العدد 1716 - الجمعة 18 مايو 2007م الموافق 01 جمادى الأولى 1428هـ

هوس الشراء عند النساء مرض مزمن

يعد هوس الشراء عند المرأة من الأمراض المزمنة، التي يصعب علاجها إذ إن المشكلة تكمن في عملية الإسراف غير الطبيعية، التي ترتابها عند مشاهدتها الأشياء فيصيبها شعور تلقائي لا تستطيع أن تمنع نفسها من ذلك فتشتري بشكل عشوائي وغير منظم، اذ يختلف ذلك المرض من امرأة لأخرى فمنهن من تشتري لمجرد الشراء وأخريات يحبين مجرد التجوال داخل الأسواق لمجرد التعرف على المنتجات، و الأزواج يشكون ذلك الأمر.

وأكدت دراسة علمية أجريت أخيرا في الولايات المتحدة الأميركية عن هوس المرأة بالشراء ليتم بشكل لا شعوري، وأن المسئول عنها هو المخ ونشاط كهربائي داخل مخ المرأة لتبدأ أثناء وجودها داخل الأسواق ووسط السلع بالشراء، حول ذلك الموضوع يدور هذا التحقيق الذي أعدته «وكالة الصحافة العربية» لمعرفة طبيعة المرأة وسلوكها في عملية الشراء ومدى اقبالها عليه ورأي خبراء علماء النفس والاجتماع.

وتحكي لنا وفاء محمود طالبة جامعية عن إدمانها للتسوق، فتقول: في بداية كل عام تحدد لي أمي موازنة خاصة للشراء لموسمي الصيف والشتاء وتترك لي حرية التصرف فيها... اذ إنني أقسم الموازنة جزئين: أحدهما لشراء الضروريات، التي أحتاجها والآخر أحتفظ به للطوارئ، وعادة ما أحدد احتياجاتي وطلباتي مقدما قبل الذهاب إلي السوق، وعلى رغم هذه الخطة المحكمة التي أضعها أجدني أبعد عن كل هذا الترتيب، وأذهب للسوق بدون تنفيذ لهذه الخطة وأندفع بجنون نحو شراء أشياء لم أكن قد وضعتها في الحسبان، وعندما أعود إلى المنزل أشعر بالندم وأظل أعنف نفسي وأتهمها بالإسراف والتسرع وعدم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح، وعندما أستعرض كل ما اشتريته من ملابس وإكسسوار يتلاشى على الفور إحساسي بالندم ويغمرني إحساس بالفرحة الطفولية والرضا، فالتسوق يرفع دوما من روحي المعنوية.

وتقدم هدى محمود محاسبة بأحد المصارف بالقاهرة تفسيرا خاصا لإدمان التسوق قائلة: هذه الحالة تصيبني في أوقات كثيرة بخاصة عقب كل فترة إحباط أمر بها، فأجدني متجهة إلى السوق مسلوبة الإرادة، وكأن هناك ما يدفعني لذلك، فأذهب إلي الكوافير لتغيير طريقة تصفيف شعري، ثم أطير بعد ذلك إلي أكبر مركز تجاري وأشتري منه أي شيء قد لا أكون في حاجة إليه الآن، ولكنها مجرد رغبة في تفريغ الشحنة الانفعالية، التي تسيطر على أو مجرد محاولة لقتل الكآبة والملل، وبالطبع فالأمر يكون مكلفا للغاية، والغريب أن هذه الرغبة في التسوق تنتابني أيضا في حالات السعادة، فأي تغير في حالتي المزاجية سواء بالسلب أو بالإيجاب يذهب دوما لصالح التسوق.

وتضيف ريهام توفيق ربة منزل: لي سبب آخر يدفعني إلى الحرص علي التسوق والشراء فزوجي غائب عنا باستمرار بحكم عمله وباختصار شديد لا نراه إلا في المناسبات وللحظات خاطفة، فأنا الأم والأب معا بالنسبة للأولاد، ولذلك فأنا التي أقوم بشراء احتياجاتنا من السوق، في البداية كانت عملية الشراء شاقة ولم أكن أجيدها ولكن اليوم صرت خبيرة في الشراء بمرور الوقت أصبح لدي موسوعة شاملة لكل ما يتميز به كل سوق من سلع ومنتجات، وأصبحت عملية التسوق متعة حقيقية لي أمارسها أسبوعيا، الآن زوجي يصرخ دائما من تكاليف الإنفاق المتزايدة، وإذا كان إدمان التسوق يهدف إلى تحقيق متعة عند البعض فإنه وسيلة لتفريغ شحنة الغضب عند البعض الآخر.

أما هالة عبدالمحسن زوجة وربة منزل تعترف لنا بصوت مرتفع وتقول: بصراحة الانتقام من شريك الحياة أحيانا يكون ممتعا ولذيذا، خصوصا عندما ينسى أو يتناسى عن عمد مناسبة جميلة أو ذكري مهمة لنا كعيد الميلاد مثلا أو عيد الزواج، وهو ما يستفزني كثيرا وأجدني بدون تفكير أقوم بالتسوق أنتقي أجمل الملابس وأدفع مبلغا بسيطا من ثمنه باسم زوجي، وأقدم لزوجي العزيز مفاجأة الموسم وأطالبه بأن يكمل لي ثمن الهدية التي اشتريتها لنفسي، وأمام هذا الضغط يضطر إلى الرضوخ لمطلبي خوفا من اهتزاز صورته ومكانته لدي البائع. إنها وسيلة عملية أتبعها دائما لدرجة جعلتني أعشق التسوق.

يحدث الخلل الأساسي في موازنة المنزل خلال المواسم والأعياد، وخصوصا خلال فترة الأوكازيون، والتي يصل فيها الأمر إلى ذروته، وتتم عملية الشراء بشكل عشوائي لبضائع لا نحتاجها مطلقا لمجرد أنها رخيصة الثمن.

محمود موظف يؤكد أنه بفداحة الخسارة المادية، خلال موسم الأوكازيون ويقول: زوجتي أدمنت التسوق، تشتري أي شيء يقع أمام عينها، وتقول: إنها قد لا تستفيد منه الآن ولكن قطعا سيأتي يوم ويصبح نافعا! يكفي أن ثمنه كذا، وهكذا تشتري عشرات الأشياء غير المفيدة، والمحصلة النهائية أن فاتورة الحساب تكون مرتفعة رغم قلة الفائدة، لاشك أنها هيستيريا تصيب النساء.. وأعتقد أن الإعلانات لها دور أساسي في هذا الموضوع، فنحن نشتري سلعا شاهدنا دعاية ملحة لها في التليفزيون رغم عدم حاجتنا إليها، إن الأمر مجرد فخ منصوب لنا نحن الأزواج المساكين.

نشاط حركي زائد وعن هذه الظاهرة يقول أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة يسري عبدالمحسن: إن إدمان التسوق يعد من أعراض مرض الهوس العقلي، الذي نجده يجعل البعض تنتابه حالة من عدم القدرة علي التمييز، بالاتجاه في إنفاق مبلغ مالي ضخم في أشياء غير مفيدة وهو ما يعد نوعا من فقدان البصيرة، هذا إلى جانب أن الاندفاع اللإرادي تجاه الشراء يعد نشاطا حركيا زائدا من انفعالات غير سوية سواء كانت بالسلب أو بالإيجاب، وهو ما يسمى «الفرح العقلي» الذي يعد الشراء أحد أعراضه.

وتضيف أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس إجلال حلمي: إن التسوق عملية استهلاكية استجابة لسد احتياجات الأفراد من ملبس ومأكل ومشرب وبعض الأدوات الأساسية الأخرى في الحياة، فهي ليست صورة اجتماعية قديمة، بل كانت مقننة وأصبحت الآن أكثر انتشارا، وبالطبع فوسائل الإعلام تلعب دورا بارزا في هذه العملية، فهي تجذب بطريقة أو بأخرى الأشخاص إلى كل ما هو جديد، وهذا ما جعل عملية الشراء هنا ليس لقضاء حاجة نافعة، بل العكس فنحن نهرع إلى الأسواق بهدف اقتناء الأشياء واكتنازها سواء كانت معلومة أو مجهولة لدينا دون وعي بمدى الاستفادة بها، لذلك نجد أن التقليد والمحاكاة عند الفرد نتيجة لظروف تنشئته الاجتماعية قد تؤدي إلى نفس الظاهرة، وشراء أشياء قد لا تتلاءم مع الشخص، لأنها مجرد فكرة جديدة وموجودة في المجتمع بانتشار واسع هو ما يربطنا بموضوع الانحراف الاجتماعي، الذي يمكن أن يكون أحد إفرازات فرصة الشراء التي تعد ظاهرة استهلاكية تؤدي إلى نوع من الإسراف، الذي يسمى بالاستهلاك الترفي، وهذا المرض لم يكن قاصرا علي المرأة وحدها بل يشاركها الرجل فيه.

ويقول أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس إبراهيم عيد: إنه نتيجة لكثافة الإنتاج العالمي وإغراق الأسواق بسلع من كل صوب وتقنيات تكنولوجية عالية المستوي كل هذا أدى بالإنسان العربي إلى تعاظم النمط الاستهلاكي، الذي قد يبلغ إلى حد الشراهة والولع بكل جديد، وخصوصا المرأة بحكم تكوينها النفسي تكون ميالة لموأمة الموضة، لأن وجود المرأة يتحدد غالبا في معظم ملامحه بكيفية جذب الأنظار، وهو ما لن يتحقق إلا عن طريق الموضة واقتناء كل ما هو جديد... كما أن للإعلام والمهرجانات دورا كبيرا في إدمان المرأة العربية للتسوق ورغبتها الدائمة فيه، فلقد أصبح هناك توجه إعلامي من شأنه أن يرتفع بالاقتصاد العربي ومنها السياحة والتسوق وزيادة المساحة الإعلامية للمنتجات الاستهلاكية، ما يجعل عند المرأة نوعا من الهوس النفسي، الذي يكون مؤداه شراهة ارتياد الأسواق.

العدد 1716 - الجمعة 18 مايو 2007م الموافق 01 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً