العدد 1777 - الأربعاء 18 يوليو 2007م الموافق 03 رجب 1428هـ

سينما العنف تطلق رصاصة الرحمة على الرومانسية

متهمة بإفساد سلوك الشباب:

حذر نقاد وسينمائيون عرب من خطورة انتشار موجة الأفلام السينمائية في الفترة الأخيرة التي تجسّد مشاهد العنف والجنس، خصوصا تلك التي تقوم ببناء أفكارها المحورية على الإسفاف الجنسي من دون النظر إلى الرسالة الحقيقية التي من الممكن أن يؤديها الفن السابع.

وأكدوا أن فيلم الأب الروحي «لمارلون براندو» رغم أنه أبهر الكثيرين وأثار امتعاض آخرين لازدحامه بعدد من مشاهد العنف والجنس ما هو إلا واحد من مئات الأفلام القادمة التي تحمل المعني نفسه صنعت خصيصا من أجل مغازلة شباك التذاكر، هذا الاتهام موجة بشدة للسينما الأميركية دون غيرها·

ويرى البعض أن أفلام العنف والجنس تؤثر سلبا على كيان هذا المجتمع ولقد كانت الجريمة البشعة التي ارتكبها حبيبان أميركيان عندما قاما بقتل عدد كبير من زملائهما بالمدرسة ثم انتحرا أعنف واقسى ترجمة لتلك الأمراض القاتلة التي يعاني منها المجتمع الأميركي، لكنها أيضا دفعتنا لنوجه أصابع الاتهام مرة أخري إلى سينما العنف والدماء والجنس، تلك الصناعة التي تسعى في الأساس إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب المالية التي تحصل عليها من جيوب الصبية في كل العالم بينما لا تهتم بما تتركه مشاهد العنف في مخيلة المتفرج الذي يستسلم أمام الفيلم، والكارثة الحقيقية أن هذه الصناعة لا تناقش أية قضية.

واعتبر النقاد أنه من الطبيعي أن تشير أصابع الاتهام إلى السينما الأميركية وحدها ؛لأنها رائدة أفلام العنف ووقودها الحي إلى يومنا هذا، إذ يتفنن صانعو تلك الأفلام في تلفيق وتطوير مشاهد مزعجة، مستخدمين في ذلك أحدث الوسائل التكنولوجية لتظل سينما العنف وحدَها هي الأكثر انتشارا في العالم.

وإذا كنا رأينا قديما وفي أفلام الغرب تكرار مشاهد وثيمة العنف، إلا أن ذلك تكرر كثيرا في أفلام حديثة مثل «ما الذي أفعله هنا»، وفيلم «الجاذبية المميتة» الذي يجسّد شخصية امرأة متسلّطة ذات نفوذ كبير وفيلم «دستة أشرار»، حيث يصوّر اثني عشر سجينا يحكم عليهم بالإعدام ويعرض عليهم القيام بعملية انتحارية لخدمة وطنهم أثناء الحرب ويوافقون ويموتون شهداء في سبيل الوطن، أما فيلم «الشيطان يعيش مرتين» وهو إنجليزي من إخراج لويس جلبرت، فتدور أحداثه عن البطل الذي يقضي على عصابة تريد أن تسيطر على العالم وبعد مغامرات متعددة لقتله، ينجح البطل في التخلّص منهم، وإعادة الأمور إلى نصابها، بعد سلسلة من الأحداث العنيفة ويتخلل الفيلم مشاهد جنسية صارخة.

دوافع مادية

أكّد سينمائيون أن بعض شركات الإنتاج السينمائي تلجأ إلى هذه النوعية من الأفلام، لتحقيق مكاسب مادية ضخمة، أو لسد العجز في موازناتها ويبدو أن هذا ما حدث مع شركة «بارامونت» فقد وجدت في أفلام العنف والجنس ضالتها المنشودة، بعد سلسلة متلاحقة من الخسائر التي لحقت بها بسبب إنتاج عدد كبير من الأفلام الرومانسية في السبعينيات ومنتصف الثمانينيات واستطاعت بفيلم «الجاذبية المميتة» تعويض جزء من خسارتها، إذ حقق الفيلم إيرادا بلغ 95 مليون دولار أميركي، كما لاقى إقبالا في كثير من دول أوروبا والولايات المتحدة، وهذا ما أعلنه صراحة رئيس شركة بارامونت، بأن هذا الفيلم قد أعاد للشركة توازنها المالي، ويعتبر هذا هو ثاني فيلم يحوز على شهرة واسعة من إنتاج الشركة.

وجذبت أفلام العنف الكثير من كبار النجوم العالميين من أمثال مايكل دوجلاس الذي قام ببطولة فيلم «الجاذبية المميتة» والذي كان يتخوف من أن لا يحقق أية إيرادات لامتلائه بمشاهد العنف والجنس، وأنه لا يقدم رؤية جديدة، ولكنه دهش من الإقبال الكبير من جانب الجمهور على هذا الفيلم، ففي هذا الفيلم تبرز مشاهد العنف والإثارة بصورة خطيرة وكبيرة، وأرجعت شبكة التليفزيون الأميركية NBC سر نجاح أفلام العنف إلى رد فعل الأفراد تجاه الظروف المجتمعية القاسية، التي يواجهونها ومن ثم فإن عملية الإسقاط التي يشعر بها المشاهد في مثل نوعية هذه الأفلام هي السر الكامن والرئيسي وراء نجاحها.

تعاطف النقاد

ويأتي تعاطف رواد ونقاد السينما العالمية مع هذه النوعية من الأفلام؛ ليمنح انتشارها شرعية فنية ودعما نقديا، ففي مهرجان «كان» السينمائي في فرنسا تم منح فيلم «صمت الحملان» خمسة جوائز أوسكار وهي: أحسن فيلم، أحسن ممثل، أحسن ممثلة، أحسن قصة، أحسن سيناريو... وهذا الفيلم مليء بمشاهد العنف والشذوذ الجنسي، فهو يجسّد مشكلة الدكتور الأميركي آكل لحوم البشر، وقد حقق هذا الفيلم أرقاما قياسية في جميع أنحاء العالم، وهكذا نجد أن أفلام العنف قد اقتحمت عالم الجوائز، مما يعني الاعتراف بوجودها.

وأكد عدد كبير من النقاد الفرنسيين والبريطانيين استياءهم لمنح هذا الفيلم كل هذه الجوائز، معلنين أن السينما الأميركية تعتمد في أفلامها بصورة رئيسية على العنف والجنس في إشارة صريحة إلى فيلم «غريزة أساسية» الذي قام ببطولته مايكل دوجلاس وشارون استون، وقد وصفه النقاد بأنه فيلم جريء لاحتوائه على مشاهد جنسية أساسية، نظرا لأنه يناقش مشكلة الشذوذ الجنسي، وقد ساهم هذا الفيلم في زيادة شهرة الممثلة الأميركية شارون ستون في حين لم يضف ذلك إلى رصيد دوجلاس.

الرومانسية أفضل

وفي المقابل يرى النقاد أن الرومانسية لم تنته، وستظل لأنها تتفق وجوهر الإنسان، الذي يميل دائما إلى الأحاسيس والمشاعر الرقيقة والدافئة، ولكن للأسف تاهت الرومانسية في زحمة الحياة، ولاتزال أغلبية المشاهدين تفضل الرومانسية وتنبذ العنف، على الرغم مما تقوم به سينما العنف في التنفيس عن المشاهدين من الكبت والقمع، الذي يقع سواء من السلطة - أيا كان مصدرها - أو من الضغوط والظروف المجتمعية القاسية التي يتعرض لها، بدليل النجاح الساحق الذي حققه فيلم «تيتانيك» وتحطيمه لكل أرقام الإيرادات في السينما العالمية.

وبرزت السينما الصينية في الأعوام الماضية بأفلامها المتميزة، فبعد أن كانت متهمة بتركيزها على العنف الزائد عن الحد، أصبحت هناك أفلام رومانسية، استطاعت أن تحوز إعجاب العالم في مهرجان كان، يفوز أحد أفلامها بجائزة أحسن فيلم وجائزة أحسن ممثل وممثلة، وقد أرجع أحد المخرجين العالميين السبب في هذا التفوق للأفلام الصينية في الفترة الأخيرة في المهرجانات العالمية، إلى حرية التناول والتركيز على القضايا الأساسية في المجتمع ونبذ العنف غير الضروري في الأفلام.

اتهامات متبادلة

وهناك اتهامات توجّه إلى السينما على أنها السبب المباشر في إفساد الشباب، وسلوكه الإجرامي لتحقيق طموحاته ورغباته والتعبير عن نفسه، وذلك من خلال عرض أفلام العصابات والأفلام البوليسية وأفلام العنف، واعتبر كثير من العلماء أن إجرام الشباب قبل وبعد الحرب العالمية الثانية نتيجة للسينما وتقليده لما يعرض على الشاشة، من طريقة استعمال المسدسات والتخلّص من الخصوم بطريقة عنيفة، مما يثير لدى الشباب الصدمات العصبية، ونجد آثارها على كثير من المجرمين، على رغم أن هناك اتفاقا يكاد يكون تاما بين علماء النفس، الذين قاموا بدراسات عن تأثير سينما العنف على الشباب والأطفال وكشفت هذه الدراسات عن أن السينما نادرا ما تكون سببا في انحراف الصغار، لأن الشباب المنحرف لم يصبح أكثر انحرافا، مما كان عليه قبل ظهور السينما على أن السينما أصبحت كبش فداء سهل، والعكس هو الصحيح، وأن السينما تحفظ الصغار بعيدا عن الشر، ويري البعض أن الرغبة في إرضاء الجمهور أدت إلى استمرار إنتاج هذه الأفلام ونحن الآن في حاجة إلى إعادة نظر، وتقييم لحال السينما، حتى لا تفقد جمالها، واضعين في الاعتبار أن السينما صناعة كأي صناعة، تتأثر بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، التي تسود في مرحلة ما، وأن انفصالها عن الواقع مستحيل مهما يكن هذا الواقع.

العدد 1777 - الأربعاء 18 يوليو 2007م الموافق 03 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً