بالأمس كان حديثي عن أشخاص أعطوا وتفانوا في العطاء في بطولة العالم لبناء الأجسام، واستطاعوا بحق تشريف بلدهم في هذا المحفل الرياضي العالمي الكبير. واليوم حديثي عن رئيس الاتحاد البحريني لكرة اليد عبدالرحمن بوعلي الذي أبى إلا أن يترجّل من على صهوة جواده، مثله مثل الشمعة التي تذوب من أجل أن تنير الطريق للآخرين، فهذا هو قدرهم في الحياة. وعلى رغم أن هذا إطراء يخالفني فيه البعض لكن واجبي كصاحب قلم أن أكتب ما يمليه عليّ ضميري.

والحديث الذي يطال رئيس الاتحاد البحريني لكرة اليد عبدالرحمن بوعلي قد يطول ويفوق مقدار هذا العمود؛ بسبب ما يربطني بهذا الرئيس الذي عملت معه جنبا إلى جنب ردحا من الزمن تحت مظلة المؤسسة العامة للشباب والرياضة... ولكن ما يحزّ في النفس في بلدنا ان ليس كل من يعمل بإخلاص وتفان يلقى التقدير بالضرورة؛ لأن هناك الكثير من المصالح الشخصية والكثير من الغَيرة والحقد وحب الأنا.... وهناك أيضا الإدارة الفوقية التي تفرض كلمتها على رجالات الاتحاد وخصوصا العاملين تحت لوائه. لذلك حينما واجهته مشكلات جمة مع الاتحاد الآسيوي لكرة اليد وهي المشكلة التي اتخذ منها البعض وسيلة للهجوم على شخصه، كنت أقول له: «مشكلتك أنك لست صاحب القرار فيها!».

هذا الرجل أعطى للعبة ما قد يعجز الكثير عن تقديمه، فقدم الكثير من وقته وجهده، وكان قريبا من اللاعبين والمدربين والمنتخبات الوطنية، فلم يتدخل في قرار لصالح أحد الأندية، كما لم يفرض هيمنته على إحدى لجان الاتحاد، وكان همه تحقيق أحد المنتخبات إنجازا عالميا أو قاريا. وأذكر أنه كان قد اتصل بي في ساعة متأخرة من الليل يبكي على ما حاق بمنتخبنا من ظلم في أصفهان. كما نجح في التوقيع على صفقة تاريخية مع بيت التمويل الخليجي والتي تراجع مقدارها حتى وصلت هذا العام إلى 150 ألف دينار، على رغم أن البعض اتهمه بالهروب من الاتحاد بعد الاستقالة، ووضع الاتحاد في موقف محرج، في حين تعجز الكثير من الاتحادات الرياضية في الحصول على جزء من هذه الصفقة. وعلى رغم ذلك كانت هناك أقلام مخصصة لانتقاد شخصه من دون أن يكون هناك سبب واضح وصريح لذلك. وحينما كانت تزداد عليه المواجع بسبب مثل هذا النقد اللاذع، كان يتصل بي ليبث همومه، وكنت أرد عليه وأقول له: «الشجرة المثمرة هي المعرضة - دائما - للرمي، ولأنك ابتليت بذلك، فإما أن تتحمل مثل هذا النقد وإما أن تترجل عن مقعدك وتبتعد عن الاتحاد!».

هناك الكثير من الكلام غير القابل للنشر؛ لأنه من الأمور الخاصة التي تربطني بهذا الرجل، ولكن حينما حصل بوعلي على وظيفة مالية مرموقة تبعده عن الرياضة وتعيده إلى سيرته الأولى كمدير مالي في إحدى المؤسسات المالية الخليجية، كان بين نارين، إما أن يستقيل من الاتحاد (وهو قرار العقل) أو يستمر مع الاتحاد (وهو قرار العاطفة)، وكان القرار جاهزا قبل أسابيع من انعقاد الجمعية العمومية، وكان ممكنا أن يتغير في أول اجتماع بسبب الضغوط التي مورست عليه من أعضاء الاتحاد الذين سيشاركونه في الدورة الجديدة، أو بعض الشخصيات الرياضية... والحقيقة أن ما يربط عبدالرحمن بوعلي برئيس اللجنة الأولمبية الشيخ عيسى بن راشد أمر لا يوصف. فقد كان شديد الاحترام والحب له وكان دائما يقول: «أنا لست من الأشخاص الذين يعضون اليد التي امتدت اليهم وساعدتهم طوال حياتهم»، وعلى رغم ذلك كان تفسير تصريحه الخاطئ بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير!». عموما، أنا لن أطلب من بوعلي أن يتراجع عن قراره؛ لأنه أفضل من ترأس اتحاد اليد على مر السنين الطويلة التي عاصرت فيها اللعبة، وكان لي شرف المشاركة في تأسيس الاتحاد وانتشار اللعبة في بلدنا، والسبب أنني سبق أن قلت لبوعلي وجهة نظري قبل أن يعلن عن قراره.

ولكن في الأخير، أتمنى على مجتمعنا الرياضي ألا تغويه الكلمات الخادعة أو النقد غير الموزون؛ لأن هذا سيعجل برحيل أفضل كوادرنا الرياضية مثله، مثل ما أصاب رئيس اتحاد رفع الأثقال والتربية البدنية محمد عبدالرحيم من إحباط إذ يعد أفضل من ترأس اتحاد اللعبة، فقد بات يفكر جديا في الرحيل.