العدد 2253 - الأربعاء 05 نوفمبر 2008م الموافق 06 ذي القعدة 1429هـ

في حديث مع الفنان ابراهيم بحر: أنا ضد التجريب... وأرفض المسرح التجاري

تزحف تجربة اتحاد المسرحيين البحرينيين مستكشفة القطر الأقرب المحيط بها، وذلك بعد أن خمدت حركة المسرح سنوات طويلة غاب فيها بريق العصر الذهبي للمسرح البحريني، ليعود مع كثير من الآمال والأحلام، تدعمها الرؤية والإدراك لما يتطلبه المسرح البحريني، وما يحتاجه الفنان والمخرج كي يؤدي كل منهم دوره في تقديم عمل يصل مع الجمهور إلى درجة من الرقي في الفكر كما كانت دوما رسالة المسرح.

وسعيا للاطلاع على واقع تجربة المسرح البحريني والمشهد الجديد من خلال الاتحاد الذي تشكل مؤخرا بتوجيه من وزير الإعلام جهاد بوكمال، التقينا الفنان والكاتب والمخرج البحريني الذي يشغل منصب نائب رئيس اتحاد المسرحيين البحرينيين إبراهيم بحر، وكان لنا معه الحديث الآتي:

بداية، لنتحدث عن الوضع العام للمسرح بعد إشهار اتحاد المسرحيين؟

- إشهار اتحاد المسرحيين كان حلما لدينا كمسرحيين، ومع النقلة الحضارية التي تعيشها البحرين، ارتأينا كفرق مسرحية، ونحن ست فرق، أن نؤسس اتحادا يجمعنا، وذلك الحل كان لصعوبة تشكيل نقابة للمسرحيين، كوننا هواة في هذا المجال ولكل منا عمله الخاص، فكان الخيار الأنسب والمنفذ الدستوري لنا في تدشين الاتحاد رغم كون النقابة أفضل بكثير، إلا أننا فضلنا أن نبدأ بتأسيس الاتحاد، وأبدى وزير الإعلام جهاد بوكمال ووكيل الوزارة حمد المناعي استعدادهما التام، ووقفوا معنا وقفة كبيرة وساعدونا على إنشاء هذا الاتحاد.

وحتى اللحظة فنحن في اتحاد المسرحيين لدينا اجتماعات مكثفة لإعداد البرامج واللجان لكي نبدأ في إعادة إحياء المسرح، فكلنا فنانون، ونحن ندرك الأخطاء والمطالب ونعرف الهم المسرحين، نعرف ماذا نريد، فمعظمنا عاش العصر الذهبي للمسرح البحريني، وبالخصوص في السبعينيات والثمانينيات وجزء من التسعينيات، إذ بدأت انتكاسة المسرح بين عامي 1994 و1995، وأصبحت هناك نكسة للمسرح بعد أن تخلى تلفزيون البحرين عن مساعداته للمسرح، بعد أن تحول مسرح الجفير إلى مخزن مطبعة وتهدمت صالة البحرين الثقافية بمدينة عيسى، فانعدمت الأماكن التي يمكن من خلالها تقديم العروض، وأصبح المتاح لنا صالات وزارة التربية، ولكن ذلك تعارض مع احتياجات الوزارة لنشاطاتها وفعالياتها، إلى جانب كون هذه الصالات غير مهيأة لأن تكون مسرحا، فأصبحنا تحت رحمة وزارة التربية والتعليم، وتخلى التلفزيون عنا ولم يعد يعطي المسارح أية إعلانات، إذ من المفترض أن يساهم التلفزيون ولو بهذا الجانب، وذلك لأن المسرح سلعة تقدم للمواطن وتحتاج للرواج والجودة، فإذا لم يتح لي كمسرح الرواج من خلال الإذاعة والتلفزيون وإعلانات الشوارع، وإن كان لدي الجودة، فإنها ستبور، وذلك لأن أحدا لن يأتي ولن يعرف أن عندنا عمل، ولعدم وجود المكان المناسب، فأصبح اتجاه المسارح للعمل داخل مسرح العلبة أو المسرح الفقير، من تقديم عمل يتكون من شخصين، بينما المشاهد يريد مكانا جميلا ومريحا يسمع الصوت فيه بشكل واضح ويتفاعل مع المؤثرات البصرية. وقد تصورنا أن الحل في صالة البحرين الثقافية، إلا أنها أتت مع الكثير من الشروط، إذ لا يسمح بتأجيرها أكثر من أسبوع، ويمنع تقديم العروض المدفوعة فيها، ومدة أسبوع لا تكفي للبروفات والعرض، إلى جانب عدم وجود مردود مادي، كل تلك الأمور أربكت، لكننا إزاء الوضع بوجود التوجه الجديد ووجود الاتحاد نحاول حل هذه الأزمات بتعاون الإخوة في قطاع الثقافة ووزير الإعلام ووكيل الوزارة، إذ أؤكد على أن الوزير يقف معنا وهو يلح بطلب عودة المسرح الذهبي.

كثرت الأعمال المسرحية التجريبية في الآونة الأخيرة، فما تأثير ذلك على الجمهور المسرحي؟

- بدأ المسرح في البحرين يقدم أعمالا تجريبية مع بدء مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي في 1988، وكان للبحرين مشاركة بمسرحية الباب لإبراهيم خلفان، وهي من إنتاج فرقة الخريجين، إبراهيم خلفان قدم هذا العمل وارتأت وزارة الإعلام المشاركة به، إبراهيم خلفان أصبح متمكنا في المسرح التجريبي ويعرف ماذا يقدم لأنه درس هذا المجال ويفهمه ومطلع عليه، ولديه خبرة كافية، وكذلك الفنان عبدالله السعداوي، وهما يقرئان باستمرار عن المسرح وبشكل كبير، هذا ما يشكل سببا في تقديمهما لهذا النوع من الأعمال، ورغم ذلك أصبحت المسارح الأخرى وحتى الأندية لديهم التوجه لتقديم هذه الأعمال بهدف المشاركة في مهرجانات خارجية.

التجريب إذا لم يكن قائما على أساس أن المتصدي للمسرح التجريبي فاهم ودارس للمسرح وقارئ لكل المذاهب المسرحية ومشتغل فيها ويعرفها، فبالتالي يستطيع أن يجرب شيئا جميلا. التجريب لا يشترط فيه أن يكون باللغة العربية الفصحى، حتى لو كان العمل من التراث أو باللهجة العامية، المهم أن يأتي بتجربة جديدة، الإشكالية أن كل الجماعة استعرضوا أعمالا تجريبية بنوعية معينة وأخذت جوائز بنوعية معينة، يكون فيها الخام كله أسود وممثل يحمل شمعة أو يمسك حمامة في يده، ويجب أن لا يفهم المشاهد ما يقال حتى يصبح المسرح تجريبي، وعلى ذلك الأساس يقول إن هذا مسرح تجريبي، ولو سألنا أي فنان من المتفرجين عن العمل يقول روعة وفضيع، ولكن دون أن يستطيع البوح بما فهمه منه.

مع الأسف أن من يتصدى لمسرح التجريب يجب أن يتصدى له بعلم ودراية، وذلك ليس مقتصرا على المخرج، ولكن حتى الممثلين، وقد سعيت إلى سؤال الكثير من الممثلين حول ما قدمه؛ فيقول لا أعرف أو اسأل المخرج، هل هو آلة؟ المفترض أن الممثل هو أداة التوصيل بين الخشبة والمتفرج، وإذا لم يعرف ماذا يقدم فكيف سيصل إلى المتفرج؟

ومع العلم أنني من مؤسسي مسرح الصواري وهو المسرح الثالث بعد أوال والجزيرة، وقد سئلت لِمَ المسرح الثالث؟ لم عدم الانضمام للمسرحين الحاليين، فكنت أجيب أن لنا توجها آخر، لدينا توجه تجريبي، ولم يكن القصد أن تصبح جميع الأعمال تجريبية، وأنا ضد هذا التوجه لدى مسرح الصواري، فأنا مع التنوع، أنا مع مسرح لا يغفل المسرح التجريبي؛ لأنه مسرح يمكن الممثل ويشغل أدواته التعبيرية ويفهم بالضبط كيف يشتغل فوق المسرح، لكن لا نغفل الأعمال المسرحية التي تتوجه إلى الجمهور.

عندما كنت رئيس مجلس إدارة مسرح الصواري، قدمنا عملين متوجهين إلى الجمهور، (دوارة، واختطاف)، وكانا عملين مسرحيين جماهيريين، وحضرت أعداد كثيرة، وكان العملان باللهجة العامية. ولكن بإدارات لاحقة عادوا للتركيز على المسرح التجريبي وتوجهت باقي المسارح لتقديم هذا النوع من الأعمال.

إذا هنا ابتعدت عن الجمهور الذي يريد فرجة مسرحية يريد أن يبتسم ويضحك، أن تعطيه مادة جميلة فوق المسرح بأداء تمثيلي مثل سوق المقاصيص أو لمفهي التي كانت من تأليفي وإخراجي، أعمال كثيرة قدمت وجمهور كثيف جائنا في تلك الفترة، المفترض أن هناك تنوعا، التجريب مهم لكن لا يجب أن نغفل باقي النماذج المسرحية.

كيف تقيم الوعي المسرحي في البحرين؟

- أنا عشت واشتغلت لمدة 34 سنة في المسرح، عشت الفترة الذهبية للمسرح البحريني في السبعينيات والثمانينيات، وشاركت ومثلت وأخرجت، وعشت فترة بسيطة في التسعينيات، كان عندنا في تلك الفترة مسرحان هما الجزيرة وأوال، وحينما يقدم الجزيرة عملا، فإن أوال يبادر مباشرة لتقديم عمل آخر، فكان هناك تنافس رهيب بين المسرحين، وجمهور ملتصق بمسرح أوال وجمهور آخر ملتصق بمسرح الجزيرة، وكان هناك كتّاب ونقاد لمسرح الجزيرة يقابلهم آخرون لمسرح أوال، وكان الجمهور يكتب انطباعاته في الصحف التي كانت تنشر في تلك الفترة، فتصور أن الجمهور العادي بعد مشاهدته للعمل يتوجه إلى المنزل ويكتب انطباعاته. في تلك الفترة إن سألتني عن الوعي، فإن الجمهور كانوا يسألون عن المخرج وليس الممثل، حينما يعرفون أن سعد الجزاف يقدم عملا فهم يدركون ماذا يقدم سعد الجزاف، حينما يعرف أن أحدا من أوال يقدم عملا، فهم يعرفون ماذا سيشاهدون حينما يذهبون. تصور أن الجمهور حينها كان يسأل عن المخرج وليس الممثل، فتصور حجم الوعي الذي لا نملكه الآن، حينما يسأل المتفرج من هو النجم، وما هو النجم الكوميدي!

ذكرتَ في تصريح سابق بأن «المسرح البحريني» لا يستهوي سوى قلة من الجمهور، هل لك أن تفسر ذلك؟

- كنتُ أقصد المسرح التجريبي؛ لأن له ناس معينين، والأعمال التجريبية معروف من يقبل على مشاهدتها، مجموعة ووجوه لا تختلف، مجموعة الصفوة من المشاهدين، لكن حينما تشاهد مسرحية جماهيرية مثل «لمفهي» و»سوق المقاصيص» أو «درب العدل» ترى أناسا لم يروا المسرح في حياتهم ولا يعرفون طريقه، وذلك يعني أن العمل وصل إلى بيته وحركه إلى المسرح وهذا ما نطمح إليه.

هل البحرين تعاني من انعدام المنهجية التي تكفل لها الاستمرار والتجدد في ظل المستجدات الفكرية والتقنية؟

- هذا الأمر يقاس من ناحيتين، فهناك توجه في وزارة الإعلام، ولدينا كمسرحيين توجه لإعادة المسرح الذهبي، ونحن في الاتحاد تكلمنا مع الرئيس التنفيذي لهيئة إذاعة وتلفزيون البحرين أحمد نجم، وطالبنا بتوقيع مذكرة تفاهم بين الاتحاد والهيئة بإعطاء الاتحاد الصالة الثقافية وأن تكون تحت إشرافنا، وبالتالي فإن للمسرح القدرة حينها أن يتأجر الصالة لمدة شهر أو أكثر، كما يمكنه بيع التذاكر في هذا المسرح، إلى جانب إعطائنا إعلانات تجارية ومساعدات في الديكور والإضاءة وطباعة الكتيبات في المطبعة الحكومية، كل تلك الأمور كانت موجودة في العصر الذهبي، ولدينا الآن مثل هذا التوجه، إذ أبدى أحمد نجم كل الاستعداد والترحيب. ويهمنا أن نذكر أننا إذا أردنا تسويق منتج ثقافي أو فني لا نحتاج لأكثر من أسبوع أو أسبوعين، ولن يستغرق ذلك مدة سنة، وذلك قد ينعكس على السياحة من خلال إقبال الناس على عروض العمل.

إذا تحقق هذا التوجه فستنتعش الأعمال، وينتعش صندوق الفنانين، وميزانيات المسارح، كما أن الوزير وأحمد نجم يتطلعان لأن تدخل المسارح في الإنتاج التلفزيوني، وذلك سيسهم في ميزانية المسارح ويرقى بالفنان؛ لأنه متى ما صار النجم محبوبا، والناس تتابع النجم الذي يبرزه التلفزيون، فإن ذلك سيؤثر إيجابا على النتاج المسرحي.

من وجهة نظرك، هل البحرين تعاني من انعدام هامش الحرية؟

- لانزال نعيش ما قبل حركة التصحيح، تأثرنا كثيرا في السابق، وما بقي هو الرقابة الذاتية ذات الأثر الخطير علينا، ونحن لم نرتق مع مستوى الحركة التصحيحية لجلالة الملك، لا نزال نعيش فترة العصر القديم كمسارح

رغم أننا لم نقدم عملا وتوقف، وهناك أعمال مسرحية تقدم خطيرة مباشرة، تعرض في مهرجانات، ولم يقم أحد بتوقيفها رغم أنها تقدم بطريقة سيئة، لكننا لم نقدم حتى الآن عملا وتم توقيفه حتى نصل إلى سقف حريتنا.

لنتحدث عن «المسرح التجاري» هل الاتحاد يحارب هذا النوع من المسارح؟

- نحن كاتحاد لاحظنا وجود أعمال تجارية سواء من الخارج أو من داخل البحرين، عمل تجاري بحت ليس فيه فكر أو رقي للجمهور عندنا في البحرين، إنما يخرب الذوق العام، ونحن كاتحاد نريد أن نصل للجهة المسئولة للجهات المعنية بإعطاء تصاريح للأعمال، لأن من واجبنا كاتحاد الوقوف ضد هذه الأعمال، أحيانا يأتون دون نص، لذا من واجبنا الاطلاع على النص المقدم، والموافقة على العمل المسرحي قبل عرضه، يجب أن يكون العمل المقدم ضمن شكل جميل، لا يجب أن تكون فترة قبل الاتحاد وبعده بالمستوى نفسه، وقبل ذلك يجب أن تفرض ضريبة على الأعمال التي تأتي من الخارج، مع الاهتمام بنوعيتها.

هل هناك توجه لجدولة الأعمال المقدمة من المسارح ضمن برنامج سنوي يتوزع فيه النشاط المسرحي؟

- هناك توجه لوزارة الإعلام بإنشاء أيام البحرين المسرحية في عام 2010 بإشراف اتحاد المسرحيين ومشاركة جميع الفرق المسرحية، ومن خلال هذا المهرجان سيكون هناك لجنة تقييم العرض الأول والإخراج والتمثيل، وهو ما يتم الآن على مدار العام بصورة شخصية للمسارح، لكن ستجمع الموازنة وستصب في هذا المهرجان، والعرض الأول هو الذي سيمثل البلد في الخارج، وهذا لا يعني أن لا تقوم المسارح الأهلية بنشاطاتها طوال السنة، لكن هناك مهرجان يجب أن تشارك فيه.

أخيرا، ماذا يمثل المسرح بالنسبة للمواطن البحريني؟

- حاليّا، المواطن البحريني يفكر أن يرتاد المسرح ليستمتع ويشاهد الممثلين، نحن نتمنى أن يصبح المسرح شيئا مهما في حياة المواطن، لكن ذلك لن يتحقق إلا من خلال إستراتيجية عامة للدولة يتم فيها تفعيل المسرح المدرسي في الوزارة، من خلال مسرحة المنهج في وزارة التربية، من خلال توجه عام في الإذاعة والتلفزيون، لكي يفهم كل شخص أهمية المسرح، أنا أتمنى أن تكون هناك إستراتيجية عامة للنهوض والارتقاء بالمسرح عما قريب.

العدد 2253 - الأربعاء 05 نوفمبر 2008م الموافق 06 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً