العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ

انتصر لـ «القاعدة» ... وانتقد «القواعد»

«المؤتمر القومي العربي» في المنامة:

بين الدعوة الى العمل على تأسيس «جامعة شعبية عربية» تكون بديلا للجامعة العربية، والاعتراف بأزمة مالية خانقة تعصف بالأمانة العامة والخلافات العميقة بشأن البيان الختامي وبعض الكلمات والافتتاحيات «الطائفية» التي خرج بها المؤتمر القومي العربي في دورته الثامنة عشرة بالمنامة في الفترة بين 28 أبريل/ نيسان والأول من مايو/ أيار 2007 الكثير من النقاط التي تستحق الوقوف والتعليق.

إدانة البيان الختامي للحكومة العراقية المنتخبة كان أحد أسباب الخلاف التي عصفت باليومين الأخيرين منه، وكان عرض شريط مسجل عن المقاومة في العراق احتوى تجييشا على الشيعة واستنصارا للسنة كان أيضا سببا في الخلاف الذي كاد يصل حد الاعتداء بالضرب. أما الأهم من هذا وذاك، فاتهامات تقاذفها المشاركون لبعضهم بعضا حول دخول أفكار تنظيم «القاعدة» في أعمال المؤتمر، وتسيّد دعاوى الفكر الإسلاموي التكفيري على الكثير من مخرجاته.

الموقف من الملف الإيراني

البيان طالب الدول والشعوب والحركات السياسية العربية مقاطعة «حكومة الاحتلال العميلة». وتعامل بإيجابية نسبية مع الملف الإيراني على - خلاف ما كان متوقعا - معتبرا العدو الحقيقي متمثلا في الولايات المتحدة الأميركية، إذ أكد الأمين العام للمؤتمر أحمد السقيفي على سلامة الموقف الإيراني في امتلاك الطاقة النووية السلمية، لكنه أشار - من باب الترضية - إلى «خطأ سياسة إيران في العراق»، داعيا إيّاها الى «تصحيح هذه السياسة إذا رغبت في الحصول على الدعم الشعبي العربي».

لقد مثّل خروج البيان الختامي عن التورّط داخل الملف النووي الإيراني الحدث الأكثر غرابة بالنسبة إلى المتابعين، وكان انعكاس هذه الصدمة مباشرا على الصحافيين الذين زادوا أسئلتهم في عدم إشارة البيان الختامي إلى الخطر الإيراني. الأمين العام أكد أن ثنائية الصراع هي عربية - أميركية صهيونية وليست عربية - فارسية.

الكثير من المراقبين أحاولوا هذه التصريحات إلى الانتقادات الكثيرة التي وجهت للمؤتمر جرّاء انسياقه نحو تبني خطابات تصعيدية إسلامية وهو ما انتهى إلى تغليب خيار تركيز محور عملية الصراع مع الولايات المتحدة وإسرائيل عوض إدخال الإيرانيين كعنصر رئيسي في العملية. واقع الحال، أن اللحظة العربية الراهنة التي وصفها البيان الختامي للمؤتمر بأنها لحظة «بالغة الدقة» لم تشفع لأن يذهب المنتدون في المنامة إلى تغليب صوت «القاعدة» الذي كان ملموسا بوضوح في أروقة المؤتمر. والبيان الذي أكد «التزام المؤتمر المبدئي بكل قضايا الأمة وهمومها، والسعي العميق والجاد لأعضائه الوافدين من كل أقطارها وتياراتها وأجيالها وأحزابها ومنابرها الثقافية والإعلامية لنصرة هذه القضايا» لم يستطع الخروج بورقة سياسية تفرض مسرحا سياسيا جديدا في المنطقة. ولا تزيد أطروحة الجامعة الشعبية العربية عن كونها نوعا من أنواع الترف اللغوي الذي غالبا ما كان صديقا حميما للخطاب العربي القومي.

المؤتمر حاول أن يؤسس مرجعية فكرية وثقافية لمشروع وصفه بـ «النهوض الحضاري للأمة». وأكد ضرورة استحداث مرجعية فكرية عامة للمشروع النهضوي العربي إلا أن خطابا نقديا داخليا للتجارب الوحدوية لم نسمعه، ومن جهة أخرى، لم تتخلل أعمال المؤتمر أية محاولة جادة لإعادة قراءة خيارات الماضي وتجاربه في إطاره الزمني نفسه رغبة في إعادة تصحيح بعض المسارات التي تسببت بلا شك في هذا الجمود.

الهفوة الأكبر، هي ما خرج به المنتدون بتوجيه نقد لاذع للمبادرة العربية، «لاحظ المؤتمر أن إحياء النظم العربية ما يسمى «مبادرة السلام العربية» بكل ما تنطوي عليه من تنازلات تمس الحقوق الثابتة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، بعد خمس سنوات من رفضها المهين من طرف إسرائيل، يتجاهل النضالات والتضحيات الفلسطينية، والهزيمة الصهيونية في لبنان، ولا يخدم إلا انتشال العدو الصهيوني من حالة الضعف التي يتخبّط فيها».

هذا الهجوم على مبادرة السلام العربية سيكون بالتالي السبب الرئيسي في أن لا تنفذ مقررات هذا المؤتمر لمسرح السياسية العربية خصوصا أنه يتقاطع والمبادرة العربية التي تقف وراءها المملكة العربية السعودية التي تعتبر أقوى الدول العربية اليوم وأكثرها قدرة وتأثيرا على الوضعين الإقليمي والدولي.

غاب عن المؤتمر بوضوح أن الخروج بخطاب تحدٍ واضح للمبادرة العربية ستكون لها عواقبه الوخيمة، خصوصا أن الدول العربية تلقي بثقلها كاملة نحو المبادرة، وأن صوتا ضد المبادرة لن يكون محط قبول أو تقدير.

القواعد الأميركية «الكلام في الممنوع»

الذي لم يكن في الحسبان بالنسبة إلى المنظمين، هو ما خرج به المؤتمر في الجانب المتعلق بالخليج العربي، إذ عبّر المؤتمر عن قلقه الشديد باعتبار القواعد العسكرية الأجنبية تمثل اختراقا واضحا للمد القومي العربي. وفيما تزدحم موانئ وصحارى دول الخليج العربي بالقواعد والقطع العسكرية الأمريكية وعلى مقربة من انعقاد المؤتمر القومي العربي نفسه نجد أن إشارات المؤتمر السلبية نحو القواعد الأجنبية كانت بمثابة المفاجأة بالنسبة إلى الدولة المنظمة وما جاورها.

البيان أشار أيضا، إلى «تبديد فوائض النفط العربي المالية، وذلك إما عبر تبديدها على صفقات الأسلحة غير المجدية، وإما عبر رهنها للمصارف الغربية، ويضاعف هذا القلق اتساع الاعتماد على العمالة الأجنبية غير العربية ؛الأمر الذي يهدد النسيج الاجتماعي والهوية العربية للخليج».

الدول الخليجية المعنية بهذه العبارات، وخصوصا السعودية، والبحرين، وقطر، والإمارات، والكويت جميعها سيكون لها أن تعتبر مثل هذا الخطاب مؤشرا حقيقيا على نفاذ تنظيم القاعدة داخل المؤتمر القومي في بعض ما خرج به، وهو ما يطلق عليه الكثير من المراقبين بالتحالف الجديد بين القوى الإسلامية التكفيرية من جهة، والنظم القومية العربية (البعثية خاصة) من جهة أخرى.

لم تحقق أعمال المؤتمر القومي الذي هاجر من الرباط إلى المنامة المستوى المأمول منها، وكانت الاختلافات والانشقاقات بين المنتدين على اختلاف أطيافهم الدليل على أن مراجعة عامة لمجمل التجربة القومية لم تتم بعد. وعلى رغم أن المؤتمر حاول الهروب من «السياسي» نحو «الثقافي» و»المعرفي» إلا أنه تورّط في بيانه الختامي في «السياسي» بشكل مباشر. وخلاف الدعوة الصريحة نحو تفعيل الديمقراطية في الدول العربية، فإن النقودات التي وجهت للمنظومة المعرفية «القومية» لم تحظ باهتمام أعضاء المؤتمر، والتحذيرات التي خرج بها الكثير من المراقبين حول الاستمرار في خطاب الشعارات الحماسية والخطب البلاغية التاريخية كانت في محلها، فلقد غلبت على مخرجات المؤتمر الإنزياحات التاريخية والكلمات الإنشائية والحماسية.

أما فيما يتعلق بالمشروع النهضوي الجديد، فإن المؤتمر لم يعط أية قراءة تأسيسية لهذا المشروع، كما أن تأكيدات الأمين العام حول أن بيان المؤتمر لا يمثل صيغة إجبارية سيعاقب المعارض له تصب بالضرورة حول أن إطلاق هذا المشروع النهضوي الجديد لا يزيد من حقيقته عن مقرر «حفظ ماء الوجه» في أبعد تقدير.

العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً