استلقى على ظهره من التعب، وغفت عيناه ساعة من الزمن، كان يوم الجمعة والوقت صباحا، والشمس كقرص من ذهب، دخل البحر وخاض الماء من دون خطر، ركب القارب للصيد، وعلى الله اتكل، وإذا بالقارب قد وقف، والماء انحسر، ثم جف البحر تماما، والأرض يبست، ساح في البحر ليعرف ما حدث، وتوغل ماشيا من دون بلل، فرأى الأرض أعماقا، بل هي أعمق من المحيط الهادئ، وفي الأرض سهول واسعة ومنبسطة، وقيعان وحفر وقمم، وأسماك تتقلب، وحيوانات تزحف مختلفة الأحجام والأشكال، تأكل في نباتات البحار، والشعب المرجانية متشعبة ومتفرعة بألوانها الكثيرة، كأنها الغابات الكثيفة، وبينما هو على هذا الحال من الحيرة والاستغراب، إذا ببعض البحر أمامه قد تحول إلى ظلام دامس يمتد من السماء إلى الأرض، وسمع فيه أصوات التهليل والتكبير والتسبيح من دون أن يعرف من أين أتت، وهل هي أصوات ملائكة أم أناس من صنف آخر خلقهم الله تعالى، ولو دخل هذه الظلمة لضاع وتاه، واختفى عن الأبصار، فرجع يقطع الطريق مشيا على الأقدام وخوفه وذعره قد ازداد، وانبهر عندما رأى الماء قد عاد إلى الجريان، وارتفع حتى وصل إلى حزام البطن، فأسرع يعدو خوفا من الغرق، إلا أن الماء سبقه وارتفع إلى فاه، وفجأة رأى وميض البرق وسمع قصف الرعد، ثم انهارت الأمطار بغزارة شديدة، وتساقطت على البحر بثقل شديد، كأنها الجبال الراسيات، واستغاث وترجى الله أن ينقذه من الغرق، إلا أن عاصفة شديدة قد هبّت بسرعة مذهلة، رأى الموج تتقاذفه الرياح ويرتفع ارتفاعا شاهقا كجبال إفرست بهمالايا في علوه، وأخذت الرياح والأمواج تحمله كأنه يسبح في الهواء، ثم تسقطه على ماء البحر، كأنه كرة تتقاذفها الأرجل مع الموج والهواء، فاحمرّ بدنه وتقدد جسمه، وخرس لسانه عن الكلام، وبقيت أنفاسه مخنوقة، وطرفه إلى السماء، وعندما أذن الله له بالفرج جاء قاربه تتقاذفه الأمواج من كل جانب ومكان، ولم يحس إلا وهو في القارب، ولكن لا يعرف كيف دخل فيه، ومن وضعه في القارب؟ لكنه أدرك أنها قدرة الله تعالى ولطفه عليه، بعدها توقفت العاصفة، وهدأ الموج، وكأن شيئا لم يحدث، فقام بقيادة قاربه وعاد إلى منزله، وتنبه من غشوته وإذا هو على فراشه، فأدرك أن ما حدث هو الحلم وليس الحقيقة، وأن الأرواح تسعى بقدرة ربها، ثم تعود إلى الأجساد بإذن خالقها.

فسبحان الله خالق الأرواح كلها...