العدد 1707 - الأربعاء 09 مايو 2007م الموافق 21 ربيع الثاني 1428هـ

السعداوي يحول يوم تكريمه مناسبة للمسرح

بحساسية ضد الوزراء...

ليس مسرحا تماما، ليست صالة عرض تماما، لم نكن هناك لحضور عرض مسرحي تماما، الأكيد أنه تكريم لأحد مجاني المسرح، هذه المصافحة الأولى التي اختمرت في ذهني وأنا أدخل مبنى «الوسط»، ليطل عليَّ منصور الجمري وهو ينزل السلالم، اعتقدته لا يعلم شيئا عما يجري، فبادرني «الجماعة كلهم فوق»، لينسرب إلى المكاتب المتعددة في الطابق الأول.

المسرح كان عدة مقاعد بشكل دائري، وفي وسط المقاعد يرتاح مقعدان، واحد مستطيل الشكل، والثاني مربع، والممثلون سيقدمون عرضهم محاطين بالجمهور، وهو بذلك كسر للمعتاد، وكسر للصورة ذات البعد الواحد، والمعتمدة على مواجهة المتلقي لخشبة المسرح، أصبح الحضور بذلك جزء من النص والمشاهد، حتى العازف الذي شاء له السعداوي أن يتورط، كان جزءا بين الحضور، ولكنه جزء أيضا من تصاعد المشهد وتقاطعه، إذ أصبح عنصرا لحال توتر المشاهد، وصلة بين مقاطعها، في حين المسرح أو وسط القاعة مجاز، كان لجسدين يذرعانه توترا وحركة، كان لإبراهيم بحر وفي جانب آخر حسين عبدعلي، الأول وضعت الحياة بياضها على جسده، والأخير ينزف شبابا متوهجا، ثنائية الصورة لمفهوم الحياة، وبذلك هما عنصران يذهبان في تكوين رؤية السعداوي لخلق مناخ مناسب لرؤيته.

«متروشكا» مسرحية مكتنزة، تداخلت فيها عدة مشاهد، تقوم على ممثلين ولحسن أو لسوء حظهم أنهم عبدعلي وبحر، تقوم هذه المسرحية على أب وابنه مرة وعلى دكتور ومريضه مرة أخرى، ومع أن هذه الثنائية يذهب السعداوي عبر حواراته لجعلها إسقاطات لواقعه، فمرة تشعر أنه يتحدث على لسان التيارات السياسة، ومرة يشعرك أنه يتحدث نيابة عن النظام وأعلى سلطة فيه، ومرة عن الإنسان العادي لدرجة فاقعة، غير أنه يفتح نوافذ الأسئلة أكثر من الإجابة عليها، إذ يبدأ المسرحية بشاب يضع ثيابه على حبل غسيل وهمي، يندمج الرجل مع أجواء الموسيقى، في حين يواصل الشاب قراءة الصحيفة، ليختار مكانا بمقابلة أحد الحضور، وبتأتأة يخاطبه الابن، «كلٌ في سجنه لا يستطيع الكلام»، كانت الكلمات تصل قبل أن ينطقها الشاب، إذ عبّر عنها بتقطع صوته، وإمعانا في الدخول إلى الجمهور كانت لغة قريبة منه، ولهجة يتعامل معها في اليومي والحياتي.

السعداوي الذي يشكوا من ألم أسفل ظهره، مستنفر ينظر إلى حركة الممثلين، كأنه يتلقى النص للمرة الأولى، المسرحية كانت قلق اجتماعي، وعدوى مثقفة تنتقل من النص إلى الممثلين ثم للمتلقي الذي وجد نفسه متورطا كجزء من العمل، في حين أن معالجة السعداوي للمواضع وأكثرها مواضيع حياتية، تمس الوضع الاقتصادي والثقافي والسياسي، معالجة لا تخلوا من تهكم، وفتح أكثر لجروحها، فعندما يتحاور الدكتور والمريض في أحد المشاهد، عن تحول الشاب من قلق إلى «عادي»، يحاول الشاب تدخين سيجارة، إلا أنه لا يحصل على قداحته، فيعيره الدكتور قداحة، وهما يواصلان الحوار، يحاول الشاب إشعال سيجارته بالقداحة، إلا أنها لا تعمل، يواصل الحوار وهو يحاول، لكن طرق آلة العود كجملة صوته على طرق الباب، تزامنت مع قول الشاب بمسح ذاكرته، السعداوي مازال منتبها لتبديل المقاعد.

التداخل بين الجمل الصوتية والحركية بالجمل الكلامية، كان سمة مميزة لهذه المسرحية، فحين يحاول الشاب وصف ما يجرى لوالدته، يقوم بحركة جر الرأس وضربه بجدار وهمي، ثم يدخل في حال هستيرية، تتزامن مع تنفس سريع وحاد، وهو ترجمة لما كانت عليه أخته من الخوف، فيسترسل في سرد الواقعة، حول جلد الوالد له بالحزام، غير أنه لا يقول ذلك منطوقا، إذ تتحول الجمل إلى حركات وصوتيات، كانت أقرب في تصوير الحدث، وهي الاستفادة الكاملة للغة الجسد، في تكوين الصورة المقترحة للنص، وكذلك في الإشارة إلى تساقط الأمطار داخل بيتهم، إذ قيل بالصوت ووقع آلة العود.

الكثير من المواضيع كانت تحت طائلة نص السعداوي، بعضها كان حاضرا كإشكال وجودي فلسفي، إذ يتكلم عن أموات يزدادون في العالم، ويتحدث عن موت مختلف، إذ في أحد المشاهد يخبر الدكتور المريض «أنت ميت»، ليرد عليه المريض هل سأموت، لكن الدكتور يرد بابتسامة باردة أنه قال: «أنت ميت، ولم أقل أنك ستموت»، هنا يعطينا السعداوي دلالة أخرى لمفهوم الموت بوصفه حالة، ولا يقف عند هذا الحد، ففي محاولته شرح ذلك يقترح سببا يثير إشكالا آخر، حين يقول الدكتور «الطبيعي لا يكون سليما»، وأكثر إنسانية أن تكون قلقا، وهي حالة المريض الذي فرض أنه كان «فعل وأصبح رد فعل»، ربما تحمل هذه الرؤية سوداوية من جهة، ومن جهة أخرى هي دلالة الأنس بين البشر، غير أن السعداوي لا يعطينا مرفأ لنرسو عليه، أو نقول إنه يؤمن بهذه الفكرة أو تلك، وما يهبنا هو حال قلقه المعدية فقط، غير أن السعداوي مازال جالسا يوزع نظره بين الممثل الجالس أمام أحد المتورطين في المحادثة والمتورط.

هذه المرة كما في المرة الأولى، داخلني بعض الضحك، فتصاعد الحركة في دور حسين عبدعلي كان غير اعتيادي، خفت أن أكون أنا الوحيد، واعتقدت أن عبدعلي خرج كثيرا عن سقف الانفعال بالنص، لكني أعتقد أن الأمر مختلف جدا، إذ إن السعداوي صاحب خبرة لا يمكن أن تغفلها، لذلك سأعتقد أنه يحاول أن يصنع متلقيا نوعيا، فنحن لم نتعود على تورطنا كجزء من المسرح - المتلقي غير معتاد على الحوار المباشر الجاد مع الممثل -، ولم نتعود على كسر الحاجز بيننا وبين المؤدين، فأي احتكاك مباشر بهذه الشخصيات، خصوصا في جو تصاعدي، يدخلنا إلى صميم النص، أو يصنع لدينا حال اندهاش تأخذنا للضحك، فنحن أمام مفاجأة نكون متورطين بقصد أو بغير قصد فيها.

فهل كان هناك مسرح تماما؟، هل كان تكريمه فسحة لعرض مسرحي؟ هل يمكن أن تصبح تقدميا في أسبوع تماما كما حدث في المسرحية؟، هل لدى السعداوي حساسية ضد الوزراء وكبار الموظفين؟، هل كرِّم السعداوي بما يليق بمكانته؟، أتدري يا صديقي السعداوي، أصبحت أشك في «تماما» بعد العزيزة (متروشكا).

العدد 1707 - الأربعاء 09 مايو 2007م الموافق 21 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً