العدد 2260 - الأربعاء 12 نوفمبر 2008م الموافق 13 ذي القعدة 1429هـ

بانوراما ثقافية

أسبوع ثقافي بامتياز، ها أنت عدت من جديد لإطلالتك السريعة فأمسكت القلم ودفترك الصغير الذي لمزك به صديق أثير لديك يوما ما وأنت تتصفح الكتب في إحد المعارض: «أنت لا تنفك تحمل هذا الدفتر الصغير» فتتبسم وتقول يا سلام على طريقتك الخاصة، وها أنت تنطلق من بستان لآخر تحصد ثمار فعالية هنا أو أمسية هناك، «حاملا أو محتضنا سنبلة الوقت» بحسب ما تسمح به الذاكرة من استعارة لأدونيس في إحدى أمسياته في البحرين في التسعينيات أو قبلها بقليل، فمرة تستبق الوقت وكثيرا ما يسبقك، قتلحق ما تبقى من ألق الكلمات وابتسامات الحضور وشيئا من رماد الاحتراق، وتتصفح الوجوه لتقرأ أمرا آخر خلف الكلمات والكثير مما يقرأ، وما تقوله العيون في صمتها من حكايات هي بقايا صورهم في حكايا سابقة كنت تنسجها لهم على عجل ريثما تتعرف عليهم فتشتبك حكاياتهم الأصلية مع الحكايات المنسوجة عنهم على مهل.

ميسون القاسمي وفسحة الأمل

هذا أسبوع ثقافي بامتياز فثمة أمسية شعرية لميسون القاسمي في بيت الشعر حيث ما إن تجلس وتلتقط فيها أنفاسك حتى يصافحك معجم من الأمل الذي ينتثر في هواجسها في قراءة شاركها فيها علي الجلاوي أصعد حيث تكون، أنا السمبلة الصغيرة، أيها الأمل فرعا في الشجرة، تسقط منها ثمارها، الحياة خسارة ،الجسد في اليتم أموت سريعا، هذه متاهاتي، سرير الشوك، اليوم للصباح والغد للكآبة، معطف للأمل، وتغادر المكان على أمل في قراءة قادمة.

إبداعات شبابية في أسرة الأدباء

وتلتقط أنفاسك وتلوي سريعا إلى ما تبقى من أمسية للشعراء الشباب الذين يأخذونك بألق إلقائهم الموحي ومجازهم المشتعل الذي يذهب بك إلى مناطق بعيدة في التأويل غائرة في المعنى، من شدة الاحتراق بجمرة الإبداع، فترى أن الشعر بخير ويعيد ألق الحضور إلى البعض إيمانهم بشيء من جدوى الشعر في زمن يغالب في كل شيء ذاته فيتفكك إلى ركام من هباء.

غبار السعداوي وحَكايا متناثرة

وقبل ذلك بليلة تجيب دعوة كريمة فتمنحك فرصة سانحة للقراءة والتأويل، فتلقى السعداوي كعادته قد أعد مجددا صدمة أخرى من صدماته، تدخل فتجد لك مكانا بين الحضور فتتأكد أن ثمة فيلما آخذ في التشكّل وتترسم خطوطه الكبرى شيئا فشيئا من حكايات متعددة بين خيطٍ تسجيلي وخيطٍ إبداعي، فها هو السعداوي في سيارته الصغيرة يقطع الشوارع ويجوب الحارات مع زميل له يبحث عن حكاية هنا أو حكاية هناك ليضمّها في فيلمه ليقول من خلالها ما يريد أو ما تريده الحكاية أو ما نراه ونريده نحن فنحسب أن السعداوي قد قاله عنا وهو ليس له سوى شرف أن جمعنا مع هذه الحكايات الصغيرة وفعل بالمعنى ما فعل، فثمة إنسان ما من الناس، تشاهده وهو يقطع الصخور ويدوي بصوته كمن يبحث عن شيء وما هو إلا كائن فيلمي بحت يعترض على مؤلفه يكسر الشاشة فيخرج منها فلا يستطيع السعداوي بعد ذلك التحكم فيه انه جائع يريد الأكل، يريد اللباس، يريد عملا في ظل أزمة بطالة تراوح محلها، يجيبه السعداوي ليس لي عندك شيء أنت كائن فلمي فقط وهمي بنظرة محايدة تماما أنت اخترت الخروج إلى الواقع، وأنا لا أستطيع التحّكم في الواقع لتتحمل مسئولية اختيارك، إنها حالة أشبه ببطلة مسرحية «بجماليون» لتوفيق الحكيم، وقد خرجت لعالم العيان بعد أن كانت مجرد تمثال جميل ولكنه ميت إلا من الأحاسيس التي نلبسها إياه فثمة فرق بين الواقع والخيال وهو نفسه الفرق بين عوالم الوهم الجميلة التي يتحكم فيها المؤلف وبين صخور الحقيقة التي نسقط عليها متعثرين عند أولى الخطوات، لعل هذا بعض من المعنى، وماذا سيفعل هذا الخارج للواقع في ظل عولمة تأكل كل شيء كما هو حلم السعداوي «شفت العمارات اللي شفناها قبل قليل حلمت أنها تحوّلت إلى ديناصورات التهمتنا وستلتهم كل شيء»، هذه ليست نبوءة بقدر ما هي نبرة تحذير فثمة فقراء لهم حكاياتهم الصغير التي تسهم في نسج الحكاية الكبرى للفيلم انهم يفترشون الشوارع يأكلون من بقاياها وثمة عالم استهلاكي قاتل أو قل ثقافة استهلاكية قاتلة ترمي بكل شيء من مادة أو من قيم جميلة لعل هذا ما أوحى به مشهد ركام الصرف الصحي خلف المدينة الجميلة والعمارات الباسقة. وفي مشهد آخر ثمة عامل فقير هو إنسان ما قد نشهده كل يوم يبحث عن رزقه بعرق شيخوخته المثخنة بغضون زمن بائس، يغسل السيارات في حوار سريع غير مفهوم جيدا إلا من تأوهات من زمن تعيس ومعيشة ضيقة ضنكة، نكتشف بعدها أنه مات بعد أيام فقط من هذا الحوار فتنتسج الحكاية خيوطها بنفسها ليوهمنا السعداوي أنه لم يتحكم بها فانطلق يعد هذا الفيلم من غير سيناريو كما يشير. وإذا كان المثل الإنجليزي يقول إن الموتى لا يروون الحكايات فإن السعداوي في فليمه هذا كذب هذا المثل فسمح لهم برواية الحكايات فهذا ميت رويت حكايته، وها هم الميتون من تغول عولمة تدهسهم كل يوم يروون حكاياتهم عبر هذه اللقطات المتقافزة من مشهد لآخر ومن محطة لأخرى.

أمنية الماجد وابنته

وثمة فيلم آخر لأسامة الماجد تنسج فكرته ابنته الصغيرة إلا من خيال مفتوح رغم عمرها الصغير لتتجاوز قيد الإعاقة كم تقول الصورة إلى فسحة الأمل التي تمنحها الابتسامات العابرة من وجوه مازالت بخير. أما مهرجان مسرح الريف فله فسحة قادمة لعلها تتسع للكلام.

حبيب حيدر

العدد 2260 - الأربعاء 12 نوفمبر 2008م الموافق 13 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً