ صدور قرار التقسيم ثم وقوع المعارك ثم الهدنة ثم تجدد المعارك وصولا إلى النكبة وتأسيس الكيان العبري.
الكتاب يجمع بين التاريخ وتطور العلوم العسكرية مركزا على القوة الجوية ودورها الهجومي في حرب السويس 1956، ثم حرب يونيو في 1967، وصولا إلى حرب 1973 واجتياح لبنان في العام 1982. ويستنتج العلوي أن اعتماد «إسرائيل» المفرط على سلاح الطيران سمح لها بتحقيق ضربات استباقية ووفرت لها فرص الفوز في المعارك. ولكنه يلاحظ أن ذاك التفوق الجوي بدأ يفقد ميزته التقنية منذ حرب أكتوبر وصولا إلى حرب لبنان إذ ظهرت أسلحة متطورة جديدة تعتمد على الردع الصاروخي من ناحية تحصين الدفاعات الأرضية أو تطوير قدرات شبكة الصواريخ الأرضية (ارض - ارض) التي نجحت في اختراق المنظومة الأمنية وبدأت تهدد العمق الإسرائيلي.
لا يكتفي العلوي في كتابه بسرد المعلومات ولكنه يعمل على تحليلها وتفكيكها مستندا أيضا إلى تلك التجارب الحربية التي وقعت في الخليج مركزا على الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1988) ثم حرب أزمة الكويت (1990 - 1991). ويكرر العلوي الملاحظة نفسها وهي أن التفوق الجوي لا يكفي لتسجيل الانتصار الساحق بسبب بروز منظومات دفاعية جوية وأرضية تعتمد على شبكات الصواريخ التي نجحت في التقليل من القدرات الجوية.
ينطلق العلوي من فكرة مركزية وهي «الفجوة التكنولوجية في المجالات العسكرية». ومن هذه النقطة يبدأ بقراءة عناصر التفوق وكيف أن تجارب الحروب أخذت تقلص من سلبيات تلك الفجوة، معتبرا أن سلاح الصواريخ (ارض/ ارض) لعب دوره في هذا المجال. فهذا النوع من التطور المضاد عطل إمكانات الدور الهجومي للقوات الجوية وأعطى فرصة للدول الفقيرة أو الضعيفة في تحقيق بعض التوازن من خلال التركيز على تنويع قوتها استنادا إلى الصواريخ الأرضية.
مسألة صواريخ ارض - ارض تكررت مرارا في الكتاب في إشارة منه إلى أهميتها في حروب المستقبل، من دون أن يسقط أهمية القوات الجوية التي ستبقى «العمود الفقري ومركز اهتمام المختصين» (ص 190). ولكن العلوي يشير إلى ظهور عوامل أخرى ناتجة عن تضخم أسعار الطائرات الحربية مقابل رخص صواريخ ارض - ارض. وبسبب هذا الظهور التقني المضاد يرى أن «الفجوة» أخذت بالتضاؤل.
الصاروخ إذا هو البديل العسكري لدى الدول الضعيفة اقتصاديا وتقنيا لأنه يعطي أفضلية للدفاع ويتيح المجال للرد واختراق المجال الجوي للخصم. وهذا ما لاحظه العلوي في أطروحته حين أشار مرارا إلى تقلص «الفجوة التكنولوجية» بين الدول العربية و»إسرائيل» إذ أصبحت الأخيرة عرضة للضربات الصاروخية (ارض/ ارض) بسبب صغر حجمها وقربها من الحدود. ولذلك يرى أن الصواريخ «سيطرت على التسابق التسليحي في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات العشرين» (ص 294).
الكتاب ثري بالمعلومات وهو أطروحة تناولت الكثير من الجوانب التاريخية والتقنية التي استحكمت بالحروب العربية - الإسرائيلية أو الحروب العربية - الأميركية وصولا إلى الحربين الأولى والثانية في الخليج. ويتوقف العلوي عند العام 2000 أي قبل الحرب الثالثة التي اندلعت في 2003. فآنذاك كان الكتاب دفع إلى الطبع ولكن العلوي يلاحظ في صفحاته الأخيرة تعليقا على هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أن أميركا ستتجه نحو القوة العسكرية لمواجهة المعارضين لاستراتيجيتها في الهيمنة على منابع النفط. والاهم من ذلك انه يحذر من خطر وصول الثنائي بوش - رامسفيلد إلى إدارة «البيت الأبيض». وتوقع أن تواجه الدول العربية «أوقات عصيبة» في السنوات المقبلة.
وبناء على هذا التوقع السلبي ينصح العلوي الدول العربية أن تقدم على «تطوير القوة الصاروخية العربية والسعي لتطوير دفاعات مضادة لاي محاولة لتحييد هذه القوة» (ص 301). فالصواريخ برأي كاتب الأطروحة تشكل عاملا مساعدا «لحفظ نوع من التوازن العسكري قد يعيق المؤسسة العسكرية، من القيام بأي مغامرة حمقاء».
العدد 1642 - الإثنين 05 مارس 2007م الموافق 15 صفر 1428هـ