كانت الثقافة العربية إلى جانبي خلال معظم أيام حياتي، تبيّن لي أمورا، لم يستطع العالم، الذي أعيش فيه، أن يفقه معناها.
«باولو كويلو» - روائي برازيلي.
«الخيميائي» - وبغض النظر عن بقرتنا! - هي رائعة من روائع الأدب العالمي. كتبها الروائي البرازيلي الشهير «باولو كويلو»... هذا الذي نُشرت مؤلفاته في أكثر من 150 دولة، وترجمت إلى أكثر من 40 لغة، وبيع منها ما يتجاوز الـ 30 مليون نسخة.
ولكن، هذه «الخيميائي» لم تُدهشني، وذلك لسبب بسيط: هو أنني أعرفها، وأعرف تفاصيلها، قبل أن يبدأ «باولو كويلو» بكتابتها!
وأعرف أبطالها (على رغم اختلاف أسمائهم وأماكن إقامتهم) فالجدّات، في الشمال السعودي - ومنذ سنوات - يحكون لنا حكاية «ابن مشيقح»، هذا الفتى الذي يعيش في إحدى قرى «نجد»، لا يملك من حطام الدنيا سوى بقرة واحدة مربوطة بجانب البيت الصغير.
كل مساء، يأتيه هذا الحلم في منامه، ليقول له: «كنزك في الشام»!
ذات يوم، يقرر أن يغامر ويطارد هذا الحلم، بحثا عن هذا الكنز.
يسافر إلى بلاد الشام، يعاني في رحلته من الجوع والعطش... وعند أحد البساتين يسقط من الإعياء تحت ظل شجرة... يصحو على وجه رجل عجوز (هو صاحب البستان) ويسأله: من أين أنت، ولماذا أتيت إلى هنا؟ يحكي «ابن مشيقح» حكايته له... يبتسم العجوز ساخرا منه، ويقول: سافرت في بلاد الله بحثا عن حلم... ما أغباك أيها الفتى... لو أن أحلام المنام تُطارد لسافرت أنا إلى «نجد»... فأنا ومنذ سنوات يأتيني في المنام رجل يقول لي: هناك في «نجد»، وفي إحدى القرى تحديدا، وعند منزل «ابن مشيقح»، وتحت أقدام بقرته المربوطة: أحفر... وستجد الكنز!... ويُضيف الرجل العجوز (والذي لا يعرف أنه يُحدث ابن مشيقح نفسه): اذهب يا فتى إلى ديارك... فلا توجد كنوز هنا... ولا أحلام غبيّة!
يعود «ابن مشيقح» إلى دياره، ويحفر تحت مربط البقرة، ويجد الذهب.
***
تنتهي «الحكاية الشعبية» الجميلة، المليئة بالرموز الرائعة... وتبدأ رواية «الخيميائي» التي تعتمد على اللعبة والحبكة نفسيهما، و «ابن مشيقح» يتحوّل إلى راعٍ إسباني اسمه «سانتياغو»، وتتغيّر الأماكن فتصبح «الشام» هي مصر. ولكن... في التفاصيل - في «الخيميائي» - هناك الكثير من السحر والمتعة... هناك «كنوز» أخرى، يكتشفها الفتى الإسباني، هي: الحب الذي يلتقيه في «الفيوم» ويراه في عيون «فاطمة»، هي: المغامرة، هي: الركض وراء الاحلام، ومحاولة تحقيقها حتى وإن بدت مستحيلة، هي: اكتشاف أن «الانسان» واحد، مهما اختلف شكله ولونه ولغته ومعتقداته.
***
هل قام «باولو كويلو» بسرقة بقرة «ابن مشيقح» ومنحها للفتى الإسباني «سانتياغو»؟!... أم إن هذا الفتى الحالم من «نجد» له شبيه عند كل أمة... فقط تختلف أسماء أشباهه مع اختلاف الأماكن، وصادف أن يكون شبيهه الإسباني هو «سانتياغو»؟!
عند كل أمة، ولدى كل شعب، الرموز نفسها، والحكايات نفسها.
في الحب «ليلى ومجنونها» تتكرر حكايتهما عند كل شعب، ولا تتغيّر سوى الأسماء والتفاصيل الصغيرة.
«عنترة بن شداد» الذي يخرج من بين العبيد المضطهدين، ليقود القبيلة إلى النصر... هذا «الفارس» يتكرر هنا، وهناك، وبأشكال مختلفة.
«المُخلّص» الذي يأتي على شكل «نبي» ومرة على شكل «مُعلم حكيم».
هناك من تُحفظ ذكراه في حكاية شعبية (في حال وجوده) ويتحول مع الزمن إلى أسطورة... وهناك من يحلمون به، وتتم «صناعته» عبر حكاية شعبية!
إنها الاحلام الانسانية التي لا تجد فرقا بين فتى ترعرع في قلب صحارى «نجد» وبين فتى يرعى الغنم في سهول «إسبانيا».
***
وبعد قراءة هذا المقال... أتخيّل أنني سمعت خمسة أصوات، لها خمسة توجهات مختلفة!
الصوت الأول: نحن يا صديقي في زمن العولمة، وما بعد العولمة، والنظام العالمي الجديد، ومنظمة التجارة العالمية... لهذا من حق أي راعٍ إسباني أن يأخذ ما يشاء من أبقار نجد!
الصوت الثاني: هنالك من الشعوب من لا يُجيد إنتاج الحليب من البقر...
وهناك من يُنتج منها: الحليب والزبد والجبن... والروايات الرائعة!
الصوت الثالث: قتلتنا «نظرية المؤامرة»!... لماذا تُصر أيها الكاتب على أن «سانتياغو» الإسباني هو الذي استولى على بقرة «ابن مشيقح»؟... ولم لا يكون «ابن مشيقح» هو الذي استولى على أغنام «سانتياغو»؟!
الصوت الرابع: يا رجُل... سرقوا كل شيء... يعني وقفت على «بقرة»!
الصوت الخامس: يبدو أن «بقرة» الحي لا تُطرب!
العدد 1690 - الأحد 22 أبريل 2007م الموافق 04 ربيع الثاني 1428هـ